بيان الخارجية التونسية بشأن المحكمة الإفريقية يعمّق الجدل بدل تبديده

37
بيان الخارجية التونسية بشأن المحكمة الإفريقية يعمّق الجدل بدل تبديده
بيان الخارجية التونسية بشأن المحكمة الإفريقية يعمّق الجدل بدل تبديده

إلهام اليمامة

أفريقيا برس – تونس. أصدرت وزارة الخارجية التونسية بيانا توضح فيه للرأي العام، محليا ودوليا، ما تردّد بشأن انسحابها من البروتوكول المتعلّق بالميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشّعوب، وبينما سعى البيان إلى النأي بتونس عن الانتقادات التي طالتها بسبب ذلك بتأكيده فقد أثار جدلا أكبر وزاد من مأزق الخارجية التونسية التي صارت محلّ انتقادات كثيرة من التونسيين بسبب ما يعتبرونه سياسة ضبابية في التعامل مع القضايا الهامة وافتقاد مسّيريها للثقل والخبرة التي كانت تميز الدبلوماسية التونسية.

ونفت زارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، في بيانها، نشرته على غير العادة عبر وكالة تونس أفريقيا للأنباء وليس عبر صفحتها الرسمية، انسحاب تونس من البروتوكول المتعلّق بالميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشّعوب، القاضي بإنشاء المحكمة الإفريقيّة لحقوق الانسان والشّعوب، بل سحبت إعلانها قبول اختصاص هذه المحكمة تلقّي عرائض من الأفراد والمنظّمات غير الحكوميّة، والذي كانت قد أودعته سنة 2017.

وكانت وثيقة رسمية انتشرت عبر موقع التواصل الاجتماعي كشفت أن الدولة التونسية قررت سحب الاعتراف باختصاص المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.

وكتب رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بسام الطريفي، حينها: “تونس تسحب اعترافها باختصاص المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب في تلقي العرائض الصادرة عن الأفراد والمنظمات غير الحكومية”.

وقالت الخارجية، في بيانها الذي أجج نيران الانتقاد، إن سحب الاعتراف بهذا الاختصاص، استنادا إلى مبدأ السيادة الوطنية، ورفضها القاطع التّدخّل في شؤونها الوطنيّة الدّاخلية مهما كانت الجهات والمبرّرات، لا يعني التخلي عن المحكمة الافريقية التي تبقى أداة أساسية لحلّ النزاعات المتعلقة بتفسير وتطبيق الميثاق الافريقي لحقوق الانسان والشعوب، وأي صكّ آخر من صكوك حقوق الانسان الأخرى التي صادقت عليها الدول الإفريقية.

لكن، لم يبدو هذا البيان، الذي جاء متأخرا كثيرا وفق المتابعين، مقنعا ولم يهدأ من غضب الحقوقيين والمحامين والمنظمات الدولية التي اعتبرت أن هذا القرار يتنافى وتاريخ تونس الرائد في مجال حقوق الإنسان على المستوى الإفريقي.

وقالت المستشارة السياسية الأستاذة سماح الكافي لـ”أفريقيا برس”: “قرار سحب الاعتراف بإعلان قبول الاختصاص للأفراد والمنظمات غير الحكومية برفع الدعاوى مباشرةً إلى المحكمة الأفريقية، بعد استنفاذ آليَّات الانتصاف المحلِّيَّة يحرم التونسيين من أفراد ومنظمات غير حكومية من حق الوصول إلى المحكمة الأفريقية والتقاضي الإقليمي والدولي برفع الدعاوى مباشرة إلى المحكمة الأفريقية”.

ووصفت الكافي هذا القرار بأنه “تراجع خطير عن الالتزامات الدولية لتونس وعودة مُشينة إلى الوراء”، متسائلة “فأيَّة مصداقيَّة لبلادنا في دعم التَّقاضي الدّولي ضدَّ الدَّولة القائمة بالاحتلال، ونحن نرفض احترام مبادئ التَّقاضي الوطني والإقليمي والدُّولي؟ ولا نملك إلَّا أن ندعو الحكومة التُّونسيَّة ورئيس الجمهوريَّة قيس سعيِّد مساعد القانون بالجامعات التُّونسيَّة لإعادة النَّظر في هذا القرار ولرفع هذا الانسحاب سابقا وتفادي العودة إلى الوراء”.

ويمنح البروتكول المذكور، للدول التي ترغب في ذلك، إمكانية قبول اختصاصات تكميلية واختيارية، ولم ينخرط في هذه الفرضية سوى 12 دولة فقط، من بينها خمس دول (بما فيها تنزانيا دولة مقر المحكمة)، سحبت لاحقا إعلانها قبول اختصاص هذه المحكمة تلقّي عرائض من الأفراد والمنظّمات غير الحكوميّة، بسبب ما اعتبرته تدخلاّ للمحكمة في شؤونها الداخلية.

واعتبر مراقبون أن السبب وراء هذا التراجع القضايا التي رفعها عدد من التونسيين أمام المحكمة، ونظرت فيها بالفعل، وصدرت فيها أحكام منها حكما يقضي بأن “الاجراءات المتخذة في تونس بعد 25 جويلية باطلة وعلى الدولة التونسية تنفيذ هذا الحكم في ظرف سنتين على الأقصى”، وحتى وإن لم ينفذ النظام هذا الحكم فإن له تأثيره على المستويين القاري والإفريقي ومن شأنه أن يمسّ بصورة النظام التونسي في الخارج.

وبينما قال حقوقيون ومحللون سياسيون إن من حق التونسيين أن يلجؤوا للقضاء الخارجي في غياب قضاء “عادل ونزيه’ في بلادهم، صنّف النظام ذلك على أنه مساس “بسيادية الدولة”، واعتبر قرار المحكمة تدخلا في السياسة الداخلية لتونس.

وأوضحت وزارة الخارجية أن السلطات التونسية اتخذت هذا القرار السيادي، نظرا لما تمّ تسجيله في الآونة الأخيرة من رفع عديد القضايا ضدّ الدّولة التّونسيّة أمام المحكمة الإفريقيّة، والتّي كان الغرض منها التّوظيف السّياسي بغاية التّشهير والمسّ من هيبة الدّولة ومؤسّساتها وبمصداقيّة القضاء التّونسي دون وجه حق، رغم الجهود المتضافرة من أجل تطوير الوظيفة القضائية، بفضل الترسانة القانونية الشاملة والمتكاملة التي تضمن استقلاليّة القضاء وحياده واستصدار أحكام عادلة للمتقاضين.

وذكرّت بأن إعلان تونس قبول اختصاص المحكمة الإفريقية تلقّي عرائض من الأفراد والمنظّمات غير الحكوميّة، كان نابعا من إيمانها بدور هذا الجهاز في تعزيز حقوق الانسان والشعوب في القارة الافريقية، غير أنّها أدرَكت (على غرار دول إفريقيّة أخرى سبقتها)، أنه أصبح وسيلة يحاول القائمون عليه جَرّ تونس إلى مسائل داخليّة وذات صبغة سياسية لدول أجنبية، في حين أنّ موقف تونس الثّابت يقوم على الحياد الإيجابي وعدم التّدخّل في الشّؤون الدّاخلية للدّول.

وانتقد الدبلوماسي التونسي السابق عبدالله العبيدي “حالة الضبابية التي أصبحت تعاني منها الدبلوماسية التونسية”، يدعمه في ذلك الناشط الحقوقي عبدالوهاب الهاني، الذي كان من أوائل من نشر الوثيقة السرية وكشف عن تراجع تونس عن الاعتراف باختصاص المحكمة في تلقي دعاوى مباشرة.

وقال الهاني في تدوينة مطولة على صفحته: “في استهتار بالرأي العام الوطني والإفريقي والعربي والدولي، وزارة الشؤون الخارجية ترسل بيانا متأخرا بـ27 يوما لوكالة تونس إفريقيا للأنباء ولا تنشره على موقع الوزارة (!!!) وتقر بأن سبب الانسحاب من آلية الشكاوي الفردية أمام المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب هو ارتفاع عدد الشكاوى (؟؟؟)…..

ووصف الهاني بيان وزارة الخارجية بأنه “أقرب للتسريب الإعلامي”، مضيفا: “… جاء هذا الاعتراف المتأخر بعد عشرة أيام من نشرنا لنص إعلان الانسحاب يوم 20 مارس وبعدما تناقلته المنظمات الوطنية والدولية ووسائل الإعلام المحلية والعالمية، بعد أن وصلنا من أصدقاءنا اصدقاء تونس داخل المنتظم الإفريقي.. وبعد 26 يوما من ختم الإعلان في نسختين بالعربية والفرنسية من طرف الوزير النفطي يوم 3 مارس وهو خارج تراب الوطن ممثلا لرئيس الجمهورية في القمة العربية الطارئة حول فلسطين (…)، تجاهل البلاغ فقه المحكمة وإسهامها الكبير في تطوير الفقه الدولي لحقوق الإنسان، وتجاهل أداءها بفضل تعاون تونس معها باستضافة أشغالها سنة 2018 وبفضل عضوية قاض تونسي فيها في شخص القاضي رافع بن عاشور… كما تجاهل البلاغ أن الانسحاب لا يدخل حيز النفاذ إلا بعد سنة من تاريخ إيداعه أي بتاريخ 7 مارس 2026.. وأن الأفراد والمنظمات المعتمدة بإمكانهم مواصلة تقديم الشكاوي إلى غاية ذلك التاريخ.. وأن تونس ملزمة قانونيا بالتعاون وبتنفيذ أحكام المحكمة التي سبقت إيداع الانسحاب والتي ستليه في كل القضايا المنشورة والتي ستنشر قبل تاريخه والامتثال لكل الأحكام التي ستصدر في شأنها حتى بعد سنوات، عملا لمبدأ الأمان القانوني.. “.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here