عبد العزيز قاطري: لا وجود لحكومة… ما نراه مجرد موظفين

عبد العزيز قاطري: لا وجود لحكومة... ما نراه مجرد موظفين
عبد العزيز قاطري: لا وجود لحكومة... ما نراه مجرد موظفين

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. قال الناشط السياسي والحقوقي التونسي عبد العزيز قاطري إن ما يوجد اليوم «ليس حكومة بل موظفون»، مؤكدا أن الحكم الرشيد يقتضي فريقا سياسيا منتخبا ببرنامج مُرقّم زمنيا.

وشدّد في حوار مع “أفريقيا برس”، على أنّ الحريات تآكلت بعد تقويض مؤسسات الضمان، مرجّحا أن يبقى النضال السلمي والإعلام والشبكات أدوات المواجهة.

وأوضح أنّ المشهد الحزبي مُرذَّل لكنه قابل للاستعادة بمشروع جادّ ووجوه ذات مصداقية. وأشار إلى أن الدبلوماسية مرتهَنة خارجيا، ورأى أن الاتفاق العسكري مع الجزائر «مغامرة» بلا رقابة برلمانية.

ودعا قوى المعارضة إلى جبهة سلمية داخلية بلا استقواء بالخارج، مضيفا أنّ خلاص تونس بالديمقراطية واستقلال القضاء وبناء المؤسسات، كاشفًا عن خطة من عشر نقاط سيعرضها قريبا.

عبد العزيز القاطري هو ناشط سياسي وحقوقي تونسي، عُرف بمواقفه المنتقدة للسلطة ودفاعه عن الحريات العامة وحقوق الإنسان. يُعد من الأصوات المعارضة في المشهد السياسي، حيث شارك في حركات مدنية وسياسية انتقدت السياسات الحكومية المرتبطة بتراجع الحريات وتضييق المجال العام.

ارتبط اسمه بالعمل الحقوقي من خلال مبادرات ومنظمات مدنية تدافع عن حرية التعبير، وكان من الشخصيات التي نددت بتعليق أنشطة جمعيات حقوقية. ركّز في خطابه على حماية المجتمع المدني وتعزيز استقلالية المؤسسات وضمان حرية الصحافة، وشارك في ندوات واحتجاجات محذراً من تراجع الحريات المدنية.

كيف تقيم أداء الحكومة التونسية في التعاطي مع الملفات الاقتصادية والاجتماعية؟

لا يمكن تسمية مجموع الأشخاص المعيّنين حاليا على رأس الوزارات في الحكومة، بوزراء، فهم ليسوا إلا مجرد موظفين يتمّ تعيينهم دون أسباب أو تفسيرات ويتم إعفاؤهم دون أسباب أو تفسيرات، لا شيء واضح يربط بينهم. الحكومة هيكل سياسي بامتياز، لذلك يجب أن تتكوّن من مسؤولين متمرسين في مجال السياسة، قادمين من أحزاب يمثلون أغلبية برلمانية منتخبة، يوفرون لها حزاما سياسيا قويا، وزراء يكوّنون مجمـوعة متجانسة ومتناغمة، مكلفة بتنفيذ برامج اقتصادية واجتماعية وثقافية مستمدّة من مخطّط مضبوط مسبقا وواضح المعالم، تتمّ ترجمته في شكل أهداف بالأرقام، مصحوبة بجدول زمني للإنجـاز، يتم رصد الاعتمادات اللازمة لها وتكليف الوزراء بتنفيذها تحت إشراف رئيس الحكومة، وتكليف ديوان رئيس الجمهورية ومستشاريه بمتابعة مدى الإنجـاز ورفع تقارير في الغرض للرئيس وتنظيم مجالس وزارية دورية لمساءلة الوزراء حول تقدّمهم في أعمالهم وأسباب التأخر عند الاقتضاء ورفع العقبات التي تعترضهم.

لكن كل هذا غير موجود اليوم، حتى إدارة ديوان الرئيس شاغرة منذ 3 سنوات، الجميع يسيّر زورقه بالعين المجردة، بلا بوصلة وبلا حساب، وبذلك يسهل تسمية أي كان دون أن يفهم أحد ما هي مهمته، وإقالة أي كان دون أن يشعر أحد بغيابه. لذلك لا أعتبر أن ما تقوم مجموعة الموظفين تلك أداء وإنما ارتجالا لا جدوى ترجى منه. أعطيك مثالا حول مجال الصحة: الكل يعلم معضلات الصحة في تونس من تهرّي للبنية التحتية، وتآكل للتجهيزات وتدنّي مستوى الخدمات وغياب الأمن وكثرة الاعتداءات على الإطار الطبي وشبه الطبي واستشراء الفساد في الصفقات وفي التصرف في مخزونات الأدوية وفي الخدمات والتصحّر الطبي في كامل المناطق باستثناء الشريط الساحلي وغياب الأدوية، ووشك إفلاس الصيدلية المركزية وصندوق التأمين على المرض وهجرة الأطبّاء بالآلاف وقرار الصيادلة إيقاف العمل باسترجاع المصاريف، فماذا كانت الخطة لمجابهة هذه المعضلات؟ فقط مشروع مدينة الأغالبة الطبية، الذي يراوح مكانه منذ ست سنوات لأنه كان مجرد “شهوة” بدون مخطط ولا تمويلات.

كيف يمكن حماية الحريات في ظل التضييق المستمر من قبل السلطة ومع استمرار استهداف المجتمع المدني وكل الأجسام الوسيطة؟

لا سبيل لحماية الحريات في ظل منظومة سياسية قوّضت جميع المؤسسات الضامنة لها، وعلى رأسها الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين والمجلس الأعلى للقضاء، واستهدفت القضاء بالترهيب بالإقالات والنقل التعسفية والتجريد الاعتباطي من الخطط وأصدرت مرسوما على المقاس لتكميم كل صوت معارض وإلجام الإعلام، وفككت نسيج المجتمع المدني والأجسام الوسيطة. وللأسف لا نرى نية لدى النظام للتراجع عن هذا التمشي الاستبدادي، لذلك أرى أن السبيل الوحيد الذي بقي أمام المواطنين المؤمنين بقيم الديمقراطية والحرية والحقوق هو أن يكثفوا من مناهضتهم له عبر التظاهر السلمي المتواصل، وعبر ما تبقى من وسائل إعلام وشبكات التواصل الاجتماعي.

هل ترون أن المشهد الحزبي في تونس يتجه نحو الانكماش أو إعادة التشكل؟ وكيف يمكن حماية دور الأحزاب واستعادة ثقلها؟

على الرغم من بعث أكثر من 250 حزبا منذ الثورة إلا أن المشهد الحزبي في تونس بقي هو نفسه تقريبا، يسيطر عليه ما لا يزيد عن 10 أحزاب على أقصى تقدير، لأن أكثر من 95% من بقية الأحزاب غير موجودة على الساحة اليوم، نظرا لأنها تم بعثها من طرف أشخاص لا علاقة لهم بالسياسة، وبإيعـاز من حزب النهضة آنذاك حتى يتم ترذيل العمل الحزبي، وقد نجحت إلى حد كبير في ذلك، حيث نجد اليوم كثيرا من فئات الشعب تنبذ الأحزاب والعمل الحزبي، خاصة بعد تجربة الترويكا والتوافق والائتلاف الوطني، ومع تكرّر تلك المشاهد المزرية داخل البرلمان طيلة أكثر من عشرية. وقد اشتغلت منظومة الحكم الشعبوية الحالية على مزيد من الترذيل للأحزاب حتى يخلو لها الفضاء السياسي. لكن اعتقادي أنه لو يتم تقديم مشروع سياسي جدّي يحمله مواطنون ذوي مصداقية ومن غير الوجوه المستهلكة قد يجد سبيلا لحشد الناس حوله، وفي كل الحالات فإن أي منظومة سياسية ديمقراطية لا يمكن أن تقوم من دون أحزاب، شئنا أم أبينا.

هل بوسع اتحاد الشغل العودة إلى واجهة الضغط السياسي من خلال الأزمات والإضرابات الأخيرة في البلاد كالأزمة البيئية بقابس وإضراب قطاع البنوك؟

في وضع سياسي عادي لا وجود لدور سياسي مباشر للنقابات، التي من المفترض أن تنحصر مهمتها في الدفاع عن حقوق الأجراء الكادحين ومكتسباتهم. لكن تاريخ الحركة الوطنية وبناء دولة الاستقلال الحديثة ارتبط ارتباطا وثيقا بمنظمة الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي تجاوز دور الشريك الاجتماعي partenaire social، إلى دور الشريك السياسي، حتى أن أول برنامج اقتصادي واجتماعي اعتمدته دولة الاستقلال الفتية كان من صياغة الاتحاد، ذلك أن حزب الدستور آنذاك لم تكن له لا المؤسسات ولا الكفاءات المؤهلة لضبط برنامج. كما تجلى دور الاتحاد السياسي خلال كل المنعرجات الحاسمة التي عرفتها البلاد في جانفي 78، وفي جانفي 84، وفي جانفي 2011، وفي جانفي 2013. ويتذكر من له ذاكرة كيف أن صندوق النقد الدولي طلب من حكومة المشيشي في ربيع 2021 موافقة الاتحاد على برنامجها كشرط لاعتماده من طرف الصندوق. لذلك، لا مناص لأية حكومة من الاتفاق المبدئي مع الاتحاد إذا أرادت ضبط برنامج اقتصادي واجتماعي وتنفيذه دون اضطرابات، لكن ذلك لا يكون إلا ضمن جبهة داخلية مرصوصة وقوية نحن أبعد ما نكون عنها.

تشهد الساحة السياسية طرح عدد من المبادرات من قبل بعض القوى السياسية، سواء تحت عنوان الإنقاذ الوطني أو استعادة المسار الديمقراطي. كيف تنظرون إلى هذه المبادرات؟ وهل أننتم جزء منها وهل ترون فيها جدية في تقديم حلول واقعية أم أنها مجرد تحركات ظرفية؟

ليس لي علم بأية مبادرة سياسية، أعتقد أنك تقصدين مسألة “إلتزام وطني” التي لا يعتبرها أصحابها مبادرة سياسية بل مجرد وثيقة إعلان مبادئ عامة حول مسألة الديمقراطية والحقوق والحريات وإدارة الاختلاف والتداول السلمي على السلطة، وهي مبادئ أشاركها، وقد أمضيت الوثيقة.

عادت الإضرابات العمالية في بعض قطاعات مثل النقل والتعليم والصحة، كيف تفسرون هذا التصعيد؟ وهل تعتقدون أن الحكومة ستستجيب لمطالب العمال أم ستعتبرها مُسيسة؟

كما سبق وأن قلت لك، لا وجود لحكومة في تونس اليوم. لذلك سأتحدث عن سلطة، لا عن حكومة. السلطة واضحة في موقفها من المنظمات الوطنية والأحزاب وجميع الأجسام الوسيطة والساعي إلى إلغائها واعتبار النشطاء فيها متآمرين وخونة وعملاء، خاصة بعد صدور قرار مما يسمى رئاسة الحكومة يمنع على الوزراء التفاوض مع النقابات. على كل حال لا أمل في أن نرى السلطة تستجيب لانتظارات الأجراء بشأن تقهقر قدرتهم الشرائية وتضخم أسعار المواد الأساسية، وذلك نظرا للتعهدات المالية للسلطة إزاء المؤسسات المقرضة واعتزامها إجراء أكثر من 20000 انتدابا في الوظيفة العمومية بالاعتماد فقط على الاقتراض من البنك المركزي، أي بتشغيل مطبعة الأوراق النقدية مع ما يحمله ذلك من أخطار اقتصادية وتضخمية.

كيف تقيم أداء الدبلوماسية التونسية في التعاطي مع قضايا المنطقة وخاصة بالمغرب العربي؟ وكيف تقرأ الاتفاق العسكري المبرم مؤخرا مع الجزائر؟

الدبلوماسية ليست إلا انعكاسا للوضع السياسي المحتقن داخليا ولشبح الإفلاس المالي الذي يتهدد الدولة. هذان العاملان يعمّقان من ارتهان السلطة للأطراف الخارجية التي تجود عليها ببعض الفتات، الذي لا يعدو أن يكون إلا حقنة وقتية تمكنها من البقاء على قيد الحياة فقط. وفي هذا السياق يندرج الأداء المهتري للدبلوماسية التونسية المرتهنة للاتحاد الأوروبي وإيطاليا والجزائر وتخليها عن مبادئ الحياد الإيجابي الذي طبعها بها مؤسسوها، من الزعيمين الحبيب بورقيبة والمنجي سليم، إلى الصادق المقدم وبورقيبة الإبن، أداء تسبب في عزلة تونس من جهة، وفي خسارة دعم أصدقاء تاريخيين مثل الولايات المتحدة التي لم تتردد في ترفيع التعرفة الجمركية على البضائع التونسية وهو ما أعتبره إحدى أكبر خيبات السلطة ودبلوماسيتها. وفي هذا السياق يندرج أيضا الاتفاق العسكري المبرم مع الجزائر والذي يعمق في هوة ارتهان تونس للجارة الزاحفة نحو حدودها الشرقية بعد عزلتها عن الأخرى جنوبا وغربا وشمالا. هذا الاتفاق المبرم في غياب أية رقابة برلمانية وفي غياب المعارضة مغامرة لا تحمد عواقبها على تونس، ولا بد للقوى الحية في البلاد أن تندد بها وتعمل على إلغائها.

ماهي مقترحاتكم للخروج من حالة الانسداد السياسي بالبلاد؟

سؤالك حول مقترحاتي للخروج من حالة الانسداد السياسي بالبلاد يفترض وجود نية في ذلك من طرف المتسبب الرئيسي في ذلك الانسداد والذي بيده الأمر والنهي حاليا، وهو شرط غير متوفر. لذلك أدعو جميع القوى الحية من أحزاب مدنية غير دينية ومنظمات وطنية ومكونات المجتمع المدني والشخصيات الحرة إلى مواصلة التصدي لهذا النظام الاستبدادي الشعبوي الفاشل بكافة الطرق القانونية والسلمية الممكنة دون الوقوع في فخ الاستقواء بالخارج. لا خلاص لتونس إلا بالديمقراطية والحرية واستقلال القضاء والمساواة وبناء المؤسسات وعلى رأسها المحكمة الدستورية والمنافسة الشريفة بين الفاعلين السياسيين ضمن ميثاق وطني.

شخصيا لديّ خطة من عشر نقاط للخروج من هذا المأزق السياسي والدستوري، خطة من عشر نقاط لا يتسع المجال لاستعراضها بالدقة التي يجب أن تتوفر في مثل هذه الحالة، مبنية على مشروع الميثاق الوطني المشار أعلاه، وعلى خطة إنقاذ سياسي واجتماعي واقتصادي براغماتية تعتمد على الكفاءات الوطنية المتواجدة في تونس وفي الخارج، والتي تم تهميشها لفائدة رموز الرداءة من الموالين، وسأكشف عن تلك الخطة قريبا.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here