الحڤرة الثقافية في تونس – فتحيّة دبّش مثالا –

الحڤرة الثقافية في تونس - فتحيّة دبّش مثالا -
الحڤرة الثقافية في تونس - فتحيّة دبّش مثالا -

افريقيا برستونس. بقلم : ناصر الرقيق هل يمكن لأبناء الجهات أن يكونوا مبدعين ؟ الجواب، نعم. و هل يمكن لهم النجاح ؟ الجواب أيضا، نعم. إذن هل يمكن أن يكون لهم حضور في الساحة الثقافية في بلدهم ؟ الجواب، لا و ألف لا. لماذا ؟ لأنّ تونس بلد « الحڤرة » و العنصرية الثقافية بإمتياز.

فَفي تونس لا تفتح الأبواب إلاّ لأبناء « الحاضرة» المحظيّين مهما كان مستوى ما يقدمون، فيكفي أن تكون من الدائرة المحظوظة و المرفهة لتونس العاصمة و التي تعرف من أين تؤكل « الهبرة » الثقافية، ستجد طريقك سالكا للإعلام الثقافي، لدعم وزارة الثقافة و للتكريماتالمتتالية بمناسبة أو بدونها رغم أنّ ما تقدّمه قد تكون مشاهدته أو قراءته مقصورة على بضعة أشخاص.

نوعيّة أخرى من الذين قد يجدون لقمة من الفتات الثقافي الذي تركته لهم النوعية السابقة، هم أولائك الذي جاؤوا من خارج العاصمة و قدّمواكلّ شيء في سبيل اقتحامهم للـ« مقاولات» الثقافية، فقدّموا الرشى ( مالا و أجسادا ) و تنازلوا عن كثير من الشرف الثقافي و المعرفي فيسبيل أن يكون لهم نصيب من الضوء في بلد العتمة الثقافية.

فأن تحصل أديبة تونسية لا تنتمي لتونس الرسميّة على جائزة دولية، فهذا يعني حتما اعترافا بأنّها مبدعة و بالتالي فهي تستحقّ من بابأولى التكريم و الإحتفاء في بلدها، أوّلا لأنّها مبدعة و ثانيا لأنّها امرأة و ما يعنيه ذلك من مثال جيّد و صورة مثاليّة تقدّم عن المرأة التونسيةالتي يزعمون مناصرتها لكن أسمعت لو ناديت حيّا. فتخيّل عزيزي القارئ !!!

الأديبة التونسية فتحيّة دبّش تتحصّل على الجائزة الأولى للكتارا عن فئة الروايات المنشورة عن روايتها « ميلانين» و الكتارا هي تقريبا أرفعجائزة عربيّة و مع ذلك لا أحد سمع بذلك، أو بالأحرى سمعوا و صمّوا آذانهم، فلا رئاسة الجمهورية و لا رئاسة الحكومة و لا وزارة الثقافةكرّموا الفائزة حتّى من باب المجاملة…صمت الموتى، رغم أنّنا نشاهد و نرى التكريمات توزّع هكذا بلا داعي أحيانا و على أناس لا نعرفماذا فعلوا ليكرّموا.

بال كان اليوم العالمي للمرأة، كان يمكن لوزارة الثقافة أن تكرّمها كامرأة مبدعة لكن…! سأكون ربّما صادما في كلامي لكنّها الحقيقة التي لا نريد رؤيتها و نغرس رؤوسنا في الرمل كلّما بدت لنا، فتحيّة دبّش لم تعط حقّها فيبلدها تونس لأنّها إمرأة تونسية سوداء، مهاجرة، من مارث، بعيدة جدّا عن المركز و ليست من اللّاتي يدفعن لِيُكَرَّمْنَ.

فتحيّة دبّش رغم إبداعها الأدبي لم تستسغ الساحة الثقافية الرسمية في تونس نجاحها و كأنّ قدر المرأة التونسية السوداء أن لا تنجح، أنتبقى تلك الخادمة في البيوت كما تصوّرها الكاميرا في تونس، و كأنّ المرأة التونسية المهاجرة قدرها أن تعود مرّة في السنّة محملة بخردةأوروبا تهديها لعائلتها و جاراتها لا أن تعود بإبداعها، و كأنّ المرأة التونسية القادمة من الأطراف لا يحقّ لها الكتابة بل عليها الإكتفاء بانجابالأطفال الذين سيشتغلون لاحقا في بيوت « الحاضرة» و أن تعمل هيَ بالفلاحة لتطعم محظوظيها.

و لكَ أن تتخيّل أيضا أيّها القارئ العزيز، لو أنّ كاتبة تونسية أخرى من العاصمة، ببشرة فاتحة و لو بالمكياج، من اللاّتي نراهنّ في التلفزات،من الدائرة التي تحدّثنا عنها آنفا فازت بجائزة الكتارا، هل كنّا سنرى نفس التجاهل ؟ أؤكّد لكَ أنّه سيتّم إستقبالها في المطار و ستمنح أرفع وسام للجمهورية.

تونس ليست العاصمة، و الإبداع لا يتوقف عند محطّة المنصف باي، فالأطراف و الجهات قدّمت و مازالت مبدعين كُثُرْ في مجالات شتّى…فيالأدب، الشعر، الغناء، الرسم، السينما و المسرح. و هؤلاء النجوم الذين يضيئون سماوات مناطقهم يستحقون نفس ما يقدّم لغيرهم فيالعاصمة، هكذا سنشعر بأننا في وطن واحد يستحقّ منّا الدفاع عنه بيدٍ واحدة، ترفع بالدعاء له و تضرب من يفكّر في الاعتداء عليه.

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here