أفريقيا برس – تونس. تمثل الوحدة الثورية في إفريقيا والعالم العربي اليوم قضية استراتيجية تتجاوز طموحات النخب أو الخطابات الرومانسية، لتتجذر في حاجة موضوعية فرضها واقع الهيمنة، ونهب الثروات، وتفكيك المجتمعات. يحاجج هذا المقال بأن الوحدة، سواء الإفريقية أو العربية، ليست ترفًا فكريًا أو مجرد إرث تاريخي، بل ضرورة تاريخية آن أوان تفعيلها انطلاقًا من نضال الجماهير، وتجارب التحرر، وموازين القوى العالمية المتغيرة.
في هذه الخلاصة عن مقالته يأخذنا الكاتب رياض الشرايطي(*) في رحلة تحليلية تربط الماضي الثوري بتحديات الحاضر، وتستشرف إمكانات المستقبل، مستندًا إلى مقاربات ثورية لعدد من المفكرين والمناضلين مثل غرامشي، كابرال، وفانون، مؤكدًا أن الوحدة ليست شعارًا سياسيًا، بل مشروع تحرر شعبي عميق الجذور.
1. إفريقيا بين الاستقلال السياسي والاستعمار الجديد
رغم أن الكثير من الدول الإفريقية نالت استقلالها السياسي منذ عقود، فإن التبعية الاقتصادية والعسكرية والثقافية ظلت قائمة، بل ازدادت تعقيدًا بفعل ما يُعرف بـ”الاستعمار الجديد”. الشركات المتعددة الجنسيات، القواعد العسكرية الأجنبية، ونظام القروض الدولية، كلها أدوات تعمق من السيطرة الغربية. من هنا، يقدّم المقال موقفًا ثوريًا يرفض هذه التبعية، ويطالب بتحرير شامل يتجاوز مظاهر السيادة الشكلية.
2. الثورة الشعبية كأساس للوحدة الحقيقية
يؤكد المقال أن الوحدة لا يمكن أن تتحقق في ظل الأنظمة التابعة للنظام الإمبريالي. فهذه الأنظمة بطبيعتها تحمي مصالحها الضيقة ولا ترى في الوحدة سوى تهديد لبقائها. ويشدد الكاتب على أن الثورات الشعبية وحدها قادرة على فرض مشروع وحدوي أصيل، نابع من القاعدة، ويستجيب لاحتياجات الجماهير في الحرية والكرامة والسيادة.
3. من الشعارات إلى الاستراتيجيات: نحو بناء مادي للوحدة
يشير الكاتب إلى أن التحول من خطاب وحدوي نظري إلى فعل وحدوي عملي يتطلب قاعدة مادية تنطلق من الواقع وتلبي حاجات الجماهير. الوحدة، لكي تصبح حقيقية، تحتاج إلى خطوات ملموسة تشمل تأميم الثروات الوطنية، إلغاء الديون غير الشرعية، بناء جيش موحد، وإعادة هيكلة الدولة على أسس ديمقراطية. وبدل الاكتفاء بشعارات الوحدة، يجب العمل على تفكيك الأطر التي رسخت التجزئة القُطرية، وتقديم بدائل شعبية ثورية. وبهذا يتحول الخطاب الوحدوي من ترديد موروث إلى برنامج تحرري قابل للتحقق.
4. الوحدة العربية بين العجز الرسمي وإرادة الشعوب
يرى المقال أن الوحدة العربية تم اختزالها لسنوات في التحالفات الرسمية بين أنظمة متنازعة ومتناقضة في توجهاتها، بينما ظلت الجماهير ترفع شعار “أمة عربية واحدة” كحلم مستمر في الوعي الجمعي. يعيد الكاتب التأكيد على أن هذه الوحدة ممكنة حين تتحول من مشروع نخبة إلى مشروع شعب، مؤسس على المصلحة المشتركة والنضال ضد القهر والاستغلال والاحتلال.
5. الاقتصاد ركيزة أساسية لأي مشروع وحدوي ناجح
من وجهة نظر الكاتب، لا يمكن فصل التحرر السياسي عن الاستقلال الاقتصادي. فغياب رؤية اقتصادية مشتركة تجعل من أي حديث عن الوحدة ضربًا من الخيال. ويدعو المقال إلى تأسيس اقتصاد وحدوي قائم على سوق عربية مشتركة، إطلاق عملة موحدة، واستثمار الثروات الزراعية والمعدنية بما يحقق الأمن الغذائي والسيادة الاقتصادية. بهذا المعنى، يصبح الاقتصاد محرّكًا أساسيا للوحدة وليس مجرد تفصيل إداري لاحق لها.
