إلهام اليمامة
أفريقيا برس – تونس. يظهر الاقتصاد التونسي علامات تحسّن لكن النمو يبقى ضعيفا بنسبة تصل إلى 6.1 بالمائة في 2025، وفق ما كشف عنه تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الذي نشر خلال اجتماعات الخريف السنوية لصندوق النقد ومجموعة البنك الدولي.
ويشير التقرير، الذي جاء بعنوان “التوقعات الاقتصادية العالمية.. التغيّرات السياسية والمخاطر المتزايدة”، إلى أن الاقتصاد التونسي يواجه تحديات كبرى تتعلق بضرورة خلق فرص العمل وتنمية حجم الاستثمار مع استمرار التحدّيات المالية.
ولا تبدو المؤشرات التي تحدّث عنها التقرير وناقشها الخبراء خلال الاجتماعات التي انعقدت في واشنطن مبشّرة رغم رفع وكالات التصنيف الدولية من التصنيف الائتماني التونسي من منخفض إلى مستقر، بعد أن تم تخفيضه أكثر من مرة ف السنوات الأخيرة.
ووفق التقرير، أظهر الوضع الاقتصادي في تونس بعض بوادر التحسن خاصة على مستوى التجارة الخارجية والزراعة لكن النمو لا يزال منخفضا عند 1.6 بالمائة، وهو المستوى الأضعف بين كل دول شمال إفريقيا (مصر 4.1 في المائة، موريتانيا 4.2 في المائة، المغرب 3.6 في المائة والجزائر 3 في المائة في عام 2025).
ويرجّح صندوق النقد الدولي أن يتقلص معدل التضخم في البلاد من 7،1 بالمائة سنة 2024 إلى 6،7 بالمائة في 2025. في حين توقع الصندوق أن يصل معدل البطالة، إلى 16،4 بالمائة سنة 2024.
وعلى مدار سنوات، ظلت الحلول للأزمة الاقتصادية ضعيفة متسببة في خلق أزمة اجتماعية تداعياتها وخيمة على المدى الطويل حيث أثرت الأزمة الاقتصادية في التسلسل الطبقي للمجتمع وبشكل خاص في الطبقة المتوسّطة التي تشهد تآكلا، بين عائلات انضمت إلى الطبقة الفقيرة وعائلات فظّلت الهجرة على البقاء في ظل أزمة أقصى حلولها رفع الضرائب على الموطنين.
ويصف الباحث مساعد في مركز برشلونة للشؤون الدولية فرانسيس غيلس، النظام الضريبي في تونس اليوم بأنه “نظام استغلالي” خاصة بعد الإعلان عن مشروع ميزانية 2025 الذي يظهر توجها نحو زيادة الضرائب على الموظفين والشركات لتمويل عجز الميزانية.
وكانت تونس في السنوات الماضية لجأت إلى سياسة الاقتراض من البنوك المحلية والخارجية لتمويل الميزانية، في توجه زادت من الضغط على الاقتصاد عوض تحقيق انفراجة. ويطالب صندوق النقد الدولي تونس بإجراء إصلاحات “موجعة” تمس أساسا منظومة الدعم المعمول بها منذ الاستقلال خوصصة بعض المؤسسات العمومية الكبرى للحصول على قرض بقيمة 1,9 مليار دولار و”لفتح الطريق أمام حلحلة الأزمة الاقتصادية”.
ونقلت وكالة “تونس أفريقيا” عن جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد الدولي، قوله إن “تونس شهدت بوادر تحسن اقتصادي لكن معدل النمو لا يزال منخفضا وتحتاج إلى إصلاحات هيكلية”.
وأضاف أزعور، في رده على سؤال حول مصير المفاوضات بين تونس ومؤسسة الإقراض الدولية، أن “صندوق النقد الدولي ليس لديه معلومات عن وجود مفاوضات جديدة مع الحكومة التونسية، ولم يتم الانتهاء من برنامج التمويل السابق الذي حصلت تونس على الموافقة الأولية عليه”.
في أكتوبر 2022، توصل موظفو صندوق النقد الدولي والحكومة التونسية إلى اتفاق لدعم السياسات الاقتصادية لتونس بترتيب مدته 48 شهرا بموجب تسهيل الصندوق لقرض بحوالي 1.9 مليار دولار، لكن المفاوضات بين صندوق النقد الدولي وتونس تعثرت في نهاية 2022.
في يونيو 2023، أعلن الرئيس قيس سعيد أنه “في أي مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، يجب ألا تُعرض الحلول في شكل إملاءات”، مضيفا أن “الحلول التقليدية لن تؤدي إلا إلى تفاقم الأزمة الاجتماعية وسيكون لها تأثير سلبي على الوضع في تونس والمنطقة ككل. وأضاف أن صندوق النقد الدولي يجب أن يراجع مقترحاته من أجل إيجاد حل”.
ووفق أزعور فقد “تمكنت الحكومة التونسية من اتخاذ بعض التدابير على مستوى الإنفاق العام، لكن الاقتصاد الوطني يجب أن يستفيد من إصلاحات هيكلية أخرى تساهم في زيادة مستوى الاستثمار وخلق فرص العمل وتقليص العبء على البنوك العامة وتوسيع دائرة التمويل. هذا بالإضافة إلى الاستمرار في معالجة معضلة التضخم وإعطاء القطاع الخاص المزيد من الفرص للمساهمة في تنمية الاقتصاد التونسي من خلال إصلاح الشركات المملوكة للدولة”.
وشارك في اجتماعات الخريف في واشنطن، وزير الاقتصاد والتخطيط سمير عبد الحفيظ ومحافظ البنك المركزي التونسي فتحي النوري زهير. ونقلت وسائل إعلام تونسية أن الوفد التونسي عقد جملة من اللقاءات، مع البنك الإسلامي للتنمية، وأيضا مع مسؤولين تونس بالصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي ”فاداس”، حيث تم توقيع اتفاق ضمان قرض بـ15 مليون دولار.
وحضرت خلال النقاشات في واشنطن، أصداء الجدل الذي أثير مؤخرا في تونس حول مشروع قانون يهدف إلى الحدّ من استقلالية البنك المركزي. واعتبر خبراء صندوق النقد الدولي أن البنوك المركزية كانت صمام الأمان لاقتصادات العالم خلال الأزمات.
وقال توبياس أدريان المستشار المالي لصندوق النقد الدولي: “خفضت معظم البنوك المركزية أسعار الفائدة، مما أدى إلى ظروف مالية أكثر ملاءمة للمقترضين في الأسواق المالية. وظلت التقلبات منخفضة، وانخفضت منذ الاضطرابات التي شهدتها الأسواق في أغسطس. وظلت الأسواق الناشئة صامدة في مواجهة الضغوط على العملات”.
وكان مشروع قانون في تونس اقترح أن “تقييد” سلطة البنك المركزي الحصرية في تعديل أسعار الفائدة أو سياسة الصرف الأجنبي، ويجب عليه فقط اتخاذ مثل هذه الإجراءات بالتشاور مع الحكومة، ولكن سيسمح له بتمويل الخزانة.
وخلال مشاركته في اجتماعات الخريف، دعا محافظ البنك المركزي التونسي، فتحي زهير النوري، من واشنطن إلى “مراجعة المقاربات التي يعتمدها حاليا صندوق النقد الدولي، من أجل مراعاة أفضل لتنوع وتعقيد التحديات الاقتصادية والاجتماعية، التي تجابهها الدول الأعضاء وتكييف آليات تدخل الصندوق مع السياق المحدد لكل دولة من هذه الدول” وفق بلاغ صادر عن البنك المركزي.
وشدد محافظ البنك المركزي، على أهمية “التقييم الذاتي المستمر لصندوق النقد الدولي” من أجل “استعادة ثقة الدول الأعضاء فيه واستخلاص الدروس من تجارب الماضي”، مذكرا “بالآثار السلبية لبعض الإجراءات التقشفية المفروضة، والتّي أدّت في كثير من الأحيان إلى تفاقم الانكماش الاقتصادي في عديد الدول وإطلاق شرارة التوترات الاجتماعية”، وفق وكالة تونس أفريقيا للأنباء.
وذكرت وكالة الأنباء الرسمية أن محافظ البنك المركزي، عقد يومي 23 و24 أكتوبر 2024، سلسلة لقاءات مع المستثمرين في الأسواق المالية الدولية، استعرض خلالها تطورات الوضع الاقتصادي والمالي في تونس، مذكرا بالمزايا النسبية، التّي تتمتع بها تونس، لحثهم على “الأمان في مستقبل البلاد”.
وأكد، في هذا الصدد، أن الاقتصاد التونسي قد أثبت صلابته تبعا لنجاح تونس في المحافظة على توازناتها الخارجية واستقرار سعر صرف الدينار التونسي وتراجع التضخم، فضلا عن قدرته المتجددة على الوفاء بالتزاماته الداخلية والخارجية، رغم التحديات، التّي تواجهها، وذلك بفضل الإجراءات، التّي اتخذتها الحكومة والسياسة الصارمة، التّي ينتهجها البنك المركزي في تسيير السياسة النقدية.
في المقابل، يشير خبراء في معهد كارنيغي للدراسات، إلى أنه “في غياب الإصلاح السريع، ستدفع السياسات الاقتصادية في تونس البلاد إلى الهاوية. وبالفعل، بدأت الأزمة المالية تلوح في الأفق”. واعتبر معدو التقرير أن هذه “النتيجة المقلقة” سببها: “حملة مالية توسعية (ومكلفة) أنتجت عجزا تاريخيا كبيرا لمدة أربع سنوات متتالية، مما دفع الدين العام إلى مستويات غير مستدامة، ودعم حكومي غير كاف للنشاط الاقتصادي، مع تدهور مناخ الأعمال وزيادة المخاطر الاقتصادية الكلية التي تخيف القطاع الإنتاجي وتوقف النمو الاقتصادي”.
وحذّر الخبراء من أن “إغلاق صنابير المياه الخارجية يدفع الحكومة إلى تمويل المزيد من عجزها الكبير محليا، من خلال زيادة الاقتراض (من البنوك وحاملي السندات الوطنية والبنك المركزي). وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تهميش القطاع الخاص، وخفض النمو الاقتصادي، وزيادة التضخم، وتقليص جودة الميزانيات العمومية للبنوك، وزيادة خطر انخفاض قيمة الدينار التونسي بشكل كبير. وكل العناصر متوفرة لأزمة مالية تمتد عبر الدين العام، والنقد الأجنبي، والقطاع المصرفي”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس