لاءات قيس سعيد تزيد الغموض بشأن مستقبل الحوار في تونس

68
لاءات قيس سعيد تزيد الغموض بشأن مستقبل الحوار في تونس
لاءات قيس سعيد تزيد الغموض بشأن مستقبل الحوار في تونس

أفريقيا برس – تونس. قللت أوساط سياسية تونسية من فرص نجاح مبادرة الحوار الوطني التي ترعاها المنظمات الوطنية الوازنة بالبلد وعلى رأسها اتحاد الشغل، بسبب تمسك الرئيس قيس سعيد برفضه للحوار بحجة وجود جلسات حوار أصبح البرلمان الجديد يفتحها مع أعضاء الحكومة وانتهاجه المسائلة في تقييم ومراجعة سياسات الدولة.

ويرى هؤلاء أن لاءات سعيد تزيد الغموض بشأن مستقبل الحوار الوطني، فيما يتمسك اتحاد الشغل بالحوار كمخرج تشاركي للأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ترزح تحت وطأتها البلاد، معتبرا أن النهج الفردي للرئاسة يعقد الأوضاع أكثر.

وجدد اتحاد الشغل، المنظمة النقابية ذات الثقل في البلاد، مؤخرا بتمسكه بالحوار لإنهاء التوترات وذلك خلال اجتماع لأعضاء هيئته الإدارية بمدينة الحمامات التي خصصها لتدارس تصاعد أزمة التعليم بين وزارة التربية ونقابة التعليم الأساسي، حيث أكد نور الدين الطبوبي أمين عام المنظمة الشغيلة، أن “الاتحاد متمسك بفتح باب الحوار لتحقيق الاستقرار ووضع حد للتوترات”.

الأولوية لحوار اقتصادي

بينما يرى متابعون ومحللون أن الاتحاد المتوجس من خسارة نفوذه في المشهد السياسي منذ انطلاق مسار 25 جويلية يجد في الحوار فرصة للحفاظ على وزنه وثقله من خلال دوره كوسيط بين الرئاسة والأحزاب والمنظمات لرسم خارطة إنقاذ بالبلد، إلا أن أطرافا سياسية تؤكد أن الوقت لم يعد ملائما لحوار سياسي بالبلد، وأن الأولوية تقتضي المضي نحو حوار اقتصادي واجتماعي خاصة في ظل تردي الأوضاع المعيشية مع استمرار غلاء الأسعار وتصاعد أزمة الهجرة غير شرعية.

أسامة عويدات، قيادي في حركة الشعب

وأشار أسامة عويدات القيادي بحركة الشعب في حديثه لـ”أفريقيا برس” أنه” بالنسبة للحوار الوطني وما يريد اتحاد الشغل تقديمه فانه في اعتقادي اليوم بعد إجراء الانتخابات التشريعية تم إرساء مؤسسات دستورية بما يعني الارتقاء بالعمل السياسي إلى مستوى الاستقرار السياسي، لذلك المطلوب في تونس اليوم هو الذهاب نحو حوار اقتصادي واجتماعي من خلاله يمكن إيجاد حلول للمعضلة الاقتصادية الناجمة عن خراب دام 13 سنة من مراكمة فشل تلو الفشل، وكيفية التفكير في الانطلاق نحو منوال تنموي جديد وهو ما يمكن البدء فيه إلا من خلال إصلاحات اقتصادية على المستوى الوطني”.

وشرح بالقول “بالتالي الحديث اليوم عن حوار هو بالضرورة في علاقة بالجانب الاقتصادي والاجتماعي، أما بالنسبة للحوار السياسي فالوقت فقد فات، ربما كان ذلك ممكنا قبل الانتخابات التشريعية لكن ماهو متاح ومازال فرصته موجودة هو الحوار الاقتصادي الاجتماعي وليس الحوار السياسي.”

وأضاف عويدات “وفي النهاية ما منع الأطراف السياسية من الترشح للانتخابات التشريعية هو أنه ليس لهم القدرة على الفوز فيها وبالتالي اليوم بعد ما انتهت العملية السياسية وبعد ما أفرزت برلمانا جديدا هؤلاء يريدون العودة من جديد للساحة السياسية، لكن عن طريق حوار سياسي وعن طريق الأحزاب التي تدعو إليه. ”

واستنتج “بالنسبة لاتحاد الشغل هو منظمة عريقة تدفع نحو الحوار، لكن الأولوية كما ذكرت اليوم للجانب الاقتصادي والاجتماعي وهي من أولويات التونسيين ومن الأولويات التي يفرضها الوضع الاقتصادي، وبالتالي مازال يمكن للمختلفين الجلوس مرة أخرى على طاولة الحوار والبحث عن حلول اقتصادية واجتماعية”.

ويعتقد المتابعون أن تمسك الاتحاد بالحوار يأتي لرغبته في تسجيل نقاط سياسية في حال قبلت الرئاسة بالمبادرة ما من شأنه أن يعيده إلى دائرة الضوء وحتى يؤكد أنه مازال ذو تأثير وحضور بالمشهد، لكن مع ذلك فقد نجحت الرئاسة في تقليص خطوطه الحمراء التي كان يفرضها الاتحاد على الحكومات السابقة بتوجيه رسالة له من خلال رفضها الحوار مفادها أنه بوسعها التفكير والتسيير دون الاعتماد عليه وعلى مبادرات الإنقاذ التي يرعاها.

وسبق أن أشار الرئيس سعيد أن البرلمان موجود فما جدوى للحوار، ما يعني أن مبادرة الاتحاد مصيرها الفشل، وبرغم لاءات الرئاسة يصر اتحاد الشغل على المضي في مبادرة الإنقاذ، ويجد في استفحال الأزمة الاقتصادية وإصرار الرئاسة على سياستها الاقصائية المبرر على فرضها ومحاولة إحياء فرص نجاحها وبالتالي العودة بقوة إلى المشهد من جديد على رغم مساعي الرئاسة في تقليص وتهميش دور المنظمات والأحزاب في مرحلة ما بعد 25 جويلية.

وما يزيد من فرضية فشل مبادرة الحوار التي يرعاها الاتحاد، هو تعدد مبادرات الإنقاذ الأخرى التي أطلقتها أحزاب معارضة وقدمتها كخطط بديلة عن السلطة الموجودة، حيث تراهن المعارضة على اقتراب مواعيد الاستحقاقات الانتخابية لإعادة ثقة الناخبين واستثمار ضعف الأداء الاقتصادي والسياسي لصالحها.

كما أن الأداء المرتبك للاتحاد بين تأييده في البداية لمسار 25 جويلية وانتقاده في الآن ذاته لتوجهات الرئيس، وبين تبرأه من جبهة الخلاص المعارضة ومن كل تقارب مع حركة النهضة التي تقود الجبهة لاسترضاء منظوريها من جهة ولاسترضاء الرئيس سعيد من جهة أخرى، يعكس مدى تخبط المنظمة الشغيلة ومساعيها لاستعادة حضورها المتراجع من باب الحوار الوطني ومبادرة الإنقاذ التي ترعاها، وهو ما لا يمنح المبادرة المصداقية أمام طيف سياسي وشعبي بالبلد.

ويشارك الاتحاد في مبادرته كل من الهيئة الوطنية للمحامين، ومنتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والرابطة التونسية لحقوق الإنسان، وكان قد ذكر الاتحاد على لسان ناطقه الرسمي سامي الطاهري في الآونة الأخيرة بأن “المنظمة قد استكملت صياغة الوثيقة النهائية وستقوم بعرضها على هياكلها لمناقشتها والمصادقة عليها، على أن يتم بعد ذلك نشرها وعرضها على السلطة والأحزاب والمنظمات والجمعيات”.

كل السيناريوهات واردة

رغم أن فرص الحوار الوطني تتضاءل في تونس يوما بعد يوم، إلا أن آراء أخرى تلفت إلى أن كل السيناريوهات واردة خاصة إذا وصلت البلد إلى حالة من الانسداد السياسي، الأمر الذي سيجير جميع الأطراف على الجلوس على طاولة الحوار.

وفي حين تركزت دائرة الاهتمام في تونس مؤخرا حول أزمة الهجرة غير الشرعية وسياسة البلد الخارجية في هذا الملف، إلا أن الحوار يبقى ورقة ناجعة بيد الاتحاد في حال فشلت سياسات الدولة في حلحلة الأوضاع.

المليكي: الدستور حكاية فارغة وتونس تعيش مسخرة ومراهقة سياسية
حاتم المليكي، ناشط سياسي

واعتبر حاتم المليكي الناشط السياسي في حديثه لـ”أفريقيا برس” أن “مبادرة الحوار فرضت على اتحاد الشغل باعتباره أكبر نقابة بالبلاد ومعني أساسا بالوضع الاجتماعي والاقتصادي والمعيشي للشغالين وباعتبار أنه منذ مراحل تأسيسه فقد لعب أدوار وطنية خاصة في عملية الإنقاذ حين تكون هناك أزمة سياسية بالبلاد، وهذه ليست أول مرة يقوم الاتحاد بذلك فسبق أن لعب مثل هذا الدور إبان الثورة وفي الحوار الوطني سنة 2013 وحتى قبل ذلك بعد الاستقلال”.

وأضاف المليكي”الاتحاد في دوره الطبيعي يكون لديه مبادرة لتحسين وتغيير أوضاع الشغالين لكن مع ذلك لا أعتقد أنه سيكون هناك اليوم حوار جديا وحقيقيا نظرا لتنصل رئيس الجمهورية ورفضه الواضح له. ”

ثم استدرك متسائلا “هل ستتغير الأوضاع بشكل يصبح جميع الأطراف مقتنعون به هذه مسالة ليست واضحة إلى حد الآن”.

وأوضح “الحوار إما تفرضه إرادة عقلانية للأطراف التي ترى الحوار كمبدأ وضرورة لتسيير البلد حيث لا يمكن أن ينفرد به أحد وترى في توازن السلطات أمر ضروري، والحوار العقلاني الذي نتحدث عنه في دولة ليست متكونة من الرئيس بمفرده فقط بل القطاع الخاص جزء من الدولة كذلك”.

وأبدى المليكي أسفه من أن “البلد اليوم ليست في خضم هذا المبدأ. “وفي تقديره “سيفرض الحوار على الجميع في حال كان هناك انسداد في الآفاق ولسنا بعيدين عن ذلك إذا تعقدت الأوضاع بطريقة واضحة ودراماتيكية”.

وخلص بالقول: “لذلك لا نستطيع أن نجزم أنه ليس هناك إمكانية لحوار كما أنه ليس هناك مبادرات لحوار عقلاني في المقابل ولمبدأ التشاور وتشريك البلاد بطريقة تشاركية.. تونس كانت بعد الثورة ضمن هذا الدور التشاركي ولا نتمنى أن تتأزم الأوضاع أكثر من ذلك حتى يجبر الجميع على الذهاب للحوار”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here