في محافظة قفصة.. مدن “ماضيها أجمل من حاضرها”

155

بقلم: خالصة حمروني

أفريقيا برس – تونس. منذ ثورة 2011 وكل حكومة تتربع على كرسي الحكم في ساحة القصبة تكرس جزءً من جدول أوقاتها للبحث عن “حل نموذجي لمدن الحوض المنجمي (المتلوي وأم العرائس والرديف والمضيلة) التابعين لمحافظة قفصة الواقعة جنوب غربي البلاد التونسية، وكيف يعود الفوسفات لخلق تنمية بالجهة؟”.

ومن الواضح أن تخصيص حكومات تونس بعد الثورة جزءً من وقتها الثمين للحديث أو البحث عن مشاكل الحوض المنجمي (حوض يعرف بإنتاجه للفوسفات) لم يكن أبداً وليد الصدفة بقدر ما كان إشارة واضحة لمدى معرفة هذه الحكومات بحقيقة الوضع في تلك المنطقة الذي بات مقلقا اجتماعيا واقتصاديا وحتى سياسيا من جهة، وما تتطلبه هذه المنطقة من إجراءات عاجلة من جهة أخرى، لضمان مواصلة نشاط قطاع الفوسفات وبالتالي ضمان دوران عجلة الاقتصاد؛ كيف لا ولطالما كان الفوسفات الركيزة الأساسية للاقتصاد الوطني ومصدرا هاما لخزينة الدولة من عملة أجنبية؟

ولئن اختلفت الأرقام حول مداخيل هذا القطاع، فإن رئيس الحكومة الأسبق إلياس فخفاخ قال عنها: “شركة فوسفات قفصة توفّر للدولة 8000 مليار”. حكومة المشيشي وقبلها حكومة الشاهد وغيرها من الحكومات السابقة أدركوا أن منطقة الحوض المنجمي التي تعرف بكثرة الاحتجاجات وسلسلة من الاعتصامات تتسبب بشلل إنتاج الفوسفات. وبالتالي فإن البحث عن حل نموذجي بات أمراً مفروضا لا مفر منه، أولا لأن أوضاع مدن الحوض المنجمي أصبحت مكشوفة منذ ثورة الحوض المنجمي التي اندلعت سنة 2008 وأظهرت حقيقة واحدة مفادها: “أن مدنا تنتج ثروة بالمليارات يوميا تعاني الخصخصة منذ الاستقلال..مدن حبلى بالذهب الرمادي تعاني الفقر منذ الاستقلال.. مدن لها ماض عريق تعيش حاضرا بائسا لا مستقبل لها في ظل تواصل الأوضاع على حالها. وثانيا لأن الاقتصاد الوطني يتكبد خسائر بالمليارات يوميا جراء تعطل نشاط إنتاج الفوسفات.

“إفريقيا برس” حاولت في هذا الملف تسليط الضوء على ملف مدن الحوض المنجمي بوصفها منطقة ساخنة تشهد من الكثير من الاعتصامات، محاولة قدر الإمكان شرح أسباب تواصلها وما مدى مشروعيتها وأي حلول مقترحة للنهوض بأوضاع هذه المنطقة الصعبة دون المساس بمردودية قطاع الفوسفات؟

الفوسفات أولاً…وتحسين الأوضاع لاحقاً

وبالعودة إلى تصريحات سابقة لبعض رؤساء الحكومات السابقين؛ نذكر كلمة الفخفاخ التي ألقاها أمام مجلس نواب الشعب يوم نيل الثقة “أن برنامج عمل حكومته سيرتكز على 8 أولويات أساسية وكان ملف الحوض المنجمي الأولوية السابعة: ” الاهتمام بملف الحوض المنجمي والفوسفات نظراً للأهمية القصوى للفوسفات”.

وهنا لنا أن نتساءل أن قصد الفخفاخ وقتها من جملته المفخخة هذه؛ أن حكومته ستهتم بملف الحوض المنجمي فقط لأن “للفوسفات أهمية قصوى”؟ أم كان تصريحه عفويا لا يقصد به ما فهمه البعض منا؟.

وفي كلتا الحالتين – سواء صرح بها عن قصد أم عن حسن نية – فإن الوضع الذي تعيشه مدن الحوض المنجمي منذ الثورة إلى حد اليوم، لم يتحسن بل بالعكس ازداد سوءً، خاصة مع ارتفاع وتيرة احتجاجات شباب هذه المنطقة المطالبين بالعمل، اشتدت وتيرة هذه الاحتجاجات في السنوات الأخيرة وتراجعت مؤخراً مع تولي قيس سعيد رئاسة الجمهورية والتي جعلت من مراكز إنتاج الفوسفات وغسله ونقله مواطن شبه قارة لخيامهم المعطلة لمواصلة هذه الأنشطة.

شعار إحدى الحركات الاحتجاجيةوإن تحدثنا عن اعتصامات هؤلاء الشباب وتطرقنا إلى الأسباب ربما لن يفهم الجميع دوافعهم… فقط من ترعرع في تلك الربوع وعاش ظروف التفقير والتهميش… فقط من عاش ثورة الحوض المنجمي ودافع عن حقوقه أمام جبروت القوات الأمنية بالحجارة… فقط من يعرف معنى «الكبانية» و«المينة» و«البخارة» سيجد لهؤلاء الشباب عذرا لما يفعلونه كل مرة.

مدن عريقة تاريخياً…فقيرة تنموياً

في حقيقة الأمر لا أحد يجهل حقيقة الوضع التنموي بكل من مدينة المتلوي، أم العرائس، الرديف أو المظيلة. مدن الحوض المنجمي التي تنتج الفوسفات، ثروة البلاد التونسية التي تحولت من ثروة الى ثورة ومن نعمة الى نقمة. وضعٌ جعل منه شباب المنطقة دافعا لاعتصاماتهم المتكررة ومطالبهم اللامتناهية.

مدن الحوض المنجمي

ولنفهم أسباب تنامي ظاهرة الاعتصامات والاحتجاجات في منطقة الحوض المنجمي سنتطرق إلى عدة نقاط لعل أهمها؛ واقع هذه المدن بعد أكثر من 64 سنة (تاريخ الاستقلال). مدن عاشت ماضيا عتيقا، عرفت فيه أوجه التطور والازدهار، لكن سرعان ما فقدت كل امتيازاتها ورجعت الى نقطة الصفر، حتى أن بعض مناطقها تراجعت أوضاعها إلى ما دون الصفر.

تؤكد المراجع التاريخية والصور حكايات الأجداد هناك: مدينة المتلوي كانت “باريس تونس” والرديف “جنة الجنوب” وغيرها من الألقاب. مدن الحوض المنجمي توفرت فيها السكة الحديدية والماء والكهرباء قبل أن تتوفر في بعض مدن الشمال، احتضنت قاعة السينما والمسبح الأولمبي وملعب غولف ومغازة عامة وغيرها من مرافق العيش الكريم، شيدها الفرنسيون عندما أقاموا في تلك الربوع ولم يبق منها الآن سوى بعض الآثار.

في تلك الفترة الزمنية وعندما بعثت شركة فوسفات قفصة تحولت المناطق المنتجة للفوسفات إلى مدن مثالية يحلو فيها العيش وهذا ما شجع الكثير من أهالي الجهات الأخرى على ترك مدنهم والإقامة في إحدى المدن المنجمية والالتحاق بالشركة المذكورة للعمل والاستقرار هناك حتى أن العديد من الأشقاء الجزائريين والمغاربة والليبيين استقروا في تلك المنطقة ولا يزال البعض منهم يقيم هناك الى حدّ الآن.

ويفسر تواجد العديد من العائلات غير المنتمية الى أهالي المنطقة الأصليين أو ما يسمى “العروش” لتوفر مناخ ملائم للاستقرار، إذ عمدت شركة فوسفات قفصة في تلك الحقبة التاريخية الى الإغداق على عمالها بالامتيازات لضمان استمرار عملهم في الدواميس: “كنش سفر بنصف السعر إلى ولايات الشمال ودون مقابل لولايات الجنوب، رحلات ومصائف لعائلات ولأبناء الموظفين، امتيازات مالية للتلاميذ المتفوقين، منازل مجهزة لإطارات الشركة وسيارات خاصة والكثير من الامتيازات الأخرى. الأمر الذي جعل من ضمان عمل في هذه الشركة فرصة لا تعوض وحلم الجميع”.

ورغم أن الوقت مر وزمن الرفاهية ولّى، وان خدمات شركة فوسفات قفصة تراجعت (لا سيما بعد أن أصبحت مؤسسة عمومية تجود على عمالها بالقليل من الامتيازات وتوفر لخزينة الدولة الكثير من الأموال) إلا أنها بقيت مؤسسة تسيل لعاب كافة الشباب العاطل عن العمل وخاصة أبناء الجهة الذين يرون ان “العمل في هذه المؤسسة حقا لا يقبل المناقشة”.

فكرة خاطئة… مبدأ مرفوض

انطلاقا من هذه الفكرة (فكرة التشغيل حق في شركة فوسفات قفصة) والتي ترسخت في أذهان أبناء مدن الحوض المنجمي لطالما كانت هذه الشركة فريسة كل الاحتجاجات والاعتصامات المطالبة بالتشغيل سواء في شركة فوسفات قفصة أو في غيرها من الشركات التي تعود اليها بالنظر.

في السابق وخاصة في عهد الرئيس زين العابدين بن علي كانت جميع انتدابات الشركة تتم وفق تقسيم العروش، بمعنى الأولوية في التشغيل لأبناء العرش الأكثر عددا، والذي عادة ما كان أهاليه يمثلون السكان الأصليين للجهة ويتواجدون في السلطة المحلية سواء البلدية او المعتمدية غير إن الوضع بعد الثورة تغير وثار أهالي الحوض المنجمي على مبدأ العروشية ورأوا أن جميع السكان هم معنيون بالانتدابات وطالبوا بمبدأ الشفافية والتقسيم العادل في توزيع مواطن الشغل.

ثورة أهالي الحوض المنجمي على هذا المبدأ ورفض فكرة العروشية جعلتا من انتدابات شركة الفوسفات عرضة للتناحر والاختلاف وصل حد المعارك والموت في بعض المدن. فمع كل انتداب جديد للشركة تشتد النقاشات وتحتد المناوشات بين شباب المنطقة الواحدة لأن أحد العرش كسب أكثر مواطن شغل من العرش الآخر. الأمر الذي يدفع بالفئة المظلومة -حسب قراءتها للوضع ـ تسارع بالاحتجاج وطبعا لن تجد وسيلة لإبلاغ مطالبها إلا إذا عطّلت مصالح وأنشطة الفوسفات لأنهم أدركوا منذ سنوات أن الدولة لا تهتم بمنطقة الحوض المنجمي واحتياجات سكانها بقدر ما تهتم بمردودية قطاع الفوسفات، وفهموا أن الحكومة لا تلتفت الى هذه المناطق إلا إذا تعطل الإنتاج وأن وسائل الإعلام لا تتطرق إلى واقعها إلا اذا تراجع الاقتصاد.

مسؤولية مشتركة

إن قلنا إن “لا أحد من غير أبناء الحوض المنجمي يجد للمحتجين عذرا” ، فإننا لا ندافع عن فكرتهم بقدر ما نحملهم المسؤولية؛ مسؤولية اتجاه مدنهم أولا واتجاه وطنهم ثانيا.

إن مدن الحوض المنجمي ليست بمعزل عن خارطة تونس. وعلى هذا الأساس فإن ما وُجد من ثروات في باطن جبال قفصة يعود بالأساس إلى تونس. والأمر سيان بالنسبة إلى ثروات البترول في تطاوين أو قبلي أو قرقنة وثروات الفوسفات في مدينة المكناسي من ولاية سيدي بوزيد.

إن مسؤولية شباب الحوض المنجمي تكمن في فهم هذه الحقيقة والاعتراف بأن الفوسفات ثروة وطنية ليست حكراً على مدن الحوض المنجمي وأن التشغيل حق ضمنه الدستور، لكن ليس شريطة العمل في شركة فوسفات قفصة. لكن للأمانة؛ شباب المنطقة ليس وحده المسؤول عن هذه الأوضاع، فالدولة بكل حكوماتها المتعاقبة على الحكم تتحمل أيضا جزءً هاماً من المسؤولية.

بنية تحتية مهترئة

إن المتابع لأخبار هذه المنطقة يدرك أن الدولة تخلّت منذ زمن طويل عن دورها التنموي وأحالت الأمر برمته إلى شركة فوسفات قفصة أو كما يسميها أهالي تلك الربوع بـ”الكبانية” . فأصبحت بذلك المشغّل والممول شبه الوحيد لكل المشاريع التنموية والثقافية والرياضية والاجتماعية على حد سواء، غير أن تراجع المردودية المالية لهذه الشركة في السنوات الأخيرة جعلها تتراجع عن لعب كل هذه الأدوار معاً. وتتحمل الدولة أيضا مسؤوليتها في عدم خلق نسيج صناعي آخر في المنطقة يكون بديلا عن قطاع الفوسفات.

ونتيجة لكل هذه المتغيرات (الدولة تخلت عن واجباتها وشركة فوسفات قفصة لم يعد بإمكانها مواصلة تمويل المشاريع التنموية) تراجعت كل المؤشرات الحيوية الخاصة بهذه الجهة: تراجعت نسبة انجاز المشاريع الى أكثر من النصف وارتفعت نسبة الفقر بأكثر من 5% وارتفعت نسبة البطالة في منطقة الحوض المنجمي إلى حدود 25%). ولأن شبان المنطقة مقتنعون بفكرة أولويتهم في التشغيل، فقد راهنوا على منطق “توفير موطن شغل في قطاع الفوسفات أو تعطيل استخراجه وإنتاجه وغسله ونقله”.

شركة فوسفات قفصة سعت في البداية إلى تطويق الأمر لخلق مناخ اجتماعي سليم يضمن لها مواصلة نشاطها الصناعي والتجاري وحاولت امتصاص عدد لا بأس به من أبناء الجهة العاطلين عن العمل. غير أن سلسلة الانتدابات التي حصلت منذ بداية 2011 لم تستوعب كل المطالب: مع كل حلقة انتدابات جديدة يبرز جيل جديد يطالب بالعمل في شركة قفصة وما تبعها من شركات فرعية، جيل؛ البعض منه درس وحصل على شهادات عليا والبعض الآخر حصل على شهادات تكوين وآخرون تركوا مقاعد الدراسة وقبعوا في المقاهي ينتظرون فرصة العمر، “فرصة الالتحاق بأعوان شركة فوسفات قفصة”. جيل نسي أن هذه المؤسسة مؤسسة عمومية لها طاقة استيعاب محدودة وأن فرص العمل متاحة في مجالات أخرى غير هذه المؤسسة.

وهنا نجد أنفسنا أمام وضعية استثنائية: «شباب غاضب يبحث عن فرصة العمل، وحكومة أنانية تبحث فقط عن المداخيل المالية للفوسفات»…

وضعية استثنائية: الدولة تطالب بإعادة نشاط الفوسفات لتضمن موارد إضافية للتشغيل والتنمية وشباب يطالب بالتشغيل والتنمية لإعادة نشاط الفوسفات…وضعية استثنائية تتخبط لإيجاد معادلة صحيحة تضمن حركة سير متوازية ومتساوية لقطاري الفوسفات والتنمية.

وعود لن تنسى

ولئن أبدت كل الحكومات السابقة تفهمها لطبيعة الأوضاع في منطقة الحوض المنجمي وأظهر أغلبها حماسا لمعالجة الوضع والبحث عن حل جذري لأزمة الفوسفات ومعضلة التنمية معا، فإنه لا يسعنا غير الدعاء لحكومة نجلاء بودن الجهود بالتوفيق عسى أن تنجح في معالجة ملف استعصى على الحكومات السابقة والتي للأمانة حاولت فك شفراته غير أنها لم توفق.

فطيلة السنوات الأخيرة ظل الوضع التنموي في مدن الحوض المنجمي مسكوتاً عنه، موضوعا في رفوف المكاتب مادام قطاع الفوسفات ينشط دون تعطيل، ويوم يذاع خبر تعطيله من قبل شباب المنطقة المعتصم تتجه كل الأعين الى مدن الحوض المنجمي. أو خلال فترة الانتخابات سواء التشريعية او الرئاسية حيث يصبح وضع هذه المدن موضوع مزايدات وشعارات حملات انتخابية لن تنسى.

وعلى سبيل الذكر من منا لا يتذكر ما تعهد به رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد في خطاب نيل الثقة بإيجاد حل عادل للأزمة المزمنة في الحوض المنجمي، واعترف بوجود قطارين متوازيين في الجهة (قطار الفوسفات وقطار التنمية). غير أن القطار الأول يخرج من الجهة محملا بثرواتها، والقطار الثاني لم يدخلها بعد.

قطار التنمية لم يصل بعد

الشاهد قال: “منطقة الحوض المنجمي محرومة والحل الأمثل للخروج من الأزمة فيها يكون بـ«قطار فوسفات مقابل قطار تنمية”.

ومن منا لا يتذكر قرارات المجلس الوزاري المضيق بتاريخ 15 ماي 2015 الذي انعقد بقصر الحكومة بالقصبة بإشراف رئيس الحكومة الحبيب الصيد أو قرارات المجلس الوزاري المضيـّق الآخر الذي عقد بتاريخ 24 أفريل الماضي بإشراف الفخفاخ؟

ومن منا لا يتذكر وعود نواب ولاية قفصة الذين أصبحوا كغيرهم من النواب “مجمدين” بأن يدافعوا بكل شراسة عن حق هذه الجهة في التنمية والتشغيل؟ ونتساءل أين هم الآن في خضم ما تشهده المنطقة من احتجاجات واعتصامات أضرت بالجهة وبالبلاد على حد سواء؟

حلول واقتراحات

منذ بداية ظهور أزمة الحوض المنجمي وكل الأطراف منكبة على بحث سبل ناجعة لتطويقها. ومنذ ذلك الحين تم اقتراح آلاف الحلول؛ البعض اقترحتها المنظمات النقابية، وحلول أخرى اقترحها المجتمع المدني دون أن ننسى مبادرات فردية لبعض عقلاء الجهة غير الانتهازيين.

من الحلول المقترحة طالب شق بتعيين شخصية بارزة تحظى بثقة أهالي الحوض المنجمي وتكون لهذه الشخصية كل الصلاحيات في اتخاذ القرارات المناسبة، وبالطبع بعد التشاور مع رئيس الحكومة.

شق آخر اقترح تخصيص أرباح استخراج الفوسفات للجهة أو نسبة تناهز 20 في المائة لتنمية مدن قفصة حتى تصبح قطبا يشع في منطقة الجنوب الغربي. نسبة من الأرباح لن تضر كثيرا خزينة الدولة لكنها في المقابل ستجهز مستشفيات المنطقة وتبني المدارس وتعبد الطرقات وتقاوم التلوث وتوفر موارد الصيانة لشركة توزيع المياه التي تجد نفسها كل صيف عاجزة عن توفير الماء الصالح للشرب، وتنشط الحركة الثقافية والتجارية والسياحية، بالإضافة إلى أن تكون قادرة على تمويل بعض المشاريع الخاصة الأخرى كالفلاحة والصناعات اليدوية. وتصبح بذلك منطقة الحوض المنجمي منارة مثل حال مدينة «الخريبقة» المغربية عاصمة الفوسفات.

من الحلول المقترحة أيضا بعث منوال عمراني جديد في المنطقة بمعنى إحداث مدن عصرية تتوفر فيها جميع المرافق الحيوية من طرقات وإنارة وماء ومؤسسات تعليمية وصحية وخدماتية وحدائق عامة، بعيدة كل البعد عن مناطق استخراج الفوسفات أو مناطق غسله ونقله. وبذلك تصبح مناطق نشاط الفوسفات مناطق مغلقة مخصصة للعمل فقط في حين ينعم السكان بمدن جديدة بعيدة عن مظاهر التلوث والضجيج.

مخلفات البحث عن الفوسفات في الجبال

في حقيقة الأمر الحلول المقترحة كثيرة ولا يمكن التطرق إليها جميعاً. وقد اقتصرنا على ذكر أهمها والتي تبقى ـ حسب تقييم البعض ـ حلولا جاهزة وسهلة التطبيق على أرض الواقع ومن المؤكد أن نتائجها ستضمن رضى كل الأطراف.

فقط وحدها الإرادة تضمن نجاح السياسة التي ستتبعها الحكومة لمعالجة هذا الملف؛ إرادة أهالي الحوض المنجمي في نسيان أمر الاعتصامات والبحث عن سبل جديدة لنيل مطالبهم، وإرادة الدولة ومدى جديتها في خلق مناخ سليم يضمن حق الأهالي في تنمية عادلة وحق البلاد في ضمان موارد قطاع الفوسفات.

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here