ضغوطات قانون تجريم التطبيع تضع قيس سعيد في موقف محرج

21
ضغوطات قانون تجريم التطبيع تضع قيس سعيد في موقف محرج
ضغوطات قانون تجريم التطبيع تضع قيس سعيد في موقف محرج

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. تتعالى الأصوات المطالبة بتمرير قانون تجريم التطبيع في تونس بشكل لافت في الآونة الأخيرة، تنديدا لما يتعرض له الفلسطينيون من حرب إبادة منذ أكثر من 18 شهرا، فيما تحرج هذه الدعوات الرئيس قيس سعيد الذي رفع شعار تجريم التطبيع منذ حملته الانتخابية الأولى سنة 2019، حيث يعرف عنه دعمه القوي للقضية الفلسطينية.

وتتحرك الأحزاب والتنسيقيات والمنظمات لأجل الضغط على البرلمان، والمضي في تمرير قانون تجريم التطبيع الذي وقع إرجائه في أكتوبر سنة 2023، في خطوة عرضت السلطة آنذاك للانتقادات بسبب الشكوك في خضوعها لضغوط خارجية حالت دون تمرير القانون والمصادقة عليه.

وأوضح رشيد عثماني عضو تنسيقية العمل المشترك لأجل فلسطين بتونس في حديثه مع “أفريقيا برس” أن “الهدف من هذه المسيرة هو دعم المقاومة والضغط لأجل تمرير قانون تجريم التطبيع بالبرلمان التونسي.”

وأضاف “الضغوط الخارجية ليست بالأمر الجديد، وهناك نواب منحازون للقضية الفلسطينية، لذلك سنعمل على أن يكون ميزان القوى داخل البرلمان لصالح تمرير القانون، إضافة إلى رهاننا على الضغط الجماهيري وتحركات الشارع.”

ولفت صهيب المزريقي القيادي في حركة البعث في حديثه مع “أفريقيا برس” على أن “المسيرة المطالبة بتجريم التطبيع تضع البرلمان أمام مهمة جديدة يكون فيها في مستوى تطلعات الشعب التونسي من قضاياه القومية وعلى رأسها فلسطين، وقد تم اعتمادها في هذا التاريخ تزامنا مع رمزية المطالبة ببرلمان وطني سيد على قراراته، مستقل برأيه حر في إختياراته، و كأن بهذه الرمزية التاريخية تتكلم مذكرة النواب بمكانتهم و دورهم التاريخي لكي يتماهى مع مطالب الشعب، لا مع ما تقرره الدوائر الإمبريالية والمطابخ العالمية والغرف السوداء.”

ووصف هذه التحركات بمثابة “محطة الثبات من أجل تأصيل المسيرة النضالية ومراكمتها بهدف إكتساب الوعي الشعبي العربي الثوري والتأكيد على مناصرته لفلسطين، ليدل بذلك على أن التاريخ عملية تراكمية من أجل الإستقلال من المستعمر.”

ويتساءل متابعون ومحللون عن إمكانية تمرير البرلمان التونسي لقانون تجريم التطبيع من عدمه، في الوقت الذي تواجه فيه البلاد كحال باقي الدول العربية ضغوط خارجية مع توظيف الغرب ورقة الاقتصاد وما تحتاجه الحكومات من مساعدات مالية لأجل الضغط عليها وفرض إملاءاتها.

خطوة مستبعدة

على رغم توسع دائرة الدعوات المطالبة بتمرير القانون في خضم جرائم الحرب التي ترتكب ضد الفلسطينيين والانتهاكات المستمرة بحقهم وسط صمت دولي وتخاذل عربي، إلا أنه من المستبعد تمرير قانون تجريم التطبيع استنادا لموقف الرئيس سعيد الذي برر سابقا تأجيل المقترح على أنه “سيضر بالمصالح الخارجية لتونس، وأن الأمر يتعلق بخانة الاعتداء على أمن الدولة الخارجي، وأن المسألة اتخذت طابعا انتخابيا لا أكثر ولا أقل”.

ورأى النائب محمد علي في حديثه مع”أفريقيا برس” أن “الموقف لن يتغير كثيرا.. صحيح الدعوات تزايدت وتوسعت لتعود إلى ما كانت عليه من زخم بعد 7 أكتوبر 2023، ومع ذلك وجدت ممانعة كبرى من السلطة السياسية ورئيس البرلمان ورغم نجاحنا في إيصال مقترح القانون إلى الجلسة العامة إلا أنه وقع الالتفاف على إرادة النواب علنا تحت عنوان مخاطر أمن الدولة الخارجي والداخلي.”

واستدرك “لذلك وإن كنا نتمنى أن تغير بشاعة جريمة إبادة شعبنا في غزة وفلسطين والتدمير الإجرامي للإنسان والمكان والبلاد والعباد، من الموقف الرسمي وموقف رئاسة البرلمان واستعدادهما لترك المجال أمام التجريم، إلا أنني لست متفائلا لاحترام مطلب الشعب التونسي الملح لتجريم التطبيع”.

ويتسق رأي النائب محمد علي مع رأي النائب بوبكر يحي الذي أقر في حديثه مع “أفريقيا برس” بأن “المسألة صعبة جدا فالوضع في فلسطين يستحق أكثر من تجريم التطبيع وأكثر من الإدانة أو الشجب والتغيرات العالمية اليوم ليست بسيطة على كل الأصعدة وتتطلب كثير من الرصانة.”

ويعتقد أن “رئاسة الجمهورية ستتمسك بموقفها السابق وهو أن تجريم التطبيع يضر بالمصالح الخارجية لتونس، فيما سيبني البرلمان موقفه من داخل هذا الموقف، لذلك المطلوب اليوم هو مسألة إجرائية حتى يستكمل النظر في قانون تجريم التطبيع، وإنهاء الجلسة مهما كانت نتيجة التصويت.”

ولا تربط تونس أي علاقة دبلوماسية مع الكيان الإسرائيلي، حيث أن موقفها ثابت في دعم والانحياز التام للقضية الفلسطينية، وكانت تونس قد بدأت المقاطعة الرسمية المنظمة للكيان الإسرائيلي عن طريق جامعة الدول العربية بعد حرب 1948، فيما اختلف تنفيذ هذه المقاطعة من دولة لأخرى.

ولا يكتسي هذا القانون الأولوية المطلقة، باعتبار أن تونس لا تجمعها فعليا أي علاقات مع هذا الكيان الغاشم، وهو ما يبرر صمت الرئاسة عن الجدل الدائر بخصوص هذا القانون.

وسبق وأن عبر الرئيس سعيد عن رفضه لهذه المزايدات في هذا الموضوع، وفي تقديره فإن إثارته هو مجرد محاولة لخلق الأزمات والتشويش على أداء السلطة التي نجحت في إزاحة النخب والأحزاب التقليدية من واجهة المشهد، موضحا أن “دستور 25 يوليو/ تموز 2022، نص على الانتصار للحقوق المشروعة للشعوب”.

تداعيات القانون

يرى محللون أن جدل تمرير قانون تجريم التطبيع يفتح الباب أمام انقسام وصراع سياسي جديد في الوقت الذي تحتاج في البلد إلى التهدئة والاستقرار.

ويقول المحلل السياسي منذر ثابت في حديثه مع “أفريقيا برس” أن “المسألة مطروحة للنقاش وهي إحدى محاور الصراع السياسي، فالأحزاب تتجنب الخوض في هذه المسألة، أما السلطة فهي محرجة في العلاقة بهذا الملف، كما أنها ستتعامل مع هذه الدعوات والمطالبات بالصمت وتجاهل الخوض في الموضوع، والاكتفاء بالتصعيد وإنكار مقررات المنتظم الأممي في العلاقة باستمرار الحرب والتهجير ورفضها التنازل عن أي شبر من أرض فلسطين التاريخية.”

وتوقع أن “يكون هذا هو التعاطي الوارد من قبل السلطة وفق ماهو معلوم ووفق المؤشرات المتوفرة إلى حد الآن ووفق التصريحات الرسمية”، مبينا أن “المعارضة تحاول من خلال هذه الدعوات إحراج السلطة ومحاصرتها”.

ويؤكد متابعون أنه رغم تزايد الدعوات بتمرير قانون تجريم التطبيع، إلا أن البرلمان في النهاية ذو صلاحيات محدودة، وليس بوسعه تجاوز قرارات الرئيس الذي يواليه في التوجه والمسار.

ورغم حماس المجموعات اليسارية والقومية بالبرلمان لهذا القانون، إلا أن مصالح البلاد الخارجية تفرض عدم تمريره، كما تفرض على الدبلوماسية التونسية التصرف بعقلانية.

ويعتقد مصطفى عبد الكبير رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان في حديثه مع “أفريقيا برس” أن “الرئيس سعيد يدرك جيدا أن مسألة تعالي الأصوات داخل البرلمان هو نتيجة ضغط أنصاره، لكن مع ذلك فإن البرلمان منسجم مع الرئيس، وسينجح في امتصاص مثل هذه الدعوات من خلال التسويف، ولن يمر هذه القانون في نهاية الأمر.”

وزاد بالقول “نحن نعلم كذلك رأي الخارجية في هذه المسألة، خاصة أنه وقع التراجع عنه في السابق نتيجة ما تعرضت له من ضغوط خارجية.”

وحسب عبد الكبير فإن “هذا القانون لن يمر لأنه مرتبط بقرارات أقوى من قرارات البرلمان أو أي قرار في تونس، وهو مرتبط بالتزامات السلطات التونسية على المستوى الخارجي، حيث أن تمريره ستكون له تبعات على كل المستويات وهو ما لا يمكن أن تحتمله البلاد.”

وعلق “تجريم التطبيع هدف الجميع في تونس وكل المنظمات ومن ضمنها منظمتنا، ولكن بتحليل الواقع السياسي والدبلوماسي فإن الأمر يصعب تحقيقه، وأعتقد أن سعيد سيعتمد عملية التسويف لامتصاص هذا الغضب الجماهيري في ظل الانتهاكات الصارخة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني.”

ويقلل الوضع الاقتصادي الصعب التي تمر به تونس من فرص تمرير هذا القانون، أمام حاجتها لدعم المانحين الدوليين للحصول على قروض وتمويلات بهدف إنعاش وإنقاذ الاقتصاد المتردي.

ويرى علي مبارك الإعلامي والمحلل السياسي في حديثه مع “أفريقيا برس” أنه “من غير الممكن تمرير هذا القانون مهما كانت الضغوطات السياسية وضغوطات الشارع التونسي خاصة ونحن في أحلك فترات الحرب مع الكيان الصهيوني، لكن في ظل التوازنات الدولية والإقليمية من غير الممكن تمرير هذا القانون، حتى لا يكون في شكل مزايدة سياسية من هذا الطرف أو ذاك، مثلما ما حدث في البرلمان السابق سنة 2014.”

وزاد بالقول “كذلك الآن، ومهما كانت المزايدات السياسية ومهما كانت ضغوط الشارع، لن يرى هذا القانون النور لأنه في حقيقة الأمر يمس من مصالح الدولة التونسية العليا ونحن في وضع سياسي واقتصادي واجتماعي صعب ولسنا قادرين على مجابهة مزيد من الضغوطات، فأغلب المؤسسات الدولية المالية الداعمة للكيان الصهيوني نحن في ارتباطات معها، نحن دائما تحت المساعدات المالية لدول مانحة ومساعدة لنا وهي في نفس الوقت مانحة للكيان الصهيوني، لذلك أرى أن الوضع الاقتصادي لا يسمح بتمرير هكذا قوانين.”

وفي تقديره فإن السؤال المهم هو “كيف يمكن تمرير هكذا قانون دون أن يستفيد منه أي طرف سياسي سواء في شكل مزايدة سياسية ودون أن يضر مصالح الدولة”.

واستنتج بالقول “مثل هذا القانون يجب أن يكون محل إجماع جميع الفرقاء السياسيين من مختلف الاتجاهات، ولا يمكن أن يتحقق ذلك في الوقت الراهن لأنه لدينا برلمان بلون واحد في ظل غياب معارضة، كما أن الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي لا يسمح بتمريره، كما استبعد تمريره في المستقبل على شاكلة مع وقع في الماضي.”

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here