المعرض الوطني للكتاب التونسي… عودة مرتبكة بعد انقطاع

المعرض الوطني للكتاب التونسي... عودة مرتبكة بعد انقطاع
المعرض الوطني للكتاب التونسي... عودة مرتبكة بعد انقطاع

أمين الحرشاني

أفريقيا برس – تونس. سنة 2018، جاءت فكرة بعث معرض للكتاب التونسي، أي معرض مخصّص كلياً لعرض إصدارات تونسية دون سواها، وبهدف دعم الكتاب المحلي. بعد سلسلة من الدورات المتعثرة، اختفى معرض الكتاب الوطني فجأة من الخريطة الثقافية سنة 2023، دون توضيح أو تفسير.

وبنفس غموض الاختفاء، عاد للظهور من جديد، إذ تقرر انعقاده في الثامن من يناير/ كانون الثاني 2026. لم يقع الإعلان رسمياً عن استئناف هذه التظاهرة، ولا حتّى عن احتمالية عودتها قريباً، ولولا انفجار الخلافات بين وزارة الشؤون الثقافية التونسية واتحاد الناشرين التونسيين، لبقي الموضوع طيّ الكتمان، مما يؤكد ما ارتبط بهذه التظاهرة من اضطراب في المواعيد وضعف في البرمجة، والخلاف حول مضمون شعاراته الرئيسية، وفي صدارتها “الكتاب التونسي”.

المواعيد والبرمجة

لم تعش تجربة المعرض الوطني للكتاب التونسي طويلاً، باستثناء الدورتَين، الأولى والثانية خلال سنتَي 2018 و2019، اللتين انعقدتا في ظروف عادية، لتشهد التظاهرة أولى اضطراباتها سنة 2020، إذ لم تنعقد الدورة تلك السنة بسبب جائحة كورونا، أمّا الدورة الرابعة فلم تنظّم إلّا بشق الأنفس، إثر تأجيلات متتالية. انعكس هذا الاضطراب على سمعة المعرض، واستمراريته، وانخفض عدد المشاركين من 76 عارضاً في الدورة الأولى، إلى 58 عارضاً فقط. غير أن التراجع الأهم، كان على مستوى الفعاليات والمحتوى.

من بين كلّ الدورات، تعرضت الدورة الرابعة، لموجة نقد حادة، على خلفية ضعف البرمجة، إذ كاد ينحصر عمل الهيئة المنظمة، في توزيع عشرات من شهادات التكريم للأدباء والأكاديميين والفنانين وغيرهم، دون تقديم أي محتوى جاد.

أما السياسة الاتصالية، فقد كانت أقل توفيقاً، إذ تحولت الصفحة الرسمية للمعرض، منصة للاحتفال المبالغ فيه بشخصيات سياسية، أو تقديم بيانات غير دقيقة بخصوص الفعاليات، ما أسفر في النهاية عن فشل للدورة كما أعرب عن ذلك عدد من جمعيات ومبادرات للقرّاء في بيان مشترك بتاريخ 28 يونيو/ حزيران 2021.

اتحاد الناشرين والوزارة

كشف بيان اتحاد الناشرين التونسيين نهاية الشهر الماضي، عن “الوضع المتردي الذي يعيشه قطاع الكتاب في تونس”، والذي كان من أبرز معالمها، إقصاء الاتحاد من تنظيم الدورة الخامسة من المعرض الوطني للكتاب التونسي. ليعلن على إثرها مقاطعة أنشطته.

لم تكن المرة الأولى التي يعلن فيها الاتحاد عن موقف احتجاجي من الحدث. ففي سنة 2022، أعلن عن مقاطعة التظاهرة، وهو ما تسبب في تأخير موعد تلك الدورة أكثر من مرة. في نفس البيان، قدم الاتحاد تبريره لموقفه من الأزمة الشاملة التي يعيشها قطاع الكتاب، من المعارض وصولاً لإشكالات سياسة الدعم الموجه للناشرين. ومع ذلك، من الواضح أن ما قُدم لم يكن سوى مبرّرات هدفها تغطية المشكلة الحقيقية، أي الصراع حول إدارة التظاهرة والإشراف عليها، بين الوزارة والاتحاد، الذي يدّعي ملكية الفكرة، وبالتالي أحقيته بالإشراف عليها.

وحتّى مع التسليم بأحقية الناشرين بهذا الحق، إلّا أن مشروعية الاتحاد نفسه في الحديث باسم كامل قطاع النشر التونسي اليوم أمست موضع تشكيك، إذ ظهرت هياكل أخرى على غرار الجامعة التونسية للناشرين، تبحث عن تمثيلٍ أفضل للقطاع ورداً على تراجع دور الاتحاد، سواء تعلق الأمر بإدارة ملفات القطاع، أو بشبهات سوء التصرف التي لاحقت بعضاً من قياداته، أو اعتراضاً على التظاهرات الثقافية الكبرى، على غرار معرض الكتاب التونسي نفسه، ويكون الاتحاد شريكاً رئيسياً في وضع برمجته على امتداد دوراته.

عن أي كتاب تونسي نتحدث؟

يبلغ عدد الناشرين في تونس ما يناهز 150 دار نشر وهو رقم متوسط، ومع ذلك فإنّ عدد المشاركين في المعرض لم يتجاوز النصف، ما عكس ضعفاً في تقديم تمثيل حقيقي للكتاب التونسي. وربما كان من الأجدى، تقديم تصور واضح منذ البداية، لماهية هذا الكتاب التونسي على وجه التحديد. إذ اعتمد من الدورة الأولى للمعرض شرط للمشاركة فيه، وهو أن تكون كل الأعمال منشورة تونسياً، وهو ما تسبب في إقصاء مؤلفات لكتّاب تونسيين نشروا أعمالهم في دور نشر خارج البلاد.

أثارت هذه الحركة، احتجاجاً، لكن الجدل حُسم لصالح طرح يحدد معيار المشاركة بأن يكون الكتاب منشوراً في تونس حصراً. هذا الشرط أظهر انحيازاً لصالح معيار النشر لا الإبداع، وبالتالي تحوّلت التظاهرة إلى أشبه بمعرض لدور النشر التونسية، لا للكتاب التونسي، سواء تعلق الأمر بما يعرضه داخله أو في الصراع حول إدارته، بل وحتى مصيره.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here