أفريقيا برس – تونس. تصرف الدولة التونسية لفائدة المواطن عماد العياري منحة شهرية بقيمة 260 ديناراً (89 دولاراً أميركياً) في إطار خطة الأمان الاجتماعي لمساعدة الأسر المعوزة، إلى جانب 30 ديناراً إضافياً (10 دولارات) لفائدة طفله البالغ من العمر ثمانية أعوام والذي يعاني من شلل. ويقول العياري إنه ينفق كامل المنحة الشهرية لتوفير احتياجات طفله، كونه يحتاج أقلّها إلى 100 دينار (34 دولاراً) لشراء الحفاضات فقط، من دون الأخذ بعين الاعتبار مصاريف الأدوية والجلسات التأهيلية وكلفة النقل الخاص والدمج التربوي. ويؤكد رب الأسرة الأربعيني أن المنحة قد تغطي فقط تكاليف أسبوع واحد من العلاج أو النقل في معظم الأحيان”، معتبراً أن “المنح الاجتماعية التي تصرفها الدولة لا تواكب الأسعار، ولا تساعد في توفير الحد الأدنى من مستلزمات العيش”.
ويشير إلى أن آلاف الأسر التونسية ذات الدخل المحدود تواجه أعباء مالية متزايدة لتوفير احتياجات الأطفال فيها وأفرادها عموماً، ولا سيما ذوي الاحتياجات الخاصة منهم، وسط ارتفاع كلفة الرعاية الصحية والاجتماعية، وضعف المساعدات العمومية المخصصة لهذه الفئة. ويلفت إلى أن الأسر الريفية أو المقيمة في مناطق داخلية تواجه صعوبات أكبر بسبب بُعد مراكز الرعاية والتأهيل، ما يفرض نفقات نقل إضافية.
تفتقر عائلات عدة إلى التغطية الاجتماعية أو العمل الدائم، ما يفاقم أوضاعها المادية ويؤدي إلى حرمان بعض الأطفال من خدمات أساسية مرتبطة بحقوقهم في التعلم والعلاج والاندماج. وينتقد عدد من التونسيين ضعف المنح الاجتماعية مقابل ارتفاع كلفة المعيشة، مطالبين بإعادة نظر شاملة في قانون الأنظمة الاجتماعية الذي لم يعد قادراً على تحقيق الحد الأدنى من أهدافه.
ومنذ عام 1960 أقرت سلطات تونس حزمة من المساعدات الاجتماعية لفائدة الأسر، في إطار قانون تنظيم أنظمة الضمان الاجتماعي. إذ إن هذا التشريع الذي صدر في السنوات الأولى التي تلت الاستقلال ساهم في مساعدة الأسر من خلال منحة شهرية تعينهم على التكفل بأطفالهم أو لتحسين ظروف الأسر المعوزة والكافلة للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة. وخلال 65 عاماً خضع قانون تنظيم أنظمة الضمان الاجتماعي إلى تعديلات، لكنّ أثره ظل محدوداً بسبب ضعف قيمة المنح والتحويلات التي تصرف للأسر.
وفي تونس نوعان أساسيان من المنح العائلية، هناك المنح التي تُصرف للعمال من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بناءً على دخل العامل والتي يصل أقصاها إلى 21 ديناراً (7 دولارات)، كما تحصل العائلات المعوزة على منحة تُصرف شهرياً من وزارة الشؤون الاجتماعية بقيمة 260 ديناراً (89 دولاراً) وتُسند للأسر التي تكفل أطفالاً من ذوي الاحتياجات الخاصة، إلى جانب 30 ديناراً إضافياً (10 دولارات) عن كل طفل.
ويدعو خبراء في المجال الاجتماعي إلى مراجعة قيمة المنح الاجتماعية وربطها بمستوى كلفة العيش، إضافة إلى إرساء منظومة تأهيل ورعاية أكثر قرباً من المواطنين، وتوفير دعم مالي مباشر للخدمات والنقل والتجهيزات التعويضية للأشخاص المعوقين.
ويقول المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر، إن المنح الاجتماعية بمختلف أصنافها لا تساعد على تحسين جودة حياة الأسر، ولا سيما تلك التي تتكفل أطفالاً من ذوي الاحتياجات الخاصة أو عديمي الدخل. ويؤكد أنه لا بدّ من أن يُطرح