معرض تونس الدولي للكتاب.. تعثرات بالجملة

1
معرض تونس الدولي للكتاب.. تعثرات بالجملة
معرض تونس الدولي للكتاب.. تعثرات بالجملة

أمين الحرشاني

أفريقيا برس – تونس. يقع قصر المعارض بقبّته الخضراء الضخمة في منطقة الكرم، إحدى ضواحي العاصمة التونسية الشمالية. هذا الفضاء، الذي ارتبط لدى الكثيرين منذ سنوات طويلة بـ”معرض تونس الدولي للكتاب” وكأنّه رديف أزلي له. من المدخل الخارجي لقصر المعارض، يمكن رؤية الرايات المكرّرة كلّ عام للدول المشاركة نفسها، إضافة إلى بسطات حلوى الملبّس والكاكي المبثوثة أمامه نفسها تقريبًا، منذ سنوات ودون تغيير.

باستثناء تفصيل واحد ويتيم، هو مضاعفة ثمن تذكرة الدخول للمعرض من دينار إلى دينارين لأول مرة منذ سنوات، لا يبدو أن الدورة التاسعة والثلاثين من التظاهرة الثقافية تحمل أي فرادة أو اختلاف عن سابقاتها، بالرغم من حجم التحديات التي فرضها تزامنها مع ثلاثة معارض أخرى في المنطقة العربية هذه السنة، وهي معارض الرباط وأبو ظبي ومسقط.

بل على النقيض من ذلك، تبدو هذه الدورة هادئة وكأنّها تتم في أكثر الظروف “عادية”، وخالية من ملامح أي تنظيم أو برمجة استثنائية تعيد للمعرض ألقه باعتباره حدثًا ثقافيًا محليًا أو زخمه التنافسي عربيًا.

بدايات متعثرة

على غرار الدورات السابقة، حافظت هذه الدورة على عادة أمست عُرفًا ملازمًا لمعرض الكرم، وهي التأخير في نشر المُعطيات الأساسية للعموم، بداية من قائمة العارضين المشاركين وأماكن توزّعهم، إضافة لبرنامج الأنشطة والمحاضرات وحفلات التوقيع، الذي لم ينشر إلا مساء ثاني أيام المعرض، في حين غابت قائمة العارضين كليًّا.

لم تقتصر الإشكالات الاتصالية على غياب بعض المعطيات، بل شملت أيضًا تقديم أخرى غير دقيقة، إذ بعد إصدار بيان يعلن أنّ افتتاح المعرض للعموم سيكون عند الخامسة من مساء يوم الجمعة – وهو موعد مُتأخّر نظرًا لأنّ المعرض يُغلق أبوابه عند الساعة السابعة – بقيت جماهير الناس في الانتظار لما يزيد على الساعتين، لتفتح الأبواب دقائق قليلة قبل موعد الإغلاق. حدثٌ وصفه أحد الحاضرين ساخرًا بيوم “الافتغلاق”.

هذه البداية المتعثّرة وما رافقها من غياب معلومات يفترض توفيرها مسبقًا حالت دون القدرة على توقّع أهمية هذه الدورة، خاصة في ما يتعلق بالعارضين المشاركين لهذا العام. بالرغم من الارتفاع الطفيف في أعدادهم، حيث بلغ عدد العارضين 313 من 29 دولة، مقارنة بالدورات السابقة مثل الدورة 37 التي لم يشارك فيها سوى 279 عارضًا، إلا أنه ارتفاع كمي لم يعكس تنوعًّا كيفيًا. وذلك مع الغياب المتواصل للعارضين الأجانب وخاصّة الفرنسيين، في بلد تُعتبر الفرنسية لغته الثانية. أما على الصعيد العربي، فقد أصبح غياب أبرز الدور والمراكز العربية ظاهرة معهودة، مقابل ارتفاع عدد العارضين المحليين الذين بلغ عددهم 147 عارضًا، وتحديدًا الوسطاء مثل المكتبات ومؤسسات التوزيع. بذلك، يتحوّل معرض الكرم تدريجيًا من معرض كتاب دولي يشارك فيه 166 عارضًا أجنبيًا فقط، إلى معرض شبه محلي.

هذه النزعة المحلية طغت حتى على برمجة المعرض الرسمية من حيث الأسماء المشاركة فيه، والتي غلب عليها العنصر التونسي بشكل شبه مطلق، باستثناء أسماء قليلة جدًا ممن اعتادوا الحضور، مثل الأديب الليبي إبراهيم الكوني، أو أربعة ضيوف صينيين استثنائيين لهذا العام، في حين غابت الأسماء اللامعة عنها.

غير أنه وفي مقابل المقاربة المغرقة في المحلية، المتبعة من طرف الهيئة المديرة – التي هيمن على تركيبتها خليط من البيروقراطية الإدارية لوزارة الثقافة والهياكل القطاعية لقطاع النشر – تنامت داخل المعرض حركية ثقافية أخرى ساهم فيها عدد من الجمعيات الثقافية مثل جمعية صفحات، أو حتى الناشرون والمكتبات الخاصة المشاركة، والتي أمست أجنحتها تعرف حركية لحفلات التوقيع والورشات واللقاءات، توازي – وكثيرًا ما تتفوق على – نظيرتها الرسمية، خاصة من خلال دعوة الكتاب والمؤلفين الأجانب، وبعيدًا عن الأطر الرسمية.

إشكالات تنظيمية متواصلة

بالرغم من احتواء فضاء قصر المعارض على ثلاث قاعات كبرى للعرض، وتراجع أعداد المشاركين في المعرض، تم الاقتصار على قاعتين فقط. لتشهد القاعتان بذلك اكتظاظًا سبقته فوضى في توزيع الأجنحة على العارضين مع بداية أيامه. ففي حين نجح البعض – وتحديدًا دور النشر الضخمة والكبرى – في المحافظة على أفضل مواقع الأجنحة لسنوات طويلة دون تغيير، وجد آخرون، وخاصة الشبّان منهم، أنفسهم مضطرين لتغيير أماكنهم لأكثر من مرّة في اليوم نفسه.

ومع ثالث أيام التظاهرة، أعلن مشاركون آخرون عن انسحابهم بسبب “الولاءات والمحسوبية”، وفقًا لتصريح وليد بن أحمد، صاحب “دار أبجديات للنشر والتوزيع”.

أمّا الأجنحة التي يقع الصراع عليها، فما زالت هي نفسها، بالأعمدة ولافتات الأسماء نفسها الفقيرة جماليًا، وهي لافتات من المألوف أن تراها تتساقط، أو أن تدلّ على مواضع أجنحة لا علاقة لها بالتوزيع المفترض للناشرين وفقًا للقائمة، هذا لو وجدت الأخيرة أصلًا.

بورقيبة بين التاريخ والأدب

لا يبدو أن معرض الكرم اليوم لا يزال حدثًا ثقافيًا تُعدّل على ضوئه مواعيد نشر المؤلّفات الجديدة في المنطقة العربية. ومع ذلك، وبغض النظر عن كلّ إشكالاته التنظيمية، لا يزال الحدث الأهم من نوعه في تونس. هذا العام، تبدو الثيمة التاريخية طاغية على مجمل إصدارات قطاع النشر، إذ تتصدر العناوين التاريخية إصدارات جلّ الدور الرئيسية، مثل “نيرفانا”، و”نقوش عربية”، و”دار محمد علي”، و”أركاديا” وغيرها. هذه الظاهرة أصبحت أقرب للتخصص بالنسبة لناشرين مثل “دار المسيرة”.

وسط هذا الكم من الأعمال التاريخية، يبدو الحبيب بورقيبة، زعيم الاستقلال وأوّل رئيس للجمهورية، حاضرًا بقوة. بداية مع المشروع الضخم للصحافي لطفي حجّي، الذي أصدر أربعة أعمال دفعة واحدة تحت عنوان سلسلة “البورقيبية من الداخل”، والتي تناولت تجربة الزعيم من أربع زوايا مختلفة لوزرائه والمقربين منه.

أما “دار محمد علي”، فقد كشفت بدورها عن إصدارها الجديد “بورقيبة مؤرخًا” لفتحي اليسير، في حين تشارك “دار نيرفانا” لأول مرة خلال المعرض بمؤلّف الصحافي أحمد نظيف “ثالثة المنافي”، المخصص لتجربة منظمة التحرير الفلسطينية خلال فترة بورقيبة وبدايات عهد بن علي.

اللافت هنا هو أن التركيز على بورقيبة لم يقتصر على الدراسات التاريخية، بل امتد إلى الأدب. إذ تزامن ثاني أيام المعرض مع عرض النسخ الأولى من رواية الكاتبة أميرة غنيم الجديدة “العظماء يموتون في أفريل”، وهي الرواية التي وهبتها صاحبتها لسد فراغ في الإنتاج الأدبي والفني التونسي، الذي لم ينتج حتى الآن عملًا يخلّد سيرة الزعيم وفقًا لتعبيرها.

وبهذا، يبدو المشهد البانورامي لهذه الدورة من المعرض نسخة مكررة من حدث صار روتينيًا لأبعد الحدود، ولا يلفه سوى الحنين لماضٍ كان فيه المعرض حدثًا جللًا.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here