6. الأنظمة الرجعية كمعيق تاريخي للوحدة
يشير المقال بوضوح إلى أن الأنظمة الاستبدادية، سواء في إفريقيا أو العالم العربي، كانت ولا تزال من أبرز المعوقات أمام أي مشروع وحدوي. فهي أنظمة مرتبطة وظيفيًا بالاستعمار الجديد، وتخشى أي مشروع تحرري قد يفكك شرعيتها. ومن هنا، يدعو الكاتب إلى بناء جبهة شعبية تضم القوى التقدمية، النقابات، الحركات الطلابية، وحركات التحرر، لتشكيل بديل وطني ديمقراطي حقيقي.
7. فلسطين كقضية مركزية ومحفّز وحدوي
تحضر القضية الفلسطينية في المقال كمثال حي على الوحدة الشعبية العابرة للحدود. ففلسطين، كما يقول الكاتب، لم تعد قضية شعب محتل فحسب، بل أصبحت رمزًا لتحرر الشعوب. الدعم الشعبي العربي والإفريقي لفلسطين يؤكد وجود وجدان مشترك، يمكن البناء عليه لإعادة رسم ملامح وحدة قائمة على النضال لا على الأنظمة الرسمية.
8. التشابه بين المسارين الإفريقي والعربي
يلاحظ المقال أن هناك تشابهًا واضحًا بين مساري الوحدة في إفريقيا والعالم العربي، من حيث التحديات والفرص. فرغم تعدد المبادرات، لم ترتقِ أغلبها إلى مستوى الثورة الحقيقية، وبقيت مرهونة بحسابات الحكومات. ما يحتاجه الطرفان، وفق الكاتب، هو مشروع وحدوي تحرري يتجاوز “الدبلوماسية الرسمية” وينبع من ديناميكيات المجتمع.
9. عوائق موضوعية أمام المشروع الوحدوي الثوري
لا يغفل الكاتب العوائق البنيوية التي تقف في وجه أي مشروع وحدوي ثوري، حيث يعددها ضمن سياق نقدي. من هذه العوائق: هيمنة الأنظمة التابعة للغرب، التدخل الأجنبي في القرار السيادي، تشتت الحركات الثورية وعدم توحدها، وغياب قاعدة اقتصادية مشتركة يمكن أن تُبنى عليها الوحدة. كما يشير إلى أن تحديات مثل الفقر، الأمية، وغياب الوعي السياسي تمثل عقبات حقيقية أمام إشعال وعي جماهيري قادر على حمل مشروع وحدوي ثوري شامل. ومع ذلك، يرى الكاتب أن تجاوز هذه العوائق ممكن من خلال التراكم النضالي والتنظيم الشعبي الواعي.
10. الوحدة حلم واقعي حين تُبنى من القاعدة
في الختام، يؤكد الكاتب أن الوحدة الإفريقية والعربية لا يمكن أن تكون ناجحة ما لم تكن وليدة إرادة شعبية مستقلة عن الأنظمة. فمشروع الوحدة، إن لم يكن ثوريًا في جوهره، ومبنيًا على إرادة الجماهير، سيظل حبيس المؤتمرات والمجالس الشكلية. أما إذا أُطلق من رحم المقاومة، والتجارب الثورية، والتنظيم الشعبي، فسيكون أحد أعظم إنجازات القرن.
(*) رياض الشرايطي هو شاعر وكاتب تونسي معاصر، يُعرف بإنتاجه الأدبي الذي يركز على قضايا الحرية والعدالة والجمال. من أبرز أعماله مجموعة شعرية بعنوان “أوراق طارئة (الجزء الثاني)”، التي نُشرت في مارس 2024، وتُظهر التزامه بالقيم الإنسانية والاجتماعية.
بالإضافة إلى ذلك، يشارك الشرايطي في النقاشات الفكرية من خلال مقالاته المنشورة في منصات مثل “الحوار المتمدن”، حيث يتناول موضوعات تتعلق بالسياسة والاقتصاد والثقافة. تُظهر كتاباته اهتمامًا خاصًا بالتحليل النقدي للقضايا الاجتماعية والسياسية، مما يعكس وعيه العميق بالتحديات التي تواجه المجتمع التونسي والعربي بشكل عام.
تُبرز أعمال رياض الشرايطي التزامه بقضايا الحرية والعدالة، وتُظهر قدرته على التعبير عن هموم المجتمع من خلال الشعر والمقالة، مما يجعله صوتًا مميزًا في الساحة الأدبية التونسية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس