أفريقيا برس – تونس. يحرج تراجع مناخ الحريات في تونس الرئيس قيس سعيد التي تطاله انتقادات محلية ودولية، بسبب حملات تضييق مستمرة ضد الأصوات المعارضة لسياساته منذ 25 جويلية – تموز وشنه حملة اعتقالات واسعة استهدفت معارضين من الصف الأول مستثمرا شعار الحرب ضد الفساد لإبعادهم عن الساحة السياسية.
وأعربت أوساط حقوقية وإعلامية وسياسية محلية عن مخاوفها وقلقها الشديد من تراجع كبير للحريات في البلد بسبب الانتهاكات والتضييقات المستمرة التي استهدفت حرية التعبير والتظاهر وذلك منذ احتكار الرئيس سعيد للسلطات، بينما يشدد الرئيس سعيد في أكثر من مناسبة،على عدم المساس بالحريات والحقوق.
واعتبر صحافيون أن حرمان وسائل الإعلام الدولية والخاصة من تغطية جلسة البرلمان الأولى الافتتاحية مؤخرا، مؤشرا خطيرا يعكس التهديدات التي تطال حرية الإعلام والتعبير بالبلد، وبالرغم تغاضي السلطة عن الانتقادات الحادة التي تطالها في طريقة تعاملها مع ملف الحريات، إلا أنها تربك صورتها أمام الرأي العام المحلي والدولي وتزيد دائرة الضغوط من حولها.
تهديدات جدية
يرى حقوقيون أن تراجع سقف الحريات في تونس منذ إجراءات 25 جويلية يدق ناقوس الخطر خاصة مع توسع حملة الاعتقالات التي طالت صحافيين ورجال أعمال وشخصيات سياسية نافذة، فيما وصفت المعارضة هذه الحملة بالتعسفية هدفها ضرب صفوفها وسط تنديدها بحرمانها من حقها في الاحتجاج والتظاهر.
وكانت نقابة الصحافيين في تونس قد كشفت في تقريرها السنوي الأخير عن “التهديدات الجدية” لحرية الصحافة وخصوصا منذ 25 جويلية.
وأكد معدو التقرير أنه “منذ 25 يوليو، يواصل الرئيس سياسة الاتصال الافتراضي بدون أن ينظم مؤتمرا صحفيا واحدا”. وأضافوا أن سياسة السلطات خاضعة لحكم الرئيس الذي يفرض “إغلاقا تاما” وهي سياسة اتصال “لا تعترف بحقوق المواطنين في معرفة ما يحصل في بلدهم”.
كما أن “الخروقات” المسجلة خلال العام الفائت كانت الأعلى خلال السنوات الخمس الفائتة ومرتبطة بالتدابير الاستثنائية التي أقرها الرئيس من بينها ملاحقة الصحافيين قضائيا وتعنيفهم والضغط من أجل تغيير سياساتهم التحريرية خدمة للسلطات الحاكمة، وفق المشرفين على التقرير.
وشددت النقابة على “تراجع كبير” في احترام الحريات بسبب التجاذبات السياسية وهشاشة الوضع الاقتصادي في البلاد. فيما يتهم معارضو سعيد بالتأسيس لديكتاتورية وحكم فردي في البلاد، حيث تقول المعارضة ومن بينها أساسا “جبهة الخلاص الوطني” ، التي تمثل أكبر تجمع سياسي معارض للرئيس ، إن التهم ملفقة وتستهدف تصفية الخصوم وتقويض الانتقال الديمقراطي.
وعلى صعيد دولي، دان الاتحاد الأوروبي قمع المجتمع المدني في تونس، في تصريحات رفضتها الرئاسة التونسية واعتبرتها تدخلا غير مقبولا في شؤون البلاد الداخلية.
وأعلن البرلمان، في بيان نشره عقب جلسة خصصت لمناقشة أوضاع حقوق الإنسان في تونس وإيران وكمبوديا، مؤخرا، عن “قلقه العميق من النزعة الاستبدادية للرئيس قيس سعيد واستغلاله للوضع الاجتماعي والاقتصادي الكارثي في البلاد للانقلاب على الانتقال الديمقراطي التاريخي في تونس”.
وطالب البرلمان بالإفراج عن المعتقلين بما فيهم الصحفيون والقضاة والمحامون والنشطاء السياسيون والنقابيون، واحترام حرية التعبير وتكوين الجمعيات وحقوق العمال، وفقا للدستور التونسي والمعاهدات الدولية.
وتضع هذه الانتقادات والاتهامات المحلية والدولية الرئيس سعيد في موقف محرج، ويجد نفسه مطالبا بالتفاعل مع هذه الدعوات ايجابيا، في حين قد يخصم تواصله في سياسة التشدد والقمع في هذا الملف من شعبيته أمام توسع رصيد المعارضة، كما يهدد بتقلص دعم الدول الغربية التي أعربت عن تأييدها لمسار 25 جويلية.
ويشير محللون إلى أن تعامل الرئاسة السيئ مع ملف الحريات يخدم حظوظ المعارضة، حيث يعد هذا الملف ورقة في صالحها يمكنها من كسب تعاطف الشارع وتضامنا دوليا، وعلى عكس الآراء التي تشكك في قدرة المعارضة على التوحد، تذهب أصوات أخرى بالتأكيد أن النهج الاقصائي للرئيس يحفزها على تجاوز خلافاتها واستجماع صفوفها.

ويلفت القيادي بحزب التيار الديمقراطي محمد الحامدي القيادي في حديثه ل”أفريقيا برس” إلى أن” كل المؤشرات منذ 25جويلية 2021 تشير إلى أننا بصدد انحراف انفرادي تسلطي ابتدأ بالانقلاب على الدستور ويتواصل بالانقلاب على كل مقومات الديمقراطية وتجريف الحياة السياسية والمدنية التي نشأت في تونس بعد الثورة “.
ورأى أن” هذا المسار الذي بدأ بهدم المؤسسات الديمقراطية يمضي الآن إلى التضييق على الحريات العامة والفردية واستهداف المعارضين بهدف التغطية على الفشل الاقتصادي والاجتماعي للسلطة وإخراس كل صوت معارض ورغم مايبدو من إرباك أصاب المعارضة خاصة بعد الاعتقالات الأخيرة إلا أن سلطة الأمر الواقع فاقدة لمقومات الاستمرار وشرعيتها تتآكل ولن يبقى لها إلا الاستناد إلى القوة الصلبة للإدارة والأجهزة الأمنية والعسكرية إلى حين. ”
وحسب تقدير الحامدي” ستتجاوز المعارضة تشتتها وستتسع دائرة الاعتراض على الانقلاب خاصة على ضوء الأزمة المالية والاقتصادية الخانقة التي يبدو النظام القائم عاجزا على معالجتها ومن المؤكد أن هذا القوس الاستبدادي سيغلق وأن تونس ستعود مجددا للمسار الديمقراطي وستتمكن من تجاوز عثراته وأعطابه السابقة التي سهلت الطريق على مغامرة الانقلاب”.
تشويش على مسار الرئيس
يرى المؤيدون لمسار 25 جويلية أن تزايد الانتقادات بخصوص ملف الحريات يأتي ضمن محاولات المعارضة التشويش على مسار الرئيس بهدف إرباكه والتقليص من شعبيته خاصة وانه بدأ في تطبيق مشروعه السياسي مع انطلاق أشغال البرلمان الجديد متجاهلا تشكيك المعارضة في مشروعيته.
كما يعتقد هؤلاء أن حملة الاعتقالات التي أثارت جدلا واسعا تأتي ضمن معركة تخوضها البلاد ضد الفساد وهي من أبرز مطالب التونسيين الذين دعوا الرئاسة للمحاسبة، وهي ليست توقيفات سياسية كما تصفها المعارضة، حيث بعض الموقوفين متهمين بـ”التآمر على أمن الدولة والوقوف وراء أزمات توزيع السلع وارتفاع الأسعار”.
وحسب متابعين، يستبعد أن تنجح المعارضة في إرباك الرئيس بسبب تراجع شعبيتها من جهة، وافتقادها للبدائل من جهة أخرى، كما أن تشتتها يجعل من خصمها ضعيفا في حين يحافظ الرئيس على قاعدة مهمة من المؤيدين، وباتت السلطات المطلقة في يده ولم تمنه معارضة الأحزاب السياسية في فرض مشروعه.

ويبين المحلل السياسي باسل ترجمان في حديثه ل”أفريقيا برس” أن”ادعاء أطراف في المعارضة أن هناك تراجعا في ملف الحريات تنفيه ما تقوم به أسبوعيا من وقفات واحتجاجات وما يصرح به قادتها في كل وسائل الإعلام ويهاجمون فيها الرئيس ويعتبرون ما قام به انقلاب وكل هذا يجري بعلم السلطة ودون أن يتعرض أحد لهؤلاء بأي حال من الأحوال”.
واستدرك ” لكن محاولات بعض الأطراف ربط ملفات هي أمام أنظار القضاء وتورطت فيها قيادات من المعارضة تعرت بعد أن تجاهل محامي الدفاع عن المتهمين وخاصة في قضية التآمر الحديث عن التهم الموجهة لمنوبيهم واكتفوا بوصفها بالملفات الفارغة وهذا يوضح أنهم يتجاهلون ذلك ويسعون لتوجيه اتهامات للقضاة بالخضوع للتعليمات وهم يعلمون جيدا أن هذا مخالف للحقيقة”.
وخلص بالقول” ما تقوم به المعارضة ومحاولات استدرار عطف أطراف خارجية يزيد من إضعاف موقفها أمام الشارع التونسي وباعتقادي أن عجزها عن مواجهة الوقائع دفعها للسير في الخيار الخاطئ. ”
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس