آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. تحولت إجراءات 25 جويلية التي قادت مؤخرا إلى حل البرلمان في تونس، تحولت إلى “نكسة” بالنسبة لغالبية النخبة السياسية بالبلد، حيث تتوجس من مستقبل سياسي قاتم ينفرد به الرئيس على سدة الحكم، مقابل تراجع المناخ الديمقراطي التي ناضلت النخبة لأجله طويلا.
وفي حواره مع “أفريقيا برس”، أكد الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي رفضه للحوار الذي يدعو إليه الرئيس قيس سعيد وينحصر على داعميه مبديا تمسكه بحوار جامع لإنقاذ البلاد من أزماتها، محذرا من توريط القضاء في التجاذبات السياسية والتي برأيه تشكل أكبر خطر يحدق بتونس.
ما تعليقكم عن قرار حل البرلمان بشكل نهائي، ولماذا وصفتم إحالة نواب على فرقة الإرهاب بالهزيمة السياسية للرئيس قيس سعيد؟
أعتقد دستوريا أن الرئيس قيس سعيد ليس من صلاحياته حل البرلمان، وهذا منصوص في الفصل الثمانون للدستور الذي يقول لا يجوز لرئيس الدولة أثناء الفترة الاستثنائية حل البرلمان وهذا ما صرح به نفسه لدى ترأسه لمجلس الأمن القومي, حين أقر أنه لا يجوز له حل البرلمان، ولكن بعد الجلسة الافتراضية ارتأى أن يستند إلى الفصل 72 من الدستور الذي لا يخول له حل البرلمان واستقوى بالقوات الأمنية والعسكرية وباتهام النواب الحاضرين لتلك الجلسة بمحاولة الانقلاب على الدولة والتآمر على أمن الدولة الداخلي ويتكوين وفاق من شانه تغيير هيئة الدولة، وهذا ما تم بالفعل بعد أن طلبت وزيرة العدل بتكليف من الرئيس من الوكيل العام لمحكمة الاستئناف فتح بحث لتتبع النواب من أجل هذه التهم.
بهذه الخطوات نرى اليوم رئيس الدولة يقوم بقفزة جديدة نحو المجهول، المجهول الذي ستعاني منه الدولة والشعب والتجربة الديمقراطية التونسية للأسف الشديد، وبحله البرلمان أعتقد أن سعيد يؤكد رغبته في الانقلاب على النظام الديمقراطي في تونس ورغبته في الانفراد في السلطة والبقاء فيها لأطول فترة ممكنة.
أرى أنه انكشف اليوم المستور بحل البرلمان، لكن في اعتقادي فهي هزيمة سياسية بامتياز لرئيس الدولة لأنه يرفع شعار احترام الدستور والحريات والنظام الديمقراطي وأنه فقط يبحث على الإصلاح والتطوير، في حين تبين أن كل هذه الشعارات مجرد افتراء على الشعب.
لماذا لا تمد الأحزاب يدها لحوار وطني شامل مع الرئيس سعيد والقبول بخارطة طريق وإجراء انتخابات مبكرة، ألا تظن أن الأحزاب الرافضة لإجراءات 25 جويلية في معركة خاسرة مع الرئيس؟
التيار الديمقراطي أول حزب سياسي طرح مسألة الحوار الوطني خاصة في جانبه الاقتصادي والاجتماعي منذ شهر أكتوبر2020، حين التقينا حينها الرئيس سعيد وطلبنا منه هذا المقترح تحت إشرافه.
اليوم للأسف الشديد بعد الدخول في مرحلة الدكتاتورية الجديدة التي يؤسس لها سعيد، مازلنا نطالب بهذا الحوار لكن حوار له مواصفاته ومقوماته، حوار إما يكون شاملا أو جامعا أو لا يكون وأن يكون مخرجاته ملزمة للجميع أو لا يكون، وهو حوار يجب أن يكون في جدول أعماله تفاصيل الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكيفية إنقاذ الدولة والمالية العمومية وإنقاذ الفئات الاجتماعية الضعيفة وإجراء إصلاحات عاجلة والذهاب بإرادة جماعية لانتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة، هذا هو الحوار الذي نريده.
لكن للأسف الحوار الذي يرغب فيه الرئيس ينحصر بينه وبين داعميه، وهو حوار على قاعدة الاستشارة الشعبية الالكترونية التي يدعي أنها ناجحة وهي فاشلة على جميع المستويات.
هو يبحث على حوار يكون له مطية لفرض مشروعه المتمثل في دستور جديد يكرس نظام رئاسوي بامتياز في نظام انتخابي يعتمد بما سمي على البناء القاعدي في انتخابات تنتج برلمان مشتت ومهمش وبرلمان تغيب فيه الأحزاب السياسية، وبالتالي مشروع سعيد يتمثل في تأسيس جماهيرية جديدة مثل تلك الجماهيرية التي أسسها العقيد معمر قذافي.
اليوم كأحزاب اجتماعية ديمقراطية نرفض حوار قيس سعيد ونتمسك بحوار وطني حقيقي ومسؤول وجامع دون إقصاء أحد لإنقاذ الدولة وللعودة إلى المسار الديمقراطي الدستوري وللعودة لمؤسسات الدولة الديمقراطية.
صحيح، قد لا نستطيع أن نهزم سعيد كأحزاب لكن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية هي من ستهزمه، وسياسته الفاشلة هي من ستهزمه، ومن دعموه في 25 جويلية هم نفسهم سيخرجون للمطالبة بإسقاط منظومته.
هل تحولت المعركة السياسية اليوم في تونس إلى معركة تحدي بين الرئاسة والبرلمان والأحزاب: شرعية من ستنتصر؟
هي معركة وجود اليوم، هي معركة من أجل الديمقراطية، هي معركة من أجل تحرير الدولة والمحافظة على مكتسباتها وحقوقنا وحرياتنا هذه المعركة الحقيقية لا معركة مناصب ولا معركة بقاء في السلطة، سعيد هدفه البقاء في السلطة لكن معركتنا اليوم هي استرجاع الدولة الوطنية، استرجاع النظام الديمقراطي والذهاب لإنقاذ الدولة على مستوى اقتصادي واجتماعي، هذه هي المعركة الحقيقية التي سنخوضها.
مع ذلك أتوقع تسترجع تونس حريتها وديمقراطيتها قبل 25 جويلية القادم، لا مجال اليوم لاستفتاء سعيد أن ينجح، هذا الاستفتاء الذي سيكرس به أو يبشر به بنظام الجماهيرية أو الديمقراطية القاعدية أو يكرس به النظام الهجين الذي سيترك البلد في عزلة داخلية وخارجية..لا سبيل لاستفتاء سعيد أن ينجح و أن يحقق ما يصبو إلى تحقيقه، لا بد من إفشال هذه المحطة وهو ما يتطلب وحدة وطنية ووعي ونضج للطبقة السياسية اليوم حتى تتوحد لأجل إنقاذ الدولة.
كيف يمكن حماية مناخ الحريات في تونس والديمقراطية دون السقوط في مربع المواجهة والتصعيد؟
الحريات مرتبطة بالديمقراطية لا يمكن الحديث عن مناخ فيه حريات في نظام شمولي أو ديكتاتوري، لكن سعيد اليوم لا علاقة له بالحقوق والحريات وبحرية التنظم والتظاهر، لقد رأيتم كيف منع الناس من التنقل والتظاهر رأيتم كيف استهدف الأحزاب السياسية ويقول أنها انتهت سياسيا.
رأيتم بتهديده للمنظمات الوطنية والمجتمع المدني باتهامه لهم بتلقي التمويل الأجنبي، وبالتالي تحول إلى عدو للديمقراطية وكل طرف عدو للديمقراطية هو عدو للحريات، ولذلك فإن نضالنا اليوم من الأجل الحفاظ على حقوقنا وحرياتنا.
هل تثقون في قدرة الأحزاب وخاصة التيار الديمقراطي على استرجاع شعبيته، وترميم الهوة مع الشارع؟
نحن لا نعاني كحزب من إشكالية اليوم، لكن بعد 25 جويلية انقسم الشارع بين الداعم لهذه الإجراءات أو ضدها، هذا الانقسام انتقل أيضا لأحزابنا ومنظماتنا حتى الكبرى منها هناك أحزاب اندثرت لا بيانات ولا تصريحات، وهذا بفعل 25 جويلية.
أعتقد أن الشعب بدأ اليوم يستفيق من تخميرته ومن تلك الشعارات الرنانة الشعبوية التي كان يرددها سعيد من تطهير وفساد، حيث أصبح هذا النظام نفسه يكرس في الفساد في التعيينات والقوانين المشبوهة التي يسن فيها يوميا.
بدأ المستور ينكشف وبدأ الناس يصحون من هذه التخميرة، نريد أن نستعيد المشهد لكن بعقلانية ونضج حتى يكون قادر على تجاوز وتدارك إخفاقات وسلبيات الماضي، وينبني على الايجابيات التي هي موجودة للذهاب إلى مشهد سياسي آخر بخطاب آخر بوجوه جديدة بقدرة على النجاعة والانجاز، هذا المطلوب اليوم.
اليوم لا نقبل بالعودة إلى ما قبل 25 جويلية لكن لا نقبل أن نبقى في الوضع الحالي الذي أسسته قرارات ما بعد 25 جويلية.
نحن نبحث على قرارات أكثر عقلانية وأكثر نضج قادرة على تحقيق التنمية والرفاه، وتحقق للمواطن الحق الأدنى من انتظاراته هذا هو المطلوب وهو عمل يتطلب جهد كبير وجبار، نأمل أن تكون “نكسة” 25 جويلية فرصة لصحوة النخبة السياسية في تونس لإنقاذ بلدنا المهددة بالانهيار كما حذرت من ذلك منظمات دولية وهي تتابع عن قرب ما يجري بالبلد.
وبرأيي من سينقذ تونس هم التونسيون أنفسهم بوعيهم ونضجهم وتجاوز خلافاتهم وإخفاقاتهم لاسترجاع النظام الديمقراطي بالبلد.
كيف تقيم واقع القضاء التونسي اليوم بعد 25 جويلية هل بات في قلب الصراع والتجاذبات؟ خاصة وأنك وصفت القضاء العسكري مؤخرا بغير المستقل؟
القضاء العسكري لم يكن يوما مستقلا وهو قضاء تحت إشراف وزارة الدفاع التي تعمل تحت إشراف القائد الأعلى للقوات المسلحة أي رئيس الدولة، وبالتالي هو قضاء يعمل بالتوصيات والتعليمات وبأوامر من السلطة التنفيذية.
للأسف القضاء لم يتعافي حيث لدى سعيد رغبة في أن يضع يده عليه وتوظيفه لتصفية خصومه. كما لا يوجد إلى حد الآن تمثيلية للمجلس الأعلى للقضاء للمحكمة العسكرية فيه، كأنه قضاء خارج السلطة القضائية، وبالتالي هو قضاء تابع للسلطة التنفيذية، لا يعني هذا أنه لا يحكم بالعدل لكن لا يمكن أن نطمئن لأحكامه حين تسلط على مدنيين.
لذلك حين قال الدستور في الفصل 110 بأنه لا يجب محاكمة المدنيين في المحاكم العسكرية ولا بد من تعديل مجلة العقوبات والإجراءات العسكرية حتى تصبح ملائمة للدستور هذا للأسف الشديد ما لم تقم به الأغلبية ونحن كتيار ديمقراطي قدمنا مشروع وقدمته شخصيا مشروع قانون لتعديل المجلة منذ سنة 2018، لو وقع ذلك كنا لم نرى سعيد كيف يستخدم القضاء العسكري لتصفية حساباته مع خصومه.
للأسف اليوم لدينا نواب يحاكمون أمام القضاء العسكري من أجل تدوينة وهي تعبير عن رأي في فضاء مفتوح.. اليوم القضاء العدلي لم يتعافي ومازال يعاني ومعاناته مرتبطة بالمنظومة التشريعية والقضائية والإمكانيات المتوفرة للقضاء مرتبطة بتكوين القضاة وبحالة المحاكم هذا كله يتطلب مزيدا من الإصلاح والإصلاح يتطلب رغبة وإرادة.
لا أعتقد أنه بإزالة مجلس قضاء منتخب وتنصيب مجلس قضاء معين حسب شهوات الرئيس خطوة للإصلاح، بل يعني ذلك أنه بصدد تسييس القضاء والقضاة وهو ما نراه اليوم حيث وقع توريط القضاة في التجاذبات السياسية والمعارك وهو أكبر خطر يحدق بالبلد، حسب تقديري.
أرى اليوم في الرئيس على عكس ما يدعي في تطهير القضاء هو يحاول وضع يده على القضاء حتى يمسك جميع السلطات بيد واحدة، ومثلما جمع السلطة التشريعية والتنفيذية غدا سيمحق المجتمع المدني والأحزاب والمنظمات والإعلام.
اليوم سعيد بصدد تأسيس حزب وتنسيقيات وهذه التنسيقيات موجودة في نتائج سبر الآراء، وأعتقد أن القاعدة الشعبية لقيس سعيد ليس دعما له بل رفضا للأحزاب والمنظومة الحاكمة قبل 25 جويلية وهو رفض للمشهد البرلماني لحكومة هشام المشيشي وحركة النهضة.
صحيح أن الفئات الشعبية تدعمه لأجل النزاهة لكن النزاهة لا تكفي، فالسلطة تحتاج كفاءة وعندما تنعدم تصبح تخريب وتدمير الدولة، لذلك أتوقع أن مشروعه لن يحقق شيئا للدولة ولن ينجح في ذلك.
ماهي قراءتك وتوقعاتك لمستقبل الأزمة في تونس على صعيد سياسي واقتصادي؟
توقعاني اليوم انه لدينا خطر جاثم يتمثل في الرئيس نفسه قيس سعيد ومشروعه الذي يريد فرضه بالقوة، حان الوقت أن تستفيق النخبة السياسية والتونسيون بكل فئاتهم من هذه التخميرة ، ويدركوا أن الخطاب الشعبوي يدمر ولا يبني ومن يبني هو التشاركية والنقاش في كنف السلمية والوعي حتى نصلح بلدنا من جديد.
تونس لديها تجربة في الحوار بعد الثورة الذي أفرز القانون الانتخابي والدستور والحوار الوطني الذي حصد جائزة نوبل سنة 2016، وبالتالي المشكل ليس في الأزمة بل في الحل الذي يجب أن نذهب إليه جميعا وهو الحوار ولا شيء غير الحوار لكن حوار مسؤول وجدي وجامع يركز على أولويات الشارع ومخرجاته ملزمة للجميع، وفيه مراجعات ونقد ذاتي لجميع المشاركين فيه من أحزاب ومنظمات وطنية ويبني خطاب جديد ملائم للمرحلة الراهنة التي تتعلق بمعيشة المواطن وباقتصاد البلاد وبأوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية.
نحن في حاجة إلى صحوة ونكران ذات وشعور بالمسؤولية لإخراج البلاد من أزماتها واعتقد أن تاريخ 25 جويلية هو تاريخ فارق في تاريخ تونس إما نستعيد الدولة والتجربة الديمقراطية أو نذهب جميعا في نظام ديكتاتوري شمولي جديد ربما يبقى على قلوب التونسيين لمدة عقود.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس