برلمان تونس الجديد أمام تحدي استعادة ثقة الشارع

87
برلمان تونس الجديد أمام تحدي استعادة ثقة الشارع
برلمان تونس الجديد أمام تحدي استعادة ثقة الشارع

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. يجد برلمان تونس الجديد، الذي انطلقت أولى جلساته مؤخرا، أمام تحدي استعادة ثقة الشارع الذي ظلت صورة البرلمان السابق السلبية عالقة في ذهنه بسبب ما عاشه حينها المشهد البرلماني من تشنج وصراع حاد بلغ حد تذمر وسخرية التونسيين من أداء بعض النواب والأحزاب.

وانتخب البرلمان التونسي الجديد رئيسا له في جلسته الأولى، إبراهيم بودربالة عميد المحامين السابق والمعروف عنه دعمه لمسار الرئيس قيس سعيد منذ إعلانه إجراءات 25 جويلية الاستثنائية.

ونقلت وسائل إعلامية عن بودربالة قوله فور انتخابه إن“ البرلمان سيعمل مع الحكومة ورئاسة الجمهورية على بناء تونس الغد“.

والبرلمان الجديد، الذي تشكل عقب انتخابات أجريت في ديسمبر ويناير الفائت، يعمل بموجب دستور صاغه الرئيس سعيد بنفسه العام الماضي وأقره في استفتاء بنسبة إقبال بلغت نحو 30 بالمئة، ستكون له سلطة محدودة مقارنة بالبرلمان السابق الذي حله.

وأشار الرئيس سعيد خلال زيارة لبلدة غار الدماء إن“ على النواب أن ينتبهوا إلى أنه يمكن للشعب سحب الثقة منهم إذا لم يقوموا بدورهم“.

وبينما تبدى الرئاسة تفاؤلا مع قدرتها على تجاوز انتقادات وضغوط المعارضة التي ترفض الاعتراف بشرعية البرلمان حيث تعتبر حل البرلمان السابق “انقلابا“ على الديمقراطية، يطرح المتابعون تساؤلات بشأن قدرة البرلمان على إعادة ثقة التونسيين في نخبه السياسية خاصة أن نسبة كبيرة لم تبدي اهتماما بالانتخابات التشريعية وقد كان فتور الشارع في التفاعل معها جليا.

وتعتبر نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة الهزيلة غير مسبوقة في البلد، حيث بلغت نسبة المشاركة فيهما على مدى دورتين التالي: 11.2 و11.4 بالمئة، وهو ما رأته قوى سياسية معارضة “فشلا” ودعت إلى انتخابات رئاسية مبكرة,.

وتعكس النتائج استياء الشارع من الطبقة السياسية المنشغلة بمعاركها على السلطة والنفوذ، بينما الغلاء المعيشي والأزمة الاقتصادية بلغت ذروتها دون أفق للحلول أو تحسين للأوضاع.

وعلى غرار انشغال التونسيين بالضائقة الاقتصادية، فان الصورة السلبية للبرلمان السابق تصرف أنظارهم عن البرلمان الجديد أمام تشكيك في قدرة نواب بصلاحيات محدودة بالمساهمة في حل مشاكل البلد العالقة.

صورة سلبية

لازال التونسيون يتذكرون العراك داخل البرلمان بين بعض نواب السلطة والمعارضة، حيث تحول البرلمان إلى ميدان للشجار وتبادل للعنف اللفظي والجسدي خاصة بين نواب الحز الدستوري الحرب وحزب ائتلاف الكرامة، ما قاد إلى تعطل أشغاله حيث أرجأت الجلسات في مرات عدة المصادقة على مشاريع قوانين.

وكانت الفوضى العارمة التي عاشها البرلمان المنتخب في 2019 النقطة التي أفاضت الكأس، حيث تم حله في 25 جويلية 2021 بقرار من الرئاسة، وذلك بعد عقد من الزمن فشلت الأحزاب في تحقيق المطالب التي نادت بها ثورة يناير 2011 وهي التشغيل والعدالة الاجتماعية.

وبالرغم من حل البرلمان السابق في لحظة استثنائية، تراجع تفاؤل التونسيين بسبب تركيز السلطة على المعركة السياسية على حساب الوضع الاقتصادي المتردي، الأمر الذي قاد إلى فتورهم في المشاركة في الانتخابات التشريعية والإحجام عنها.

ومع انطلاق أولى جلساته، تتجه الأنظار إلى مدى تفاعل التونسيين مع النواب الجدد، فيما رأى متابعون أنه يصعب القطع مع صورة السلبية للبرلمان القديم خاصة بعد إيقاف نائب جديد بعد أدائه اليمين الدستورية وتبين أنه مطلوب للعدالة، حسب ما ذكرته وسائل إعلام محلية.

منجي الحرباوي، قيادي في حركة نداء تونس

وأعرب القيادي بحزب نداء تونس منجي الحرباوي في حديثه لـ“أفريقيا برس“ عن“ أمله في تغيير الصورة النمطية التي طُبعت في ذهن المواطن عن البرلمان خاصة خلال الفترة الأخيرة حيث يوكل إلى النواب الجدد مسؤولية تغيير هذه الصورة التي قادت إلى حله“.

ويتابع الحرباوي“ الصورة سلبية فيما يخص الأحزاب والعمل النيابي ودور النائب وخاصة فيما يتعلق بالصراعات السياسوية المملوءة بالشحن والتصرفات غير المقبولة التي تصدر على النخبة وعلى البرلمان الجديد تغيير هذه الصورة بدرجة أولى، وبدرجة ثانية هو مطالب بالانجاز وأن يقدم نتائج، والفرق هو أن مسار 25 جويلية هو مسار رئيس الجمهورية بالرغم أن 90 بالمئة من التونسيين قال أن هذا المسار خاطئ وأنه ليس وطنيا ولا يهم جميع التونسيين وأنه شخصي“.

وأستدرك بالقول“ لذلك فإن النواب الجدد المنخرطين في هذا المسار مطالبين بإثبات العكس بأنه مسار صحيح وطني ولا يهم ال10 بالمئة فقط من الناخبين، وهذه المسؤولية تتجسد من خلال فتح الملفات الحقيقية ذات الأولوية والمتعلقة بالملفين الاقتصادي والاجتماعي“.

وبخصوص انتقاد المعارضة لشرعية البرلمان الجديد، يعتقد الحرباوي أنه“ علينا التعرف أولا على البرلمان فهو ليس كالبرلمان السابق ولا برلمان 2014 ولا يشبهه في الصلاحيات الموكولة إليه، حيث لا يتمتع بصلاحيات تخول له بأن يكون فاعلا وذو قوة سياسية“.

واستنتج بالقول:“ لقد سحبت منه كل الصلاحيات التي بإمكانها محاججة ومقاومة السلطة التنفيذية خاصة في مسألة سحب الثقة ومنح الثقة، حيث أصبح البرلمان شكليا من أجل المصادقة على القوانين فقط، بالتالي فان الاختلاف في الصلاحيات مع البرلمان السابق، لا يسمح له بالتمتع بمعارضة قوية لأنه برلمان غير فاعل بالأساس“.

صفحة جديدة

يرى محللون أن التشكيك في شرعية ودور البرلمان الجديد ورقة تستخدمها المعارضة ضد الرئاسة بهدف التشويش على صورتها أمام الرأي العام، في حين أنه بإمكان طي صفحة البرلمان السابق وبدء صفحة جديدة أكثر ايجابية مع انطلاق أشغال البرلمان استنادا لدعم طيف واسع من الشارع لمسار 25 جويلية منذ البداية.

وحسب هؤلاء فإنه بإمكان ترميم الصورة من الجديد واستعادة الشارع للثقة في السلطة التشريعية رغم محدودية صلاحياتها، حيث ستتراجع الصراعات بين الكتل السياسية وسط حالة التجانس والانسجام المهيمنة على النواب الجديد، الأمر الذي سيلقي بضلاله إيجابا على عمله.

نبيل الرابحي، محلل سياسي

ولا يعني العزوف عن التصويت في الانتخابات الأخيرة رفضا للبرلمان الجديد، حسب حديث المحلل السياسي نبيل الرابحي لـ“أفريقيا برس“.

ويرى الرابحي أنه“ علينا أن نفرق أولا بين نسبة العزوف ونسبة المقاطعة حيث حاولت المعارضة بعد الانتخابات التسويق إلى أن قرابة 90 بالمئة قاطعوا الانتخابات التشريعية وهذا خطأ“، حسب تعبيره.

وشرح بالقول: “ هناك عدة أسباب منها أن الجسم الانتخابي في انتخابات 2014 و2018 البلدية و2019 التشريعية أو ما يدلون بأصواتهم الحقيقية هم قرابة 3 ملاين شخص، ونحن رأينا في الاستفتاء على الدستور في جويلية ذهاب قرابة مليونيين شخص للتصويت وهو رقم محترم“.

أما نسبة العزوف فهي لعدة أسباب منها ما قامت به الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فيما يخص التجهيز الآلي لقرابة مليونين ناخب وهذا ما اثر على نسبة المشاركة، حسب تقدير الرابحي.

وتابع بالقول:“والأهم من ذلك أنه طيلة العشرة سنوات فقد الشارع الثقة في هذا المجلس ونحن نعلم أن التونسيين يفضلون النظام الرئاسي أكثر وهذا عبر التاريخ أما النظام البرلماني فهو هجين بالنسبة لنا“.

واستحضر الرابحي“المظاهر والأحداث المزرية التي شاهدناها في البرلمان الأخير، كما أن غالبة النواب لم يستجيبوا لمطالب الثورة والاهتمام فقط بامتيازاتهم، بغض النظر على هموم الشعب، كل هذا جعل من الشعب التونسي يعزف على التصويت“.

وخلص الرابحي بالقول:“اليوم دور البرلمان الجديد هي إعادة هذه الثقة مع الشارع وخدمة الوطن وليس الأحزاب“.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here