ابراهيم درغوثي من شاعر ثائر إلى روائي متمرّد

54

نحن نكتب نصا واحدا، نظلّ ندور حوله حتى نموت هكذا تحدث القاص والروائي التونسي ابراهيم درغوثي في لقاء أدبي جمعه بعدد من القراء والكتاب والجامعيين والمبدعين، في رحاب بيت الرواية بمدينة الثقافة.

هذا النص الذي تحدث عنه وظلت تدور حوله كتابات درغوثي هو روايته الأولى الدراويش يعودون إلى المنفى التي كتبها بعد أن أصدر مجموعتين قصصيتين، وقد صدرت في طبعتها الأولى في لندن (1992) عن دار رياض الريس ونالت جائزة النقاد آنذاك، قبل أن تصدر لاحقا في طبعتين تونسيتين وأخرى في القاهرة، وقد ساهمت هذه الرواية بشكل كبير في شهرة صاحبها داخل تونس وخارجها.

وابراهيم درغوثي كما قدمه مدير بيت الرواية كمال الرياحي يعد أيقونة من أيقونات الرواية التونسية فقد قدم الكثير للرواية التونسية والمغاربية والعربية، ومثلت أعماله الأدبية موضوعا لنحو ثلاثين عمل أكاديمي من أطروحات ورسائل جامعية.

عن الإنشاء الروائي في الدراويش يعودون إلى المنفى تحدث الكاتب في هذا اللقاء الذي أراده بيت الرواية احتفاء بتجربة تستحق التأمل والإكبار، فقال إنها رواية كتبها في فترة حرب الخليج الثانية أردت من خلالها محاولة إعادة صياغة تاريخ الأمة بعيدا عما يدونه كتّاب البلاطات وهي رواية تتطلب من قارئها الكثير من الجهد، فهي رواية عبثية، تجعلك تحس بالشبع الكاذب بعد قراءتها.

فقد جاءت في شكل قصص مصندقة (في شكل صناديق) تدعو القارئ إلى الربط فيما بينها، لذلك فهي قد تصدم المتلقي المتعود على القراءة السهلة وفق تعبيره، وتسخر من القارئ المتعجّل.

ابراهيم درغوثي اختار الكتابة الغرائبية العجائبية التي تنهل من التراث، وفق تعبير الروائي الشاب محمد لحباشة الذي أدار اللقاء، وهو يرى أن المبدع العربي مازال لم يستثمر ما لنا من تراث مليء بالعجائب والغرائب.

ويعتبر بعد تجربة تقارب أربعين سنة من الكتابة، ورصيد يزخر بعشر روايات وعشر مجموعات قصصية، أنه مثل الأدباء الشبان ما يزال في بداية مشواره، لافتا إلى أنه مسكون، منذ بداياته، بهاجس التجريب، وتحريك البرك الراكدة، قائلا لقد كنت دوما أبحث عن النص المشاكس، الملعون، المصاخب.

ولعل هذه المشاكسة هي التي ساهمت في التعريف باسم ابراهيم درغوثي وذياع صيته خاصة بعد أن صودرت أعماله حيث تمت مصادرة مجموعته القصصية الخبز المر الصادرة سنة 1990 ومنعت روايته شبابيك منتصف الليل الصادرة في طبعتها الأولى سنة 1996 من التوزيع وصودرت، حيث منعت حتى في السجون، أما رواية القيامة الآن التي طبعت في سوريا (1994) فقد ظلت عالقة لدى مصالح الديوانة نحو ستة أشهر قبل أن يفرج عنها، ويسمح بتوزيعها في تونس. وقال إن مصادرة الخبز المر شكلت صدمة بالنسبة إليه، وتألم من كبح جماح المبدع فصمت عن الكتابة لمدة سنتين قبل أن يكتب روايته الأولى التي لاقت نجاحا كبيرا وترجمت إلى عدة لغات.

ومثل اللقاء فرصة للحديث عن الرقابة التي كانت تمارسها السلطة قبل ثورة 2011 وعن الرقابة الذاتية التي يسلطها المبدع على نفسه، فأشار ابراهيم درغوثي إلى أنه يجد نفسه أحيانا في صراع مع الرقيب الذاتي، معتبرا أن سلطة السياسة خفت حدتها بعد الثورة إلا أن سلطة الدين والجنس لا تزال قائمة.

ودعا الكتّاب والمبدعين إلى تجاوز سلطة المنع والرقابة لكن باعتماد التوظيف الأمثل رافضا المشاهد المسقطة في الأعمال الأدبية والإبداعية. فهو يرى أن من شروط الإبداع الهمس دون اللمس، والإيحاء دون الجهر بالكلمات.

وقدم عدد من الحاضرين من بينهم بالخصوص الروائي عبد الواحد ابراهم والكاتب والصحفي محمد بن رجب، قراءات موجزة لأبرز ما يميز كتابات ابراهيم درغوثي منها إنطاقه للحيوانات بما يحمله ذلك من دلالات، وحديثه في أعماله عن انهزام المثقف، والربط الأسطوري بين مختلف الأحداث، فضلا عن تعدد العتبات النصية في كتابات درغوثي وشعرية نصه سواء في الروايات أو القصص التي يكتبها.

وعن هذا الجانب أشار المحتفى به إلى أنه بدأ مسيرته بكتابة الشعر وقد غنت بعض نصوصه الشعرية في أواخر الثمانينات مجموعة أولاد المناجم وهي فرقة موسيقية تأسست في سبعينات القرن الماضي، بأم العرائس من ولاية قفصة، ومعروفة بتقديمها للأغاني الملتزمة. وعرّج على اهتمامه في تلك الفترة بالسياسة والايديولوجيا الماركسية اللينينية، قبل أن يترك الواقعية الاشتراكية ويتبنى التراث في مفهومه النيّر. وبيّن أنه أحس بأن جلباب الشعر لم يعد كافيا لكتابة تجربته السردية فتحول الى كتابة القصة ثم الرواية ثم القصة القصيرة جدا.

وكشف أنه لطالما كان مسكونا بكتابين هما ألف ليلة وليلة والقرآن الكريم الذي حفظه كاملا وهو في سن مبكرة، وهو ما يفسر حضور النص الديني والنص الخرافي في كتاباته. وأعرب عن أسفه لعدم استثمار تراث عظيم لمبدعين كبار أهمل جلهم على مرّ تاريخ الدولة الاسلامية، مشيرا الى تواصل إهمال المبدعين وتغييبهم وعدم الاستفادة من خبراتهم والاستئناس بآرائهم ورؤاهم وهو ما يعكسه المشهد الإعلامي الحالي مقابل إفراط في ظهور سياسيين لا يقدمون حلولا للمشاكل القائمة. ودعا إلى تشريك المبدعين الحالمين وتشريك أوسع للمرأة في تحديد مصير البلاد، معربا عن ثقته الكبيرة في قدرتها على التسيير.

لمحة عن الأديب ابراهيم درغوثي

ولد الكاتب ابراهيم درغوثي بمنطقة المحاسن من ولاية توزر في 21 ديسمبر 1955 وهو روائي وقاص، كتب القصة والقصة القصيرة جدا، وترجم عدد من رواياته الى عديد اللغات منها الفرنسية والانقليزية والكردية والأمازيغية. وله في رصيده أيضا عديد البحوث والدراسات.

كتب الشعر منذ كان في سن السادسة عشرة كتب نصوصا شعرية تولى تلحينها وغناءها المجموعة الموسيقية الملتزمة أولاد المناجم اشتغل بالتدريس بأم العرائس من ولاية قفصة. وشغل منصب كاتب عام نقابة التعليم الابتدائي في الثمانينات واتهم رفقة مجموعة من النقابيين بتحريض المواطنين فيما يعرف بثورة الخبز سنة 1984 مما كلفه السجن.

إثر خروجه من السجن سافر للعمل في السعودية بموجب عقد يمتد خمس سنوات الا أنه لم يبق سوى سنتين وفضل العودة الى تونس له 10 مجموعات قصصية و10 روايات. ومن بين مجموعاته القصصية النخل يموت واقفا (1989) والخبز المر (1990) التي صادرتها السلطة القائمة آنذاك، ورجل محترم ومنازل الكلام (2009).

ومن رواياته الدراويش يعودون إلى المنفى (1992) الفائزة بجائزة النقاد في لندن، والقيامة الآن (1994) وشبابيك منتصف الليل (1996) التي صودرت أيضا ، وأسرار صاحب الستر (2002) ووراء السراب قليلا (2002) المتوجة بجائزة الكومار الذهبي سنة 2003 ووقائع ما جرى للمرأة ذات القبقاب الذهبي (2012).

نال جائزة لجنة تحكيم الكومار سنة 1999 عن مجمل أعماله الرّوائية، وتوج سنة 1989 بجائزة الطاهر الحداد في القصة القصيرة، وحاز جائزة المدينة للرواية سنة 2004 عن رواية مجرد لعبة حظ (مخطوط آنذاك) كما فاز سنة 2010 بجائزة القدس الكبرى للقصة القصيرة بأبو ظبي عن قصة ما لم يقله الاصفهاني في كتاب الأغاني وتوج سنة 2016 بالمرتبة الأولى للجائزة العربية مصطفى عزوز لأدب الطفل عن قصته فيروز وعرائس البحر.

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here