الطرابلسي: كتابي الجديد محاولة لفهم الشعبوية وتفكيك رموزها

5
الطرابلسي: كتابي الجديد محاولة لفهم الشعبوية وتفكيك رموزها
الطرابلسي: كتابي الجديد محاولة لفهم الشعبوية وتفكيك رموزها

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. أصدر الكاتب والصحفي التونسي بدر السلام الطرابلسي كتابًا جديدًا بعنوان “تمدد الشعبوية في العالم”، وهو كتاب يحكي قصة الشعبوية منذ تجاربها الأولى في العالم، بداية بروسيا القيصرية والولايات المتحدة، ومرورًا بالتجارب الأوروبية واللاتينية، ووصولًا إلى التجربة التونسية.

وأوضح بدر السلام الطرابلسي في حواره مع “أفريقيا برس” أن “الكتاب بمثابة محاولة لتفكيك رموز هذه المنظومة الشائكة من أجل فهمها والوعي بالتحديات والإشكاليات التي تطرحها، وهو يستهدف أوسع فئة من جماهير القراء من داخل وخارج الدوائر التعليمية والنخبوية”.

وبيّن أن “فكرة الكتاب تنبني على مقاربة الظاهرة الشعبوية كمنظومة سياسية وبناء خطابي واتصالي جدير بالفهم والتبسيط”، وتهدف إلى “رفع الالتباسات والغموض والأفكار السائدة والعفوية التي لا تخلو أحيانًا من التحيّز و”الكسل” الفكري عن مصطلح الشعبوية”.

ولفت إلى أن “التجارب الشعبوية في تونس لم تخرج عن هذه القاعدة، وكانت تتوزّع بين الحركات الاحتجاجية والأحزاب السياسية، لكنها تلتقي في النهاية تحت سقف المطالب السياسية والرغبة في الوصول إلى الحكم”.

وفي معرض تعليقه على المشهد السياسي التونسي، رأى أن “تونس تحتاج إلى عقول جميع أبنائها من مختلف الاتجاهات والميادين للنهوض بها وإيجاد حلول لأزماتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية”، كما “تحتاج إلى تصور سياسي وفكري شامل قائم على مشروع إصلاحي قادر على استعادة المسار الديمقراطي وتحسين حياة الناس، التي أصبحت أصعب بعد وصول المنظومة السياسية الحالية إلى السلطة”، وفق تقديره.

وبدر السلام الطرابلسي هو صحفي تونسي ومحلّل وخبير في الاتصال السياسي والصحافة المكتوبة والإلكترونية، صاحب معرفة معمّقة بأصول وتقنيات العمل الصحفي المكتوب والرقمي والسمعي البصري.

اشتغل في العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية التونسية والعربية، وتدرّج في العمل الصحفي حتى منصب رئيس تحرير.

حاصل على الماجستير في الاتصال السياسي والأستاذية في الصحافة من معهد الصحافة وعلوم الإخبار بمنوبة – تونس.

شارك في إنجاز بحوث ودراسات علمية في الميديا والاتصال وتحليل الخطاب السياسي. وهو قيادي سابق في الاتحاد العام لطلبة تونس، وعضو سابق في النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين ومنظمة العفو الدولية (لجنة الإعلام والاتصال).


أصدرت مؤخرا كتاب بعنوان “تمدد الشعبوية في العالم”، ممكن نبذة قصيرة عن هذا الإصدار الجديد وأبرز الإشكاليات التي يتطرق إليها؟

الكتاب هو بمثابة الدليل التوجيهي والتثقيفي حول ظاهرة الشعبوية من أجل فهمها والوعي بالتحديات والاشكاليات التي تطرحها، ويستهدف أوسع فئة من جماهير القراء من داخل وخارج الدوائر التعليمية والنخبوية.

تنبني فكر الكتاب على مقاربة الظاهرة الشعبوية كمنظومة سياسية وبناء خطابي واتصالي جدير بالفهم والتبسيط. ويهدف إلى رفع الالتباسات والغموض والأفكار السائدة والعفوية التي لا تخلو أحيانا من التحيّز و”الكسل” الفكري عن مصطلح الشعبوية. هذا الفهم سيكون لجانبين مهمين تنبني عليهما السردية الشعبوية، وهما الخصائص النظرية والتجارب العمليّة للحركات الشعبوية الحديثة والمعاصرة. وبالتالي فإن الكتاب هو بمثابة محاولة جديّة وعميقة لفكّ رموز المنظومة الشعبوية الشائكة أمام القارئ العربي.

تطرح الظاهرة الشعبوية العديد من الإشكاليات والمسائل التي تم التطرق إليها في الكتاب، والتي يمكن أن نحصرها في جملة من التساؤلات والاستفهمات: ما هو السياق التاريخي والخارطة الجغرافية للشعبوية؟ هل هي واحدة أم متعددّة أم متخالفة؟ هل تنتمي لليمين أم اليسار أم هي هجينة؟ هل فهمنا الشعبوية؟ إلى أي مدى استوعبنا الاستراتيجيات التي تطرحها؟ هل هي أيديولوجية أم وجهة نظر سياسية أم شكل جديد من الخطابة؟ هل هي تعبيرة سياسية احتجاجية؟ ماهي خصائصها؟ من هم خصومها؟ ما موقعها من الديمقراطية؟ ما الفرق بينها وبين الديماغوجية؟ هل أن مدح خصال الشعب باستخدام خطاب عاطفي يوضع في خانة الشعبوية؟ هل هي قادرة على تقديم عرض سياسي بناء لمرحلة ما بعد السياسة التي نعيشها؟

لقد حاولت أن أجيب على هذه الإشكاليات في الكتاب من زاوية تعريفية فيها شرح ونقاش لهذه المسائل بهدف رفع الغموض عن هذه الظاهرة والتثقيف السياسي حولها.

ناقش الكتاب تجربة الشعبوية في تونس منذ بداية الثورة إلى وصول الرئيس الحالي إلى السلطة، ماهي خصوصيات هذه التجربة وتأثيرها على الاستقرار السياسي في تونس؟

التجارب الشعبوية في تونس لم تخرج عن هذه القاعدة وكانت تتوزّع بين الحركات الاحتجاجية والأحزاب السياسية، ولكنها تلتقي في النهاية تحت سقف المطالب السياسية والرغبة في الوصول للحكم. فحركات وحملات “وينو البترول” و”عيش تونسي” و”العريضة الشعبية” و”الحملة التفسيرية” وأحزاب “ائتلاف الكرامة” و”قلب تونس” و”الدستوري الحر” كلها قدمت نفسها بديلا للمنظومة السياسية التي تداولت على الحكم بعد انتفاضة 17 ديسمبر – 14 جانفي، وانتقدت فساد النخب وغياب التمثيل الشعبي في القرارات والسياسات الحكومية المتعاقبة من منطلقات أنها التعبير الحقيقي والأصلي عن الإرادة الشعبية. بل إنها أثبتت عند وصولها للسلطة وهيمنتها على السلطة التنفيذيّة (كما هو الحال بالنسبة للرئيس قيس سعيد) على النزعات السلطوية والأوتوقراطية، التي تعبّر عن ماهيتها الأصلية القائمة على مفاهيم “الديمقراطية المباشرة” دون وسائط و”الشعب الموحّد” حول زعيمه و”العداء للنخب” والمهاجرين.

ويمكن تصنيف هذه التيارات والأحزاب الشعبوية في خانة الحركات اليمينية المحافظة في أغلبها، وإن كانت تحمل بعض الشعارات اليسارية الاجتماعية تتعلق بالتوزيع العادل للثروة وتأميم الثروات الطاقية الوطنية، إلا أنها لم تفعل في الواقع وبقيت مجرد شعارات انتخابية تعبويّة. وتشترك هذه الحركات والأحزاب الشعبوية في إشكاليّة الحديث باسم “الشعب” (رغم أنه مصطلح فيه تعويم مفاهيمي وغير دقيق سوسيولوجيا)، وتحمل شعارات من فوّضه الشعب لرفعها من قبيل “الشعب يريد حل البرلمان” و”الشعب يريد البناء والتشييد”. وتقدم وعودا انتخابية غير عقلانية لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع. فمثلا البرنامج السياسي للعريضة الشعبية كان يهدف إلى “تأميم الثروات الطبيعية” دون شرح مشروع التأميم وبأية خطط أو برامج تنفيذية سيعتمدها. بل إنه يجزم أنه يطرح حلولا لمعالجة ظاهرة البطالة غير مسبوقة كإعطاء 200 دينار منحة شهرية لنصف مليون عاطل عن العمل ومجانية الرعاية الصحية وضخ 2 مليار دينار في ميزانية الدولة عند الوصول للحكم.

لقد وُظِّف شعار التفويض الشعبي عند تطاحن المواقف الحزبية والسياسية حول قضايا مختلفة تتعلق بهوية “الشعب” التونسي وشكل النظام السياسي المناسب لحكم البلاد خلال الاستحقاقات الانتخابية والدستورية الكبرى.

وعند الوصول للسلطة، كانت القرارات السياسية تصدر بطريقة مركزيّة مفرطة ويتمّ تطبيقها دون نقاش أو تداول بعد أن تمت محاصرة الفضاء العام والتضييق على أنشطة المجتمع المدني وضمان ولاء المجلسين النيابي والوطني للجهات والأقاليم.

كما أن إعادة انتخاب الرئيس قيس سعيد، الذي اعتبره زعيما شعبويا بامتياز، على رأس السلطة التنفيذية في الانتخابات الرئاسية 2024 لم يأت كنتيجة طبيعية لمسار انتخابي ديمقراطي تعدّدي، بل كان نتيجة مسار معرقل لإنجاز انتخابات ديمقراطية في مناخ سياسي غلبت عليه التضييقات والمحاكمات للمعارضين والتنقيحات في قانون الانتخابات.

كل ذلك يؤثر سلبا على المناخ السياسي في البلاد ويلغي التعددية والتداول الديمقراطي داخل الفضاء العام، بل ويضع نهاية للتجربة الديمقراطية في تونس وهي لا تزال في مهدها، خصوصا مع تواتر المحاكمات السياسية للمعارضين والناشطين والصحافيين.

هل تعتقد أن الكتاب نجح في فك رموز المنظومة الشعبوية الشائكة أمام القارئ التونسي والعربي؟

الكتاب صدر حديثا ولا يزال تأثيره غير واضح يجب أن تمر فترة من الزمن حتى نستطيع الإجابة على هذا السؤال، أتمنى أن يصل الكتاب لأكبر عدد من الجمهور في تونس وخارجها ويساهم بالقدر الممكن في التثقيف السياسي حول الشعبويّة ورفع الغموض عنها.

برأيك أي عقل سياسي تحتاجه تونس في الفترة المقبلة في ظل ما يراه متابعون بأن البلاد يسودها حكم فردي وشعبوي، وهو ما يعطل تطورها ومعالجة جذرية لأزماتها؟

تونس تحتاج لعقول جميع أبنائها من مختلف الاتجاهات والميادين السياسية والاقتصادية والثقافية والعملية للنهوض بها وإيجاد حلول لأزماتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كما تحتاج لتصور سياسي وفكري شامل قائم على مشروع إصلاحي قادر على استعادة المسار الديمقراطي وتحسين حياة الناس التي أصبحت أصعب بعد وصول المنظومة السياسية الحالية للسلطة.

من الصعب أن نتحدث عن تغيير في الوضع العام للبلاد في ظل منظومة تحكم لوحدها وتعتمد على التداين وحلول التلفيقيّة لمعالجة أزمات البلاد وهو ما يجعلها في عزلة عن محيطها العربي والدولي.

كيف تقيم تجربة النظام القاعدي في تونس، هل تعتقد أنه حقق إضافة للبلاد؟

البناء القاعدي أو “التأسيس الجديد” في تونس هو امتداد للفكر المجالسي الذي تأسسّ في العقدين الأولين من القرن التاسع عشر في داخل المصانع الروسية، في شكل مجالس عمّالية تناقش شؤون الطبقة العاملة وحقوقها النقابية والاجتماعية، وتطوّرت لاحقا لتصبح فضاء لمناقشة مهام واستراتيجيات الثورة على القيصر والنظام الاقطاعي وتقديم تصورّات للنظام سياسي جديد تكون فيه المجالس العمّالية أساس الحكم لكن وصول المناشفة للسلطة جعل الحزب هو الذي يقرر مصير الطبقة العاملة والبلاد عموما.

في تونس بنى قيس سعيد تصوّره للنظام السياسي على الديمقراطية المباشرة، فهو لا يرى حاجة لوسائط لأن “الشعب” بالنسبة له قادر أن يتواصل مباشرة مع زعيمه ويقدّم له خلاصة مداولاته وقرارته في مناخ من اللامركزيّة غير المحدودة، دون الحاجة للأجسام الوسيطة من أحزاب وميديا، أو هكذا تصوّر قيام مسار عمليّته السياسية “الثورية” الجديدة ضمن سرديّة “التأسيسي الجديد” قبل أن يطرح مشروعه القاعدي الممهور في دستور 2022 على الاستفتاء، ويضع فيه صلاحيات واختصاصات لرئيس الجمهورية تجعله يتحكّم في السلطة التنفيذية في قرطاج والقصبة دون منازع، وهو ما من شأنه أن يضعف باقي السلطات التشريعية والقضائية التي يعتبرها وظيفة إدارية. هذه المنظومة الرئاسوية الجديدة لا يكفي أنها تسقط النظام شبه البرلماني السابق بما يعنيه -نظريّا- من سلطة تشريعية قويّة قادرة على وضع حدّ للسلطة التنفيذية عند تجاوز السلطة وتحاسبها عندما تنحرف بها، ولكنها تنسف فكرة اللامركزية التي تقوم على التداول واقتراح القرارات والمشاريع الكبرى مجالسيّا انطلاقا من القاعدة الاجتماعية العريضة وصولا لقمة الهرم السياسي للحكم لاعتمادها وتنفيذها.

هل ترى أن ملف الحريات من شأنه أن يحقق التوازن في المشهد السياسي ويعيد المعارضة حضورها التي تراجع بعد مرحلة 25 جويلية؟

ملف الحريات على أهميته غير قادر لوحده على استعادة زمام المبادرة للمعارضة أو تحقيق توازن القوى السياسية مع السلطة الحاكمة لعدّة أسباب أهمها أن المواطنين في تونس فقدوا الثقة في النخبة السياسية، التي حكمت خلال العشرية التي سبقت وصول سعيد للسلطة وفقدوا الثقة في الديمقراطية، لأنها لم تغير أوضاعهم المعيشية ولم تقدم حلولا للبطالة وغلاء المعيشة وبقيت شأنا نخبويا غير مرتبط بمعيش وهموم الناس.

المطلوب من النخب السياسية قبل رفع شعار الحريات مجددا أن تقوم بنقد ذاتي لأنها مشاركة بقسط هام في الأوضاع التي وصلت إليها البلاد حاليا، وأن تترك المجال للأجيال الجديدة من السياسيين والناشطين ليقدموا بدائلهم وتصوراتهم ومشاريعهم لمستقبل العملية السياسية في البلاد.

من المهم كذلك أن تنكب النخب السياسية على مشاغل الناس ومطالبهم الحياتية اليومية وتفهم ما يريدونه وما يطلبونه لتصيغ مشاريعها بناء على هذه المعادلة بدل تهميش مطالب المواطنين وتركهم لقمة سهلة للمشاريع اليمينية الشعبوية الهدامة.

كيف تقرأ مستقبل المشهد السياسي التونسي في ظل تغييب دور الأحزاب والأجسام الوسيطة وتضييق السلطة المستمر على خصومها السياسيين؟

هنالك سيناريوين لمستقبل العملية السياسية في تونس: السيناريو الأول بقاء المنظومة الحالية في السلطة بفضل ضعف المعارضة وعزلتها الشعبية ومواصلة الحلول الترقيعية وبيع الأوهام والشعارات الشعبوية للمواطنين، والمزيد من التسلّط والأوتوقراطية في الحكم، أو السيناريو الثاني وهو أن تدفع الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الصعبة للناس للخروج والانتفاض ضد المنظومة الحكامة الحالية، وهو أمر وإن كان غير وارد بحسب المعطيات الحالية إلا أنه قادر على الحدوث مثلما حدثت انتفاضة 17-14 ولم يكن أحد يتوقعها.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here