حل البرلمان في تونس..انفراجة سياسية أم أزمة جديدة؟

57
حل البرلمان في تونس..انفراجة سياسية أم أزمة جديدة؟
حل البرلمان في تونس..انفراجة سياسية أم أزمة جديدة؟

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. فتح قرار الرئيس التونسي قيس سعيد، حل البرلمان استنادا إلى الفصل 72 من الدستور وذلك ردا على جلسة برلمانية افتراضية تتحدى فيه التدابير الاستثنائية الذي اتخذها منذ 25 جويلية، باب الاختلافات القانونية من جديد، وسط تساؤلات بشأن قدرة البرلمان على إلغاء هذه التدابير وما إذا كان يمتلك آليات لتنفيذ ذلك، وفي المقابل مدى دستورية قرار الرئيس وتداعياته على مستقبل الأزمة في البلاد.

وكان الرئيس سعيّد قد أعلن، الأربعاء الماضي، في كلمة متلفزة حل مجلس نواب الشعب، “استنادا إلى الفصل 72 من الدستور، حفاظا على الدولة ومؤسساتها” وذلك على اثر عقد أكثر من مئة نائب في البرلمان، اجتماعا أقر فيها قانونا يلغي الإجراءات الاستثنائية، ومنها تجميد اختصاصات البرلمان وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وحل المجلس الأعلى للقضاء.

وفيما وظف الرئيس سعيد سلاح القانون للرد على خصومه بشكل صارم بإعلانه حله البرلمان نهائيا في خطوة تنهي شهورا من الصراع والصدام وتنبئ بانفراجة سياسية، إلا أن التصعيد الجديد قد يهدد ببراثن أزمة جديدة أكثر خطورة وتعقيدا بسبب ما تحمله من اختلاف وإشكال دستوري وقانوني على غرار غموض مرحلة ما بعد حل البرلمان، حسب توقعات متابعين.

اختلافات قانونية

بلغ التصعيد السياسي في البلد أوجه حين اتهم سعيد، النواب بالتآمر على أمن الدولة ومحاولة تدبير انقلاب فاشل خلال جلسة افتراضية وصفها بالانقلابية، فيما فتحت محكمة الاستئناف تحقيقات ضد النواب المشاركين فيها، اثر طلب من وزيرة العدل ليلى جفّال.

وتباينت الآراء بخصوص قرار سعيد حل البرلمان بشكل نهائي بين مؤيد ومعارض، وسط اختلافات قانونية بشأن الفصل 72 من الدستور وما إذا كان يسمح بحل البرلمان، كما أثارت الجلسة البرلمانية التي انتهت بتصويت 116 نائبا على قانون يلغي تدابير 25 يوليو مدى امتلاك البرلمان المجمد آليات تنفيذ ذلك من ناحية قانونية.

وانقسم خبراء القانون حول الفصل 72 من الدستور، فبينما اعتبر البعض أن تأويل هذا الفصل، يخول للرئيس القيام بذلك باعتبار أنه يمنح الرئيس مسؤولية أمن واستقرار واستمرارية الدولة ، يعتقد آخرون أنه لا يمكن الاستناد إليه لحل البرلمان.

منى كريم الدريدي، أستاذة القانون الدستوري

وأوضحت منى كريم الدريدي، أستاذة القانون الدستوري، في حديثها لـ “أفريقيا برس” أنه“ من الناحية القانونية لا يمكن تبرير قرار حل البرلمان واعتماد الدستور أو أي قانون آخر لإيجاد قيمة دستورية لهذا الحل“.

وشرحت بالقول “هذا الحل لا يتمتع بأي قيمة دستورية أو أي قيمة قانونية لأن دستور 2014 لا يسمح لرئيس الجمهورية بحل البرلمان إلا في حالة وحيدة وهي في الفصل 98 يعني عندما لا تتحصل الحكومة على أغلبية خلال تصويت البرلمان“.

وتابعت “عدا هذه الحالة لا توجد أي فرضية أخرى لحل البرلمان.. لقد قام سعيد بحل البرلمان بالاعتماد على نص لا يسمح له بذلك، وهذه مفارقة “، حسب تعبيرها.

وبخصوص إلغاء البرلمان المجمد للتدابير الاستثنائية من جانب قانوني، لفتت الدريدي إلى أن“ البرلمان ليس له آليات لتنفيذ ذلك“.

وبينت بالقول“ صحيح انه في حالة انعقاد دائم ومن حقه عقد اجتماعات ولو من بعد، لكن ما قام به البرلمان لا يدخل في صلاحياته التشريعية ولا الرقابية“.

واعتبرت أن “إنهاء الإجراءات الاستثنائية لا يتم بهذه الطريقة إذا ما اعتمدنا على الدستور“. وفي تقديرها “ فهو اجتماع سياسي يمكن تبريره من الناحية السياسية في عملية الصراع بين السلطة التنفيذية والتشريعية لكن لا يمكن تبريره من الناحية القانونية لأنه لا تترتب عليه أي آثار قانونية “.

مخاطر حقيقية

معركة كسر العظم مستمرة

رغم الالتفاف الشعبي حول قرار سعيد حل البرلمان ودعم طيف واسع من الشارع الإجراءات المتخذة في 25 جويلية الماضي، إلا آن أوساطا سياسية وحقوقية تحذر من تداعيات القرار على مستقبل الأزمة في البلاد.

ويستند هؤلاء إلى عدم تقديم الرئيس حل سياسي واضح وشامل ينهي الأزمة، مكتفيا إلى حد الآن بإزاحة خصومه من الحكم، فيما ترزح البلاد تحت وطأة أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة، كما ينبئ المشهد الحقوقي بأن البلد مقبل على مزيد من التضييق على الحريات.

ولا تكفي تطمينات الرئاسة بإجرائها حوار وطني والتزامها بعدم الانفراد بالحكم بأن خارطة الطريق التي ستقدمها انطلاقا من نتائج الاستشارة الوطنية الالكترونية ستقود البلاد إلى بر النجاة والاستقرار.

وان أظهرت نتائج الاستشارة مؤخرا عن رغبة غالبية المشاركين فيها تغيير الحكم من شبه برلماني إلى رئاسي، إلا أن معركة كسر العظام ستبقى مستمرة بين سعيد وخصومه وسط نزاع على الشرعية وتبادل الاتهامات، فيما يشكو المواطن من أزمة أخرى وهي غلاء الأسعار ونقص المواد الغذائية الأساسية.

مصطفى عبدالكبير، رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان

وأشار الناشط الحقوقي والمحلل السياسي مصطفي عبدالكبير في تصريح لـ”أفريقيا برس” بأن “تونس اليوم في حالة عطل دستوري وتشريعي حيث تعيش برأس واحد وتحت سلطة فردية تتحكم في كل السلطات أي نظام حكم الفرد لا نظام حكم المؤسسات“.

وأبرز أن “الحكومة التونسية والرئيس سعيد يتعاملان مع أزمة حقيقية على كل المستويات داخليا وخارجيا وأزمة اقتصادية حادة مقابل رفض الجهات الدولية المانحة تقديم القروض والمساعدات المالية مشترطة عودة تونس إلى الديمقراطية وإنهاء حكم الفرد كذلك عودة كل المؤسسات وخاصة البرلمان سريعا“. وبرأيه فإن “البلاد تعيش صعوبات يصعب تخطيها حيث جاء حل البرلمان بأزمة أخرى لا تقل أهمية عن الأزمة الاقتصادية وهي الأزمة السياسية الحادة“. وتوقع “مخاطر حقيقية لاضطرابات ومشاحنات قد تصل إلى الصدام مع صعوبة إجراء انتخابات سريعة تصلح ما تم إفساده وتعود بالبلاد للوضع العادي نظرا لضيق الوقت وعزوف المواطن فشل الاستشارة ولو جزئيا، وهي أزمة يصعب الخروج منها“، حسب وصفه.

وحسب عبد الكبير فإن “الأزمة التشريعية بالبلاد هي أزمة مفصلية أزمة تشريعية في ظل القراءات المختلفة لكل الفصول والمراسيم التي يوظفها سعيد من أجل الحكم وتسيير الدولة“، مستنتجا أن“ البلد تعيش فترة صعبة جدا وهي الآن في مفترق طرق خاصة أن كل المسارات فيها معطلة إلى حد الآن“.

الشارع في صف سعيّد

القانون..سلاح سعيد ضد خصومه

في المقابل، تستبعد آراء أخرى مزيد التصعيد السياسي في البلد، متوقعين انفراجة سياسية تنهي حكم نخبة فاشلة برأي غالبية الشارع والمؤيدين لقرارات سعيد. كما يلفت هؤلاء إلى أن حل البرلمان خطوة تنهي تحدي الأحزاب للدولة، حيث جاء رد الرئاسة صارما نتيجة لاستفزازات خصومه المستمرة واتهامه له بتقويض الديمقراطية، ما يعطل المضي قدما في خارطة طريق لإنقاذ البلاد وإخراجها من أزمتها.

باسل الترجمان، محلل سياسي

وأشار المحلل السياسي باسل الترجمان في حديثه لـ “أفريقيا برس” أنه “من يظن أن حل البرلمان سيعمق الأزمة مجانب للصواب باعتبار أن قرار حل البرلمان جاء متماشيا ومتناغما مع مطالبات شعبية حتى قبل 25 جويلية تطالب بإلغائه لأنه كان أحد رموز الأزمة خاصة أن الأدوار التي قام بها سلبية وسيئة وتعد سببا لفقدان الشارع ثقته بنخبه السياسية“.

واستدرك التركمان “لن يكون هناك تداعيات لان شاهدنا تفاعل الشارع مع قرار الحل وشاهدنا العزلة والقطيعة بين البرلمان والشارع“.

وختم بالقول “لن يكون هناك تداعيات لان هناك قطيعة حقيقية مع الماضي والدليل حجم التفاعل مع جلسة البرلمان الأخيرة .. كان التفاعل باهتا فيما كان هناك تفاعل شعبي كبير مع إعلان سعيد في نفس اليوم حل البرلمان“.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here