أفريقيا برس – تونس. أكد الخبير التونسي في المياه محمد صالح قلايد أن بلاده تواجه مخاطر حقيقية لتوفير مياه الشرب، مشيرا إلى أنه إذا لم تهطل أمطار خريفية كافية فستعيش أزمة مياه جادة.
وأشار قلايد إلى أن نسبة امتلاء السدود الآن في أدنى مستوياتها، مشدداً على ضرورة ترشيد الاستهلاك، ووضع خطط مستقبلية لتنويع مصادر المياه في البلاد.
ووفق أرقام الإدارة العامة للسدود والأشغال المائية الكبرى (حكومية)، كان المخزون العام للسدود منتصف أغسطس/ آب الحالي في حدود 571.4 مليون متر مكعب، في حين كان المعدل خلال السنوات الثلاث الماضية للفترة نفسها 773.3 مليون متر مكعب.
وبحسب هذه الأرقام فإن نسبة امتلاء السدود التونسية في حدود 24 بالمئة، وفق المصدر نفسه.
مخاطر أزمة مائية
وقال قلايد: “نعرف أن العديد من المدن وخاصة المدن الكبرى مثل العاصمة وولايات الساحل (سوسة والمنستير والمهدية) والوطن القبلي (ولاية نابل) التي يعيش فيها نحو 7 ملايين ساكن تعتمد على المياه السطحية أي المياه المتأتية من السدود التي نسبة امتلاؤها في أدنى مستوياتها الآن وهذا يشكل حقيقة خطرا كبيرا ونأمل أن يرحمنا الله بالأمطار وتتحسن الأمور”.
وأضاف: “في الوقت الراهن نظرا لأن كثيرا من الآبار العميقة نقص منسوبها نتيجة الجفاف تعتمد الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه (حكومية وهي الشركة الوحيدة التي تمد المواطن بمياه الشرب) بنسبة أكثر من 50 بالمئة على المياه السطحية أي مياه السدود وهذا يبعث على القلق”.
وتابع: “الإمكانيات ضعيفة أمام الطلبات وإذا لم تأت أمطار خريفية بالقدر الكافي فسنعيش أزمة حقيقية الأمر الذي لا يريد البعض الاقتناع به و أخذه بعين الاعتبار”.
وزاد: “منذ سنوات قلنا إن تغير المناخ سيؤثر على القطاع الفلاحي بدرجة أكبر، وعلى مياه الشرب أي على شركة توزيع المياه وتزويد المناطق الريفية بالماء الصالح للشرب”.
أزمة مرتبطة بالموارد المتوفرة
وعن المسؤولية في توزيع المياه، قال قلايد “بطبيعة الحال شركة المياه هي مزود خدمة ولا تنتج المياه، الدولة هي التي تتحكم في المياه المخزنة في السدود وتسيرها عن طريق ’شركة قنال وأنابيب مياه الشمال’ التي توزع المياه لشركة المياه وللمندوبيات الفلاحية (إدارة حكومية في الجهات) التي تدير المناطق السقوية (القائمة على الري بواسطة الأنهار أو المياه الجوفية)”.
وأضاف قلايد “الآن الأولوية لمياه الشرب وكميات معينة تذهب للقطاع الفلاحي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأشجار المثمرة”.
وتابع موضحا سريان إجراءات التقشف في استعمال الماء: “منشور مارس/ آذار 2023 ما زال متواصلا وهو مرتبط بالعوامل المناخية وفي الوقت نفسه هناك منشورات أخرى حكومية تأمر بتقسيط مياه الري (التزويد بالمياه عبر حصص في أوقات محددة) وهذا أمر جدي ويبعث على القلق لأن المناطق السقوية هي التي توفر الغذاء والغلال وهناك زياتين (أشجار زيتون) مروية بالمياه التي تتأتى من السدود”.
ووفق قلايد “العملية متشعبة ولا بد من الحذر كل الحذر في الري وكذلك في استعمالات مياه الشرب”.
وفي مارس 2023، نص قرار لوزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري عبد المنعم بلعاتي، على حظر استعمال المياه الصالحة للشرب والموزعة من قبل الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه، للأغراض الفلاحية ولري المساحات الخضراء أو تنظيف الشوارع والسيارات.
كما نص القرار على اعتماد نظام حصص (تقسيط) للتزود بالماء الصالح للشرب.
وفسرت وزارة الفلاحة قرارها الذي مددت العمل به في سبتمبر/ أيلول من السنة نفسها إلى اليوم، باستمرار سنوات الجفاف وانخفاض مستوى المياه في السدود.
ظروف صعبة
وبشأن وجود تعمد في قطع الماء قال قلايد: “لا نريد الدخول في مثل هذه الاستنتاجات نحن كخبراء منهجنا علمي، الظروف صعبة وعلى مدار عدة سنوات لم تنزل الأمطار بشكل كاف. فخلال السنوات العشر الأخيرة كانت هناك سنة واحدة ممطرة”.
وأضاف: “الموسم الفلاحي 2018/ 2019 كان السنة الوحيدة الممطرة التي دخلت فيها مياه كثيرة للسدود تجاوزت 80 بالمئة من طاقة استيعابها في بعض الأوقات”.
وفي يوليو/ تموز الماضي، اتهم الرئيس التونسي قيس سعيّد، خلال لقاء جمعه بوزير الداخلية خالد النوري، وكاتب الدولة لدى وزير الداخلية المكلف بالأمن الوطني سفيان بالصادق، في قصر قرطاج، أطرافا لم يسمها بقطع الماء والتيار الكهربائي عن بعض المناطق لتأجيج الأوضاع في البلاد.
تنويع مصادر المياه
وعن الحلول المطروحة بخصوص تنويع مصادر المياه قال قلايد: “هناك دراسة قامت بها الدولة تحت عنوان المياه في أفق 2050 حول كيفية تنويع المصادر، إذ يجب ألا نقتصر على مياه الأمطار وهذا يوفر ديناميكية في القطاع”.
وأضاف أن الدولة اتجهت إلى تحلية مياه البحر والمياه الجوفية المالحة وأنجزت عدة محطات تحلية بعضها دخل الخدمة مثل محطة الزارات بولاية قابس (جنوب شرق)، وبعضها بدء العمل بصورة جزئية مثل محطة صفاقس التي بدأت العمل منذ أسبوعين بطاقة تحلية 50 ألف متر مكعب في اليوم، ما سيخفف العبء على كثير من المدن في التزود بالمياه خلال فصل الصيف الحالي.
وتابع: “فيما يخص تنويع المصادر هناك مورد اسمه المياه المعالجة (مياه الصرف الصحي المعالجة) فعلينا العمل على تطوير محطات التطهير لتحسين نوعية المياه المعالجة فنحن الآن في مناطق زياتين (المقابلة أجريت في ضيعة زيتون على أطراف مدينة القلعة الكبرى غرب مدينة سوسة) فلو كانت لدينا مياه معالجة بكيفية جيدة لكانت هذه الزياتين تسقى بالمياه المعالجة”.
وأكد قلايد “لدينا إمكانيات كبيرة في المياه المعالجة وكذلك التحلية هناك إمكانيات كبيرة لكن بالنسبة للتحلية لا بد من عقلانية في الاستعمال لأن كلفة المتر مكعب الواحد من هذه المياه تتجاوز 3 دنانير (1 دولار) وهذا يمثل مشكلة”.
وأضاف قلايد “مسألة ثالثة جاءت في دراسة المياه في أفق 2050 التي أعدتها الدولة ألا وهي التحسيس (التوعية)، يجب أن نضع خطة مستقبلية للتوعية على المدى البعيد”.
وتابع: “رأينا مؤخرا أن المواطن ليست له فكرة جيدة عن قطاع الماء وعندما جاءت الأزمة بدأ يطرح أسئلة لماذا ينقطع الماء؟ ولماذا للبلاد كميات قليلة؟ فعلينا أن نضع المواطن شريكا فاعلا ليتحمل مع الدولة أعباء المشكلة ويقتصد في استعمال الماء”.
ومن بين الحلول أيضا وفق قلايد أن “نذهب في خطة ’حصاد (تعبئة) مياه الأمطار’ في المنازل والمؤسسات الصناعية، وهو ما يجعلنا نستعمل مياه شركة توزيع المياه في أشياء أخرى”.
استثمارات في قطاع المياه
وشدد قلايد على ضرورة وضع خطط مستقبلية، وأهمية تنفيذ الاستثمارات الضرورية في قطاع المياه، مشيراً إلى أن “هناك العديد من المستثمرين يعبرون عن رغبتهم في الاستثمار في تونس، ويجب ألا يجدوا مشاكل في التزود بالمياه والكهرباء، وعلى الدولة وضع الخطط لحل كل هذه المسائل”.
واختتم حديثه قائلا “هناك كثير من الناس يردد أن السياحة تستهلك مياها كثيرة ولكن في إحصائيات 2021 الرسمية نجد أن السياحة استهلكت أقل من 1 بالمئة، في حين الصناعة بدأت تقترب من 4 أو 5 بالمئة وعلى الدولة أن تخصص لها ما يكفيها”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس