آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. أكد كمال سحنون، عميد المهندسين التونسيين، في حواره مع “أفريقيا برس”، أن “الأرقام الخاصة بهجرة المهندسين كارثية، حيث غادر قرابة 39 ألف مهندس البلاد في السنوات الأخيرة، الأمر الذي ستكون له تبعات وخيمة على الاقتصاد الوطني، وسَيُؤدي إلى نقص في الثروة وصعوبة في تحقيق انتقال طاقي وصناعي ورقمي”، وفق تقديره.
ورأى أن “أبرز الحلول لمعالجة هذه الظاهرة هو تحسين الوضعية المادية للمهندسين، ومنحهم زيادات في الرواتب، وتوفير مناخ ملائم لتحفيزهم على الخلق والابتكار”، مبيّنًا أن “خطأ السياسيين والإدارة في تونس هو تغاضيهم عن تحسين رواتب المهندسين، وهو ما يجعل الدولة تخسر هذه الكفاءات التي باتت تبحث عن فرص أخرى في الخارج، هربًا من الأوضاع الاقتصادية الصعبة في البلاد”.
ويُذكر أن كمال سحنون هو عميد المهندسين في تونس منذ مارس 2020، وقد عمل مهندسًا بشركة البحث عن النفط واستغلاله في البلاد التونسية من سنة 1981 إلى سنة 2017، وهو خبير مستشار في مجال إدارة المشاريع وإدارة المؤسسات.
ما هي أسباب هجرة المهندسين التونسيين والتي لها أثر كبير على الاقتصاد التونسي؟
تتعلق الأسباب أساسا بالوضعية المادية للمهندسين التونسيين، وهي وضعية صعبة ومتردية، كما أنهم لا يعملون في ظروف مهنية ملائمة لخلق الثروة والإبداع، باعتبار أن عملهم قائم بالأساس على الابتكار.
وتبقى العوامل المادية هي العوامل المباشرة لهذه الظاهرة، وعلى رغم رواتبهم الضعيفة لم يتمكنوا من الحصول على زيادات في الأجور على شاكلة بقية الأسلاك والقطاعات التابعة للقطاع العمومي والتي تحصلت على زيادات بعد الثورة في حين حرم المهندسون من ذلك.
وبعد تحركات ونضالات عمادة المهندسين تم منح المهندسين بالوظيفة العمومية سنة 2019 زيادة في الرواتب، وهي الزيادة الوحيدة التي تحصل عليها المهندسون منذ انطلاق الثورة، وقد تم إمضاء وثيقة مع رئاسة الحكومة حتى تشمل الزيادة المهندسين العاملين في كل المنشآت العمومية لكن الحكومة لم تستجيب إلى ذلك بعد.
وفيما يخص القطاع الخاص، فإن غالبية المهندسين يعملون في ظروف مادية هشة وبرواتب ضعيفة، وهو ما يجعلهم يبحثون عن فرص للعمل بالخارج، خاصة أن المهندس التونسي مطلوب في السوق العالمية لما يعرف عنه من كفاءة وتكوين دولي وحسن الاندماج وسرعة في التأقلم مع اقتصاديات العالم.
هل يمكن توضيح الأرقام الخاصة بمغادرة المهندسين إلى الخارج، هل بالفعل يتم تسجيل مغادرة 20 مهندس يوميا إلى أوروبا، و6500 مهندس سنويا وإجمالا 39 ألف مهندس تونسي من مجموع 90 ألفا مسجلين، غادروا البلاد للعمل في الخارج؟
نعم هذه الأرقام صحيحة وقد بنيت على دراسة طويلة تمحورت بالأساس على هجرة الكفاءات، وكانت هذه الدراسة على امتداد ستة سنوات تحديدا من سنة 2015 إلى سنة 2020، وقد كان الرقم الخاص بهجرة المهندسين مذهل وكارثي، فقد بلغ عدد المهندسين الذين غادروا البلاد في السنوات الأخيرة 39 ألف مهندس، بمعنى أن هذا الاختصاص يمثل أعلى نسبة في معدلات الهجرة إلى الخارج مقارنة ببقية الاختصاصات الأخرى.
ما هي الدول التي تعد القبلة الأولى للمهندسين التونسيين؟
أوروبا هي الوجهة الأولى للمهندس التونسي، وتحديدا دول مثل فرنسا وبلجيكا وألمانيا والبرتغال وأيضا النمسا، ثم الوجهة الثانية نحو كندا وأميركا وهي وجهة مستقطبة للكفاءات التونسية خاصة المهندسين، كذلك جميع دول الخليج مثل السعودية وقطر، ولدينا وجهة أخرى، وهي أفريقيا التي يتجه إليها المهندسون المختصون في البنية التحتية لبناء أفريقيا على شاكلة ما وقع في تونس في ستينات وسبعينيات القرن الماضي، فاختصاص البنية التحتية مطلوب في أفريقيا، وأجور المهندسين متضاعفة أربعة مقارنة بأجورهم في بلدهم الأصلي.
وقد توصلنا حسب دراسة قمنا بها سابقا إلى أن رواتب المهندسين في تونس أقل أربعة مرات من رواتب المهندسين بالمغرب وأقل مرتين من رواتب المهندسين في الأردن، وهي دول متقاربة ومتشابهة اقتصاديا مع بلدنا.
ما هي عواقب تواصل نزيف هجرة المهندسين التونسيين على الاقتصاد الوطني؟
المهندس اختصاصه خلق الثروة ببلده، وفي حالة مغادرته فإن الثروة ستكون من نصيب دول أخرى وستنقص في تونس، وهو ما سيكون له آثار مباشرة على اقتصاد البلاد، لأن خلق الثروة هو ما يحرك الاقتصاد ويشغل الناس، كما أنه بمغادرتهم لن نتمكن من تحقيق الانتقال الطاقي والانتقال الصناعي والرقمي المرجو.
وللإشارة فإن المهندس التونسي يكلف خزينة الدولة في إطار تكوينه مبلغا يتجاوز 100 ألف دينار (32 ألف دولار)، وسنويا تصل تكلفة التكوين إلى 650 مليار مليم (208 مليون دولار)، لكن للأسف بعد كل هذه التكاليف، يختار المهندس المغادرة والاستقرار في دول أجنبية بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة في تونس.
كيف يمكن معالجة ظاهرة هجرة الكفاءات وتحفيزهم على العمل ببلدهم في الوقت التي تعاني فيه البلد من ضائقة اقتصادية وما نجم عنها من رواتب ضعيف؟
في الواقع هذا هو خطأ السياسيين والإدارة التونسية عموما التي ترفض زيادة رواتب المهندسين وهو ما يجبرهم في نهاية الأمر على خيار الهجرة ومغادرة البلاد، وبذلك لن نتمكن من خلق الثروة، ومن الطبيعي أن يشهد الاقتصاد تراجعا، وبالتالي فإن هجرة المهندسين والكفاءات بمثابة الكارثة على اقتصادنا الوطني.
لكن مع ذلك نلمس وعيا من لدى أعلى هرم في السلطة وهي الرئاسة التي أصدرت الكتاب الأبيض في جوان 2024، والذي يتناول التداعيات السلبية الخطيرة لهجرة المهندسين التونسيين والحلول لمعالجة هذه الظاهرة.
وقد حدد الكتاب، الصادر عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي،التوجهات الإستراتيجية الكبرى لإصلاح قطاع تكوين المهندسين في تونس في القطاعين العمومي والخاص وتطويره لضمان جودته وملائمته للتطورات التكنولوجية العالمية، وقد توصل إلى حلول أبرزها ضرورة تحسين الوضعية المادية للمهندسين، التي بدونها لا يمكن تحقيق أي إصلاح في هذا القطاع، ثم ضرورة القيام بتأهيل مهني لمواكبة التطور الاقتصادي والتكنولوجي في العالم، وأيضا ضرورة تحسين المناخ لتحفيز الشباب على الخلق والابتكار خاصة ممن يعانون من مصاعب اجتماعية حتى يتمكنون من تحقيق أهدافهم وطموحهم المهني.
وسيتم تنزيل مخرجات الكتاب الأبيض ضمن الآجال المحددة في أفق 2030 تحت إشراف وزارة التعليم العالي من خلال لجنة القيادة المحدثة لهذا الغرض، ومن جهتنا كعمادة سنعمل على متابعة مدى تطبيق توجهات هذا الكتاب على أرض الواقع، وفي النهاية هذه المحاولات هدفها ليس إيقاف الكفاءات بل على الأقل الحد منها.
كيف تقيم السياسات الحكومية في التعاطي مع هذا الملف، ما هي الحلول والخطوات التي يستوجب على السلطات إتباعها لمعالجة هذه الظاهرة؟
في الواقع هذا الملف لم يراوح مكانه منذ سنوات رغم الحكومات المتعاقبة والنسق الحكومي في التعاطي مع هذا المشكل بطيء وضعيف جدا، لكننا في المقابل نثمن جهود المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية التابع للدولة والذي خصص دراسة كما ذكرت في جوان الماضي، لمعالجة ظاهرة هجرة الكفاءات وأولت اهتماما كبيرا بهجرة المهندسين التونسيين وهو يعكس مدى وعي الدولة بهذا المشكل، ونأمل أن يتم تنزيل المقترحات الموجودة في الدراسة الأخيرة على أرض الواقع وحينها سيشهد هذا الملف حلحلة وانفراجة.
هل تعتقد أن منع هجرة الكفاءة عبر سن قانون خاص سيساهم في الحد من هذه الظاهرة؟
منع هجرة الكفاءات عبر سن قانون خاص ليس حلاّ لهذه الظاهرة، تونس ليست سجن، ومثل هذه المبادرات التشريعية دليل على قصر نظر بعض المسؤولين، ولا نقبل بمرور مثل هذه القوانين.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس