جسر الطاقة بين وتونس وإيطاليا.. ربط كهربائي مع أوروبا أم انتقال لعصر الاستعمار الطاقي؟

74
جسر الطاقة بين وتونس وإيطاليا.. ربط كهربائي مع أوروبا أم انتقال لعصر الاستعمار الطاقي؟
جسر الطاقة بين وتونس وإيطاليا.. ربط كهربائي مع أوروبا أم انتقال لعصر الاستعمار الطاقي؟

إلهام اليمامة

أفريقيا برس – تونس. كشفت دراسة حديثة صدرت عن مجموعة العمل من أجل ديمقراطية الطاقة، وتحصل “أفرقيا برس” على نسخة منها، أن دول الشمال الأوروبي تتطلع لتخضير استهلاكها للطاقة على حساب دول الجنوب الممثلة في تونس وباقي دول شمال أفريقيا.

ويعتبر مشروع “إلماد” أو “مشروع القرن”، على حد تعبير أحد المسؤولين الإيطاليين، المدخل الرئيسي لهذه السياسة التي تكرّس، وفق مجموعة العمل من أجل ديمقراطية الطاقة، “السردية النيوليبرالية ويعزز آليات الاستعمار الجديد في المنطقة العربية”.

وخصّ إلياس بن عمار، عضو مجموعة العمل من أجل ديمقراطية الطاقة، أفريقيا برس، بنسخة من الدراسة المفصّلة، وهي من إنتاج المجموعة بالتعاون مع منظمة هيفوس وبرنامج أصوات من أجل عمل مناخي عادل (VCA) والمعهد العابر للقوميات(TNI).

ويلفت بن عمار إلى أن مجموعة العمل من أجل ديمقراطية الطاقة “واجهت المخططات الحكومية بمقاربة نقدية باعتبار أن هذه المخططات تنحو منحى خصخصة قطاع الطاقة والخضوع لتوصيات المؤسسات المالية العالمية، فإن هذه الوثيقة حول مشروع إلماد تمثل ذروة التحفظات ونقد سياسات الحكومة التونسية في مجال الطاقة لأنها تحوصل وتؤلف مجمل الحجج والتبريرات التي تقدمها الجهات الرسمية ومؤسسات التمويل من أجل تمرير الخيارات الأشد ليبرالية في المجال”.

ووفق وكالة نوافا نيزو الإيطالية، يعتبر مشروع إلماد أحد الركائز الأساسية لـ”خطة ماتي” التي أطلقتها الحكومة الإيطالية بهدف بناء “جسر الطاقة” بين أوروبا وأفريقيا. والطاقة هي إحدى الركائز الستة للخطة التي تحمل اسم مؤسس إيني، مع تدخلات تركز على العلاقة بين المناخ والطاقة، وتعزيز كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة لتسريع التحول في الكهرباء، ولاسيما لتوليد الطاقة من مصادر متجددة ونقلها والبنية التحتية للتوزيع.

الربط الكهربائي

يعتبر الربط الكهربائي بين البلدان إحدى الآليات الكفيلة بدمج أسواق الطاقة في العالم وإتاحة الفرص أمام الشركات الكبرى الطاقية لمزيد التوسع وبالتالي تكديس المزيد من الأرباح. وإذا كان لهذا الربط بعض المزايا التقنية، لعل أبرزها التقليص من أخطار الانقطاعات الكبرى أو بمعنى أدق تأمين التزود بالكهرباء وكذلك ترشيد الاستثمارات المتعلقة بالإنتاج، إلا أن نفاذ منطق السوق وعدم التوازن على مستوى الإمكانيات بين البلدان سيجعل منه أداة جديدة للسيطرة على الأسواق وتعزيز التحكم عبر مزيد تعميق تبعية دول الجنوب لدول الشمال.

وعلى هذا الأساس، فإن هذا المشروع هو تكريس لخضوع تونس، التي تعيش عجزا طاقيا أثّر على نسبة استقلاليتها الطاقية، لما يفرضه واقع الحال الأوروبي من حاجيات في استمرار للتبعية وخدمة المصالح الغربية على حساب المصلحة الوطني، وفق ما جاء في الدراسة.

وأوضح الباحثون أن هذا المشروع سيؤدي إلى استفحال المديونية واستنزاف العملة الصعبة، فجملة الموارد المقترضة من المؤسسات المالية العالمية التي ستمكن الشركة التونسية للكهرباء والغاز من الاستثمار في هذا المشروع تمثل أكثر من ثلثي الحصة الجملية للجانب التونسي وتساوي ما يقارب 390 مليون يورو (حوالي أكثر من1200 مليون دينار تونسي).

ستسدد هذه المبالغ خلال السنوات القادمة مع اعتبار فترة الإمهال بفوائد جلها متغيرة ومرتبطة بنسب الفائدة بالسوق الأوروبية (EURIBOR)، وهو ما يعني استنزافا للعملة الصعبة باعتبار أن الهيكل العمومي لا يمتلك سوى مداخيل بالعملة المحلية، وهو ما يضطره إلى اللجوء للأسواق المالية من أجل الحصول على اليورو والدولار متحملا مخاطر الصرف وتقلبات انزلاق الدينار التونسي مقابلهما.

وبالتالي فالحديث عن أهمية هذه الاستثمارات في تعزيز مداخيل العملة الصعبة هو مجرد لغو لا يمت للواقع بصلة بالإضافة لمزيد رهن الشركة التونسية للكهرباء والغاز للمؤسسات المالية العالمية وتعريضها لمخاطر دون عوائد حقيقية لها.

وكانت لجنة المالية في مجلس نواب الشعب ناقشت في 14 أكتوبر 2024 مشروع قانون يتعلق بالموافقة على قرض من البنك الأوروبي للاستثمار للمساهمة في تمويل مشروع الربط الكهربائي بين تونس وإيطاليا.

وتتمثل قيمة القرض في 45 مليون أورو من ضمن كلفة جملية للمشروع بأكثر من 1014 مليون أورو ويقدر الجزء الذي يجب أن يوفره الجانب التونسي في 582 مليون أورو و432 مليون أورو للجانب الإيطالي.

البصمة الكربونية

تتطرق الدراسة إلى البصمة الكربونية التي وصفتها بأنها “المغالطة الكبرى” لافتة إلى أن موضوع الحد من الانبعاثات المسببة للتغيرات المناخية والتخفيض من البصمة الكربونية للمواد المستهلكة أحد أوجه النفاق الغربي (الأوروبي خصوصا) فعوض تحمل المسؤولية في ما آلت إليه الأوضاع المناخية العالمية واعتماد العدالة في تحمل التبعات، تلجأ أوروبا لتوريط دول الجنوب كشمال إفريقيا في مشاريع تحت هذه العناوين وفرضها عبر مؤسساتها المالية وهيئات التأثير (وكالات التعاون) معتمدة على استنساخ مخططاتها وأهدافها دون الأخذ بعين الاعتبار للفروقات وللواقع الموجود.

ويعتبر مشروع إلماد عينة من هذه المشاريع التي تسعى عبرها أوروبا لتحقيق أهدافها المناخية دون المساس بحاجيات قاعدتها الصناعية التي تمكنها من الحفاظ على موازين قوى لصالحها في علاقاتها بـ “مستعمراتها السابقة”.

وتخلص الدراسة إلى أن هذا السباق نحو أسواق الطاقة الذي تخوضه دول الشمال الكبرى مرده الأساسي رغبتها في الحفاظ على تفوقها الصناعي وحمايته من أي تعطل يمكن أن يصيبه جراء عدم التزود بالطاقة. لذلك فهي تسعى لتنويع خياراتها وممارسة هيمنتها على دول الجنوب مستغلة الأوهام التي تغذيها المؤسسات المالية العالمية والتأثيرات التي تمارسها على أصحاب القرار بهذه الدول.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here