أفريقيا برس – تونس. أبدى القطاع الخاص التونسي تحفظات بشأن التغييرات المرتقبة في قانون العمل، مطالباً بضرورة المحافظة على مرونة إبرام عقود التوظيف المؤقتة، وحذف العقوبات السجنية للمخالفين التي يطرحها مشروع قانون تنقيح مجلة الشغل (قانون العمل).
وشرع برلمان تونس أخيراً في مناقشة مشروع قانون لتعديل قانون العمل بشكل يمنع ويجرّم مناولة اليد العاملة مع الحد من استخدام العقود محددة المدة، مع إلزام المشغلين بتسوية الوضعية المهنية للعاملين وفق هذه الصيغة.
ووفق مقتضيات مشروع القانون الجديد، سيُلغى العمل بمبدأ مناولة اليد العاملة، الذي كان يسمح بإبرام عقود بين مؤسسات مؤجرة لليد العاملة ومؤسسات مستفيدة، على أن يُجرَّم كل مشغل يبرم عقداً يهدف إلى تشغيل الأجراء عبر مؤسسة وسيطة غير قانونية، ويعرّض كلاً من المؤسسة المشغّلة والمستفيدة لعقوبات مالية، وحتى عقوبات بالسجن، مع منع إبرام عقود العمل لمدة معينة في غير الحالات الاستثنائية المتمثلة بالقيام بأعمال.
وعبّرت الغرف والمنظمات المهنية الممثلة للقطاع الخاص عن موقفها من مشروع قانون العمل الجديد خلال جلسات الاستماع التي نظمها البرلمان، حيث اقترحت منظمة الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (أكبر منظمة لرجال الأعمال) توسيع قائمة الاستثناءات للقطاعات المسموح لها بإبرام عقود عمل مؤقتة بغاية تحفيز الاستثمار.
ووفق تقارير اللجان البرلمانية، يرى القطاع الخاص أن الاستشارات السابقة لطرح مشروع جديد لقانون العامل لم تكن كافية، مؤكداً أنه كان من الأفضل أن تسبق المشروع استشارة على أوسع نطاق مع مختلف المنظّمات الممثّلة للعمال وأصحاب العمل وكذلك دراسة تقييم أثر للمشروع المعروض، خصوصاً أنّ تونس صدّقت على عديد الاتفاقيات الدولية في هذا الشأن والتزمت من خلالها التفاوض الاجتماعي والمشاورات.
في المقابل، أيدت منظمة رجال الأعمال منع المتاجرة باليد العاملة، وأبدت تحفظات بشأن العقوبات السجنية التي أقرّها المشروع، باعتبار أنّ المؤجر شريك اجتماعي ولا يجوز معاملته كخارج عن القانون، مع اقتراح الاقتصار على عقوبات مالية.
وقال عضو البرلمان يوسف طرشون، إن مشروع قانون تنقيح مجلة العمل من أهم القوانين التي تشتغل عليها اللجان البرلمانية في الفترة الحالية، نظراً لأبعاده الاقتصادية والاجتماعية والنتائج المتوقعة في إعادة تنظيم صيغ العمل وحفظ حقوق الأجراء.
وأكد طرشون إبداء القطاع الخاص ملاحظات وتحفظات بشأن بعض الفصول المتعلقة بالعقوبات السجنية المتوقعة على المخالفين وصيغ عقود العمل المؤقتة، مشيراً إلى أن اللجان البرلمانية تواصل استماعها للمنظمات والغرف المهنية لملائمة حاجيات القطاع الخاص وسوق العمل مع قوانين التوظيف الجديدة.
وبيّن في سياق متصل أن أغلب التحفظات التي أبداها أرباب العمل تعلقت بتوسعة قائمة الاستثناءات المسموح بها لإبرام عقود عمل مؤقتة مراعاة لخصوصية بعض القطاعات على غرار القطاع السياحي.
واعتبر أن من واجب المشرّع الأخذ بالاعتبار خصوصيات القطاعات الاقتصادية، حفاظاً على قدرتها التشغيلية مع ضمان حقوق العمال بشكل كامل.
وأضاف: “دعت جامعة النزل إلى الأخذ بالاعتبار خصوصية القطاع السياحي، خصوصاً في مسألة العمالة الموسمية”.
وحسب مشروع القانون الذي يناقشه البرلمان، سيُفرَض تحويل جميع عقود الشغل محددة المدة، إلى عقود غير محددة المدة تلقائياً، دون الحاجة إلى إبرام عقد جديد أو انتظار انتهاء العقد السابق.
وبموجب الأحكام الجديدة، يُعتبر جميع العمال الذين كانوا يشتغلون في إطار مناولة اليد العاملة عمالاً ثابتين في المؤسسة المستفيدة من خدماتهم، اعتباراً من تاريخ دخول القانون حيّز التنفيذ.
ويواجه آلاف العمال التونسيين في القطاعين الحكومي والخاص هشاشة العمل نتيجة اعتماد عقود عمل لا تمكنهم من تحصيل حقوقهم المادية والمهنية، فضلاً عن تصاعد نسبة البطالة التي بلغت 16% وفق أحدث البيانات التي نشرها معهد الإحصاء الحكومي نهاية الربع الثالث من عام 2024.
من بنود قانون العمل
وحالياً، يمنح قانون الشغل إمكانات واسعة للمشغلين باستعمال آليات للتشغيل الهش لا تحمي حقوق العمال بالقدر الكافي في القطاعين، الحكومي والخاص.
ويرى وزير التشغيل السابق فوزي عبد الرحمن، أن القاعدة العامة في سياسة التوظيف هي إضفاء المرونة على سوق الشغل لجعلها أكثر قدرة على النشاط واستيعاب طالبي الشغل، بينما يفضي التضييق إلى مزيد من غلق منافذ سوق التشغيل، وفق تقديره.
وأكد عبد الرحمن، وجود ثغرات في قانون العمل الحالي تسمح بانتهاك حقوق العمال، مشدداً على أهمية معالجة هذه الثغرات دون السقوط في الإجحاف، بما يضع قيوداً أمام فرص التوظيف الشحيحة، في ظل الصعوبات الاقتصادية الحالية ونسب النمو الضعيفة التي يحققها اقتصاد البلاد.
وفي وقت سابق، طالب اتحاد الشغل التونسي بتوسيع دائرة المشاركة في صياغة تعديلات قانون العمل، محذراً من تنقيح أحادي لمجلة الشغل (قانون العمل) ومحاولة إلغاء الممثلين الشرعيين للعمال والنقابات من النقاشات حول مسائل ملفات مهمة تتطلب مشاورات ثلاثية بين الأطراف الاجتماعية.
وتعاني تونس من بطالة هيكلية في صفوف الشباب وخريجي الجامعات ممن ينتظرون لسنوات طويلة في طابور العاطلين من العمل، بينما مثلت السوق الموازية ملاذ الباحثين عن مصادر الكسب خارج دائرة التوظيف الحكومي.
وتصل نسبة البطالة في صفوف خريجي الجامعات التونسية إلى 23.4% وفق بيانات أصدرها معهد الإحصاء الحكومي في الربع الثالث من العام الماضي، بينما تتقدم هذه النسبة إلى 31.2% في صفوف الإناث.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس