صادق البرلمان التونسي بالأغلبية المطلقة على انضمام تونس إلى اتفاقية مجلس أوروبا بشأن حماية الأطفال من الاستغلال والاعتداء الجنسي. وتونس هي أول دولة عربية وأفريقية يتم قبولها من خارج أوروبا للانضمام إلى الاتفاقية المعروفة باسم اتفاقية “لانزاروتي”، ورغم الحزمة الهائلة من القوانين والمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تصر تونس على تبنيها، إلا أن الاعتداء الجنسي على الأطفال في تونس يشهد تزايدا خطيرا، استنادا إلى عدد الحوادث التي تنشر بشكل يومي مما بات يتطلب البحث عن سبل ملموسة لحماية الأطفال.
وقالت وزيرة المرأة والأسرة والطفولة التونسية نزيهة العبيدي، خلال جلسة للبرلمان، إن “تونس بادرت بالانضمام للاتفاقية لأنها اتفاقية مهمة تضاف إلى حقوق الأطفال”.
وشدّدت العبيدي على أن بلادها تقدمت شوطا مهما في مجال حقوق الأطفال، فهي مصنفة في المرتبة التاسعة عالميا بين 155 دولة تضمن حقوق الأطفال.
وأضافت أن الوزارة أعدت سياسة تهم الطفولة المبكرة، إضافة إلى إعداد قانون عطلة الأبوة والأمومة، لتمكين العائلة من الاستقرار والتوازن الأسري، وإطلاق نواد ثقافية متنقلة (23 ناديا) في المناطق المهمشة، وستتم المصادقة على هذه السياسة في مجلس وزاري قريبا.
وتابعت الوزيرة التونسية أن “المصادقة على هذه الاتفاقية مهمة، لأننا كشفنا عن ظاهرة كانت مخفية، وهي الاعتداء الجنسي على الأطفال والمتاجرة بهم بجميع الأشكال”.
ولفتت العبيدي إلى أن “الدولة محمول عليها واجب حماية الأطفال بموجب البند 47 من الدستور التونسي”، مشيرة إلى ارتفاع ظاهرة العنف بجميع أشكاله بحق الأطفال في تونس.
وحسب إحصائيات لوزارة الطفولة التونسية، تلقت الوزارة عام 2016 حوالي 10 آلاف و88 إشعارا بوجود حالات اعتداء على أطفال، بينها 64 بالمئة عنف منزلي، فضلا عن عنف مادي أو معنوي أو جنسي في مؤسسات تربوية.
وتم الإعلان عن اتفاقية “لانزاروتي” في 25 أكتوبر 2007، ودخلت حيز التنفيذ في 1 يوليو 2010 ووقعت عليها 47 دولة، وانضمت إليها 42 دولة. وتهدف الاتفاقية إلى دعم البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالاتفاقية الدولية لحقوق الطفل والمتعلق بمكافحة بيع الأطفال واستغلالهم في المواد الإباحية والتجارة الجنسية.
وتحث الاتفاقية الدول الموقعة على الالتزام بإدراج تشريعات ضمن قوانينها تجرم استدراج القصر إلى علاقات جنسية وإباحية باستخدام وسائل الاتصال والتكنولوجيات الحديثة وتضمين عقوبات خاصة لمثل هذه الجرائم.
وأفادت وكالة تونس أفريقيا للأنباء (وات) أن أغلب النواب لاحظوا خلال النقاش العام، وجود هوة بين ما وصفته إحدى النائبات بـ”التخمة التشريعية لمنظومة حماية الطفل” وتزايد الأخطار المحدقة بهم، داعين إلى ضرورة الوقوف على معالجة مظاهر انحراف الأطفال وتفاقم الانقطاع الدراسي.
وبدا واقع الطفولة في تونس حسب تدخلات النواب، “قاتما” في ظل مغادرة ما لا يقل عن 36 ألف طفل مقاعد الدراسة خلال سنة 2016، مقابل جنوح نسبة 70 بالمئة من أطفال الشوارع إلى الجريمة المنظمة، وقدرت عمليات النشل والسرقة التي يقوم بها أطفال بـ5 آلاف جريمة، مقابل ارتكاب أطفال آخرين 1500 جريمة جنسية.
وعبر النواب عن مخاوفهم من تزايد الأخطار المحدقة بالطفولة، ونددوا بالاستغلال الذي يطال الأطفال جنسيا واقتصاديا، معتبرين أن الطفل التونسي لا يتمتع أحيانا بكامل حقوقه في الصحة والتعليم والترفيه، ويقع أطفال ضحايا للانتهاكات الجسدية أو الاقتصادية.
واعتبرت وزيرة المرأة والأسرة والطفولة نزيهة العبيدي، أن اتفاقية مجلس أوروبا بشأن حماية الطفولة من الاستغلال والاعتداء الجنسي، لا تقف عند حد حماية الأطفال من الاستدراج للوقوع ضحايا المعتدين عليهم جنسيا وجسديا فقط، بل ترمي إلى مكافحة الاتجار بالأطفال جنسيا والتصدي لكافة الانتهاكات الجنسية والجسدية التي تطالهم.
وأعلنت أن وزارة العدل تتولى العمل على تنقيح مجلة الطفولة التي صدرت منذ سنة 1995، وذلك بالتعاون مع وزارة المرأة، معبرة عن الأمل في أن تتعزز خطة مندوب حماية الطفولة، بعد انتداب 35 مندوبا في 2017.
وأكدت العبيدي حرص وزارتها على توفير جانبي الإحاطة والتثقيف للأطفال، مشيرة إلى أنه تم بعث 23 ناديا متنقلا لإسداء حصص ثقافية وترفيهية للأطفال في المناطق الريفية.
وقالت النائبة عن كتلة حركة النهضة في مجلس نواب الشعب يمينة الزغلامي، إنها تقدمت بمقترح لوزيرة المرأة والأسرة والطفولة نزيهة العبيدي يتعلق بإجراء حصص في الثقافة الجنسية للأطفال في المدارس والمعاهد ابتداء من عمر 6 سنوات، من خلال اتفاقية مع وزارة التربية.
وأوضحت الزغلامي في تصريح لإذاعة “موزاييك” أن الطفل الذي يفهم جسده يمكنه أن يحميه، وأضافت أنه يجب تطوير منظومة مندوب حماية الطفولة حتى يتحسن دورها في حماية الأطفال. وكشفت دراسة أجرتها وزارة التنمية والتعاون الدولي بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونسيف”، أن أكثر من 90 بالمئة من أطفال تونس يتعرضون إلى أشكال متعددة من العنف منها العنف المعنوي والعنف الجسدي والعمل الإجباري والاستغلال الجنسي، على الرغم من وجود قوانين “تضمن حقوق الطفولة وتمنع ممارسة أي شكل من أشكال العنف ضدها”.
وأوضحت رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية راضية الجربي أن قانون القضاء على كل أنواع العنف المسلّط على المرأة والفتيات الذي تمّت المصادقة عليه مؤخرا يشمل الأطفال الذكور، حيث أن مفاحشة الأطفال الذكور لم تكن تعتبر اغتصابا لكن في القانون الجديد تم إدراجها على أنها اغتصاب لتشديد العقوبة.
كما أضافت أن القانون القديم لا يخلو من صعوبات إثبات الجريمة لدى استنطاق طفل تم اغتصابه أو التحرش به نظرا لعدم قدرته على الإدلاء بتصريحات متماسكة وهو ما يمكّن الجاني في الغالب من الاستفادة من هذه الثغرة، لكن القانون الجديد ينصّ على إلغاء المكافحة بين الجاني والضحية إلى جانب استنطاق الضحية بحضور أخصائي علم نفس لامتصاص خوفه وارتباكه. وأشارت الجربي إلى أن الإفلات من العقاب من شأنه أن يكون وراء ارتفاع عدد حالات اغتصاب الأطفال في تونس.
وصرحت الجربي في ما يتعلق بتواتر حوادث اغتصاب الأطفال في تونس، أنه وفق الأرقام التي قدّمها مندوب حماية الطفولة يتمّ سنويا تسجيل حوالي 3000 حالة عنف مسلّط على الأطفال في تونس جلها مفاحشة واعتداءات جنسية، ويعتبر أغلب الفاعلين من الفضاء العائلي ورياض الأطفال والكتاتيب والمدارس.
وشددت على ضرورة مراقبة الفضاءات المغلقة ووضع كراس شروط دقيق لحماية الأطفال الذين يرتادونها.