إلهام اليمامة
أفريقيا برس – تونس. لقي سيتكوم (نوع من المسلسلات الكوميدية)، الذي عُرض في النصف الثاني من شهر رمضان، إقبالًا غير متوقع من التونسيين، رغم أنه يُعرض على منصة “يوتيوب” وليس على إحدى القنوات الفضائية كما جرت العادة. ويُعزى هذا النجاح إلى أن العمل أعاد التونسيين إلى زمن التسعينيات، وأحيا في نفوسهم حنينًا لعادات وتقاليد باتت مفقودة، ولرفاهية اقتصادية ولُحمة اجتماعية بدا تأثير تراجعها واضحًا اليوم على التونسيين وهم يستعدون لاستقبال عيد الفطر.
“بأي حال عدت يا عيد”؛ هذا لسان حال أغلب العائلات التونسية اليوم، وهي تستقبل عيد الفطر بجيوب عاجزة عن توفير كل مستلزمات فرحة العيد، من ملابس جديدة للأطفال، وحلويات تقليدية متنوعة، وعيدية لائقة تُقدَّم يوم العيد لأطفال العائلة. وكان لافتًا غياب مظاهر الاكتظاظ في المحلات وشوارع العاصمة، التي خبا بريقها وبدت غريبة على التونسيين، الذين كانوا يتذمّرون من هذا الاكتظاظ في السابق، لكنهم اليوم يشتاقون إليه.
وعلى الرغم من الصعوبات المالية والأزمة الاجتماعية والاقتصادية، فإن التونسيين مصممون على الاحتفال بعيد الفطر، حتى وإن لم يكن بنفس الرفاهية والحماسة التي كانت تميز السنوات السابقة، محاولين تحقيق المعادلة الصعبة في التوفيق بين توفير المستلزمات الضرورية بأقل التكاليف، وبما يتناسب مع قدرتهم الشرائية.
تحدثت سندس العوني، وهي أم لثلاثة أطفال وتملك صالون حلاقة في العاصمة تونس، عن تجربتها مع العيد هذا العام، قائلة إنها اعتادت شراء كسوتين لأطفالها في العيد، لكن هذا العام لم يكن الأمر ممكنًا بسبب غلاء الأسعار، حيث اكتفت بقطعة واحدة لكل طفل، اشترتها قبل رمضان خلال فترة التخفيضات.
وقال المحلل السياسي التونسي باسل ترجمان لـ”أفريقيا برس”: “بالتأكيد إن ارتفاع الأسعار والغلاء الذي تشهده الأسواق في تونس أثّر بشكل كبير على فرحة التونسيين بالعيد، لكن هذا لم يمنع، وإذا أردنا أن نقوم بمقارنات بسيطة بين قائمة الأسعار هذا العام والسنوات التي سبقتها، فسنلاحظ أن أسعار الخضر والغلال انخفضت، بينما ارتفعت أسعار اللحوم بشكل مبالغ فيه، وهو ما أثّر على ميزانية العائلات التونسية”.
وأضاف ترجمان: “بالتأكيد هناك تراجع في قدرة العائلات التونسية على الإنفاق جراء هذا الغلاء، ولكن برأيي لم يؤثر ذلك على فرحتهم، سواء بشهر رمضان أو بقدوم العيد، واليوم لاحظنا حركية كبرى في الأسواق وفي المناطق الشعبية، وأتوقع أن يمر العيد بفرح وسلام ككل سنة”.
وتقول سندس لـ”أفريقيا برس”: “الأزمة الاقتصادية واضحة جدًا في الشارع، وحتى على مستوى عملي في صالون الحلاقة. من قبل، كان العمل على قدم وساق طوال النصف الثاني من شهر رمضان، لكن في السنتين الأخيرتين حدث تراجع كبير في الإقبال، والسبب هو نقص الأموال، ما دفع العائلات إلى ترتيب أولوياتها؛ فشراء مستلزمات الأولاد أولى من الذهاب إلى صالون التجميل”.
ويؤكد الأمر ذاته كريم بلعربي، الذي يملك مخبزة لبيع الخبز والحلويات في أحد الأحياء الراقية، حيث قال لـ”أفريقيا برس”: “الإقبال على شراء حلويات العيد هذا العام أقل من السنة الماضية، التي سجلت بدورها تراجعًا. في السابق، لم نكن نلحق على الطلبيات، أما هذا العام فصرنا نبيع بالخسارة حتى لا تبقى السلع عندنا ونضطر إلى إتلافها”.
وكان رئيس المنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك، لطفي الرياحي، قد كشف في تصريحات إذاعية أن كلفة ملابس العيد بالنسبة للأطفال دون 6 سنوات تُقدّر بـ300 دينار (97 دولارًا) مقابل 250 دينارًا خلال السنة الماضية، في حين تبلغ 450 دينارًا (128 دولارًا) بالنسبة للأطفال الذين تتجاوز أعمارهم 6 سنوات، مقابل 400 دينار خلال السنة الماضية، وهي مبالغ باهظة، وقد تعني في بعض العائلات نصف المرتب.
ولا يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة للحلويات، حيث يقول الرياحي: “الأسعار مرتفعة للغاية وتختلف من مدينة إلى أخرى وحسب المكونات”، داعيًا العائلات التونسية إلى الإقبال على صنعها في المنزل. لكن حتى إعدادها منزليًا أصبح مكلفًا، وفق ما تؤكّده السيدة سرور، مشيرة إلى أن المواد الأولية لصناعة الحلويات، مثل اللوز وغيره من الفواكه الجافة، أصبحت باهظة الثمن، وأصبح الكيلوغرام الواحد يكلّف كثيرًا دون أن يفي بالحاجة.
لكن، إلى جانب غلاء الأسعار، يزيد فقدان بعض المواد الغذائية من غضب التونسيين، من ذلك نوع من السمك لا يمكن أن يحلّ العيد دون أن يكون حاضرًا على مائدة أهالي مدينة صفاقس. هذا العام، سُجّل نقص واضح في هذا النوع من السمك المملح الذي يُطبخ بالزبيب والبصل ويُعرف باسم “الشرمولة”.
وتقول السيدة بختة، البالغة من العمر ستين سنة، بحسرة: “على مدى سنين عمري كلها، هذه أول مرة لا تكون “الشرمولة” على مائدتي كما جرت عليه العادة. رغم غلاء الزبيب، فقد اشتريت كميات كبيرة منه، وتكبّدت عناء تحضيره وطحنه وطبخه مع البصل، وهي عملية تستغرق وقتًا وتتطلب جهدًا. وفي النهاية، حين ذهبنا للسوق لإتمام مكونات الطبخة، لم نجد السمك المملح. لم نترك مكانًا في العاصمة إلا قصدناه، ولكن دون جدوى…”. وخنقت الدموع السيدة الستينية وهي تختم حديثها قائلة: “هذا لم يكن حالنا من قبل… الدنيا لم تعد بخير… ربي يقدّر الخير”.
ورغم الوضع الاقتصادي الصعب، يصرّ التونسيون على الاحتفال بالعيد وإحياء سننه وعاداته، مهما كانت الظروف قاسية، على أمل أن يأتي العيد القادم في ظروف أفضل، تشبه أعياد الماضي.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس