خالصة حمروني
أفريقيا برس – تونس. عادت مؤخرا أصوات رموز حركة النهضة إلى الظهور وبصفة مكثفة في الساحة السياسية من خلال تصريحات تم وصفها بالجريئة و التصعيدية والتي بدت تصريحات تحمل في طياتها تحدي واضح لرئيس الجمهورية قيس سعيد من بينها تصريح رئيس الحركة راشد الغنوشي الذي أثار جدلا واسعا أكد فيه مرارا “أن البرلمان عائد أحبّ من أحبّ وكره من كره” أو تصريحات علي العريض التي ذكر فيها أن البرلمان سيعود وأن الإنقلاب والإجراءات التي التفت على قيم الجمهورية ستسقط وغيرها من تصريحات ممثلي ورموز الحركة.
تحركات النهضة لم تنته حد التصريحات بل انطلقت في سلسلة من التحركات الميدانية على غرار مشاركة وفد برلماني يمثل البرلمان التونسي في أشغال الاتحاد البرلماني الدولي المنعقدة بمدينة مدريد وذلك على الرغم من تجميد كل أنشطة مجلس النواب منذ 25 يونيو المنقضي ومثلت كل هذه الخطوات تحولا لافتا في موقف الحركة التي انحنت للعاصفة في وقت من الأوقات.
تغير موقف النهضة
منذ 25 يوليو الماضي وحركة النهضة تدرس الوضع وتراقب تطورات إلى أن قررت عقد اجتماع مجلس الشورى هو الأول بعد قرارات الرئيس المفاجئة والمتمثلة بإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي وتجميد اختصاصات البرلمان لمدة 30 يوما، ورفع الحصانة عنه ولاحقا اصدار أوامر رئاسية بإقالات وتعيينات.
في تلك الفترة ما جاء في بيان الشورى، حمل بين طياته نوعا من المرونة تجاه قرارات الرئيس قيس سعيد لم تبدها الحركة سابقا إذ قرر مجلس الشورى استئناف الحياة السياسية واستعداد النّهضة لمسايرة رئيس الجمهورية في الإصلاح حتى أن رئيس الحركة راشد الغنوشي أكد في تدوينة نشرها في شبكات التواصل الاجتماعي “على ضرورة تحويل إجراءات سعيد إلى “فرصة للإصلاح وأن تكون مرحلة تحول ديمقراطي”.
غير أن المتابع للوضع السياسي يدرك أن مواقف الحركة لم تصمد كثير إذ سرعان ما ظهر التململ في صفوف أعضائها واختلفت الآراء بشأن قرائتها للوضع السياسي ما بعد 25 يوليو.

وفي مؤتمر صحفي نظم بداية هذا الأسبوع علق القيادي بحركة النهضة علي العريض على تصريح رئيس الغنوشي المؤكد لعودة البرلمان قائلا ” أن الضغوط التي تعيشها تونس على جميع المستويات بما فيها الاقتصادية ستدفع باتجاه استئناف البرلمان لنشاطه” .
العريض أكد ” أن عدم عودة البرلمان قد يتسبب في اختناق تونس وعزلتها خارجيا مما قد يؤدي إلى انفلاتات وتحارب داخلي، مؤكدا أن حركة النهضة تدعو إلى الحوار والتسويات الوطنية والعودة إلى المسار الديمقراطي.
وفي إجابته على أسئلة الصحفيين قال العريض إن بلادنا أصبحت لا تتمتع بشرعية لدى دول العالم، وان تونس تخوض معركة في مؤسسات التصنيف، حتى لا تتراجع أكثر، وقال أن تونس مع قيس سعيد يمكن أن تعود إلى سيناريو التسعينات، واصفا الحكم الحالي بالانقلابي والشمولي الذي لا يُستغرب منه شيء.
علي العريض قال “أن النظام الحالي مطعون فيه وان كثيرا من الدول لا تريد التعامل معنا على هذا الأساس، وان رئيس الدولة لا يؤمن بالسلطة التشريعية، وقال إن عودة البرلمان ضرورية «لتسليك أمور تونس» وإعطاء شرعية لكل قرارات الحكومة والدولة. وقال نحن مستعدون للذهاب إلى انتخابات مبكرة شريطة أن يعود البرلمان، ولنا ثقة في عودة البرلمان لان الوضعية الحالية وإحباطها وعجزها هو نتيجة لغياب البرلمان”.
ماذا تريد حركة النهضة؟

في قرائته لمواقف حركة النهضة وتحركاتها يرى المحلل السياسي منذر ثابت أن تصريحات رموز النهضة الأخيرة تشمل في الواقع عدة فرضيات منها التصعيد في وجه رئيس الجمهورية ومنها التحدي والإصرار على العودة والتموقع مجددا في الساحة وإرباك مسار 25 يوليو.
وحسب رأيه النهضة تريد أن تؤكد من جديد أنها الرقم الصعب الذي لا يمكن بأي شكل من الأشكال تجاوزه من طرف الفاعل السياسي الداخلي أو حتى الشريك الخارجي.
وأضاف المحلل السياسي أنه كان من المتوقع بعد هذا التاريخ أن يحسم الرئيس ملف النهضة في المقام الأول ويحسم الأحزاب التي سادت منذ 2011، لكن هذا لم تؤكده الأحداث، فعلى الرغم من تفعيل الرئيس للفصل 80 وللإجراءات الاستثنائية إلا أنه لم يذهب في مواجهة مع حركة النهضة أو محاسبتها حسب تقديره وهو ما فُهم من أنه تردد أو كما ذهب آخرون إلى اعتبار الرئيس جزءا من الحركة الإسلامية وقد يكون في صراع مع قيادات النهضة لإرث القيادة لكن الإشكال المطروح الآن حسب منذر ثابت أن الاتحاد الأوروبي والإدارة الأمريكية يؤكدان على ضرورة الرجوع الى المسار الديمقراطي، هذا زيادة على التأخير المسجل في مستوى صياغة خارطة الطريق وإعلانها من طرف قيس سعيد، مشيرا الى أن اتحاد الشغل الذي شكل السند الأول للرئيس نجده يتردد الأن عن مساندة سعيد لأن الرئيس لم يكشف الى حد الآن عن هذه الخارطة.
وفي ظل كل هذه اللخبطة، تسعى النهضة الى استعادة زمام المبادرة والبدء في عملية تسويقية للداخل والخارج بأنها ما تزال متماسكة وأنها ترفض مغادرة الساحة السياسية أو على الأقل مغادرة الأدوار الرئيسية في الساحة السياسية وهذه الرسالة واضحة.
وقال ثابت أن إعادة التموقع هو أمر مشروط بما يمكن أن يشكل التنظيم البديل المساند للرئيس فالأغلبية الداعمة لسعيد هي بصدد التضاؤل كما لاحظها أمين محفوظ نفسه وهو أقرب المقرّبين للرئيس وبالتالي من المفروض وفق رأيه ان تكون للرئيس ذراع تنظيمية لخوض المعركة الإنتخابية القادمة سواء كانت استفتاء أو انتخابات وقد تتخذ هذه الذراع شكل حزب مجالسي أو حركة مجالسية، المهم انه لا يمكن له أن يواصل ما تبقى من المشوار في هذه العزلة في علاقة بالساحة الداخلية والخارجية ودون تنظيم داعم له لأن النهضة وقتها ستعيد التموقع مذكرا في هذا الصدد بأن عنصر قوة النهضة وهيمنتها راجع الى ضعف المعارضة العلمانية والديمقراطية، وهذه الحال ما تزال قائمة داخل منظومة الأحزاب العلمانية والديمقراطية في تشتتها وفي احتراف الزعامات الوهمية.
وأبرز المتحدث أن الوحيد الذي يمكنه أن يكسب المعركة مدعوما باتحاد الشغل هو قيس سعيد إذا ما أعطى الإذن لتشكيل حركة بأي شكل أرادها هو لتكون البديل. وحينها فقط يمكن إزاحة النهضة بقطع النظر عن الإجراءات ومحكمة المحاسبات وإسقاط القائمات وحل البرلمان التي تبقى في رأيه غير كافية في نهاية الأمر لإزاحة النهضة من المشهد السياسي لأن النهضة تزاح بديمقراطية من خلال الانتخابات ومن خلال تشكيل قوة سياسية بديلة رافعة للمشروع الجديد.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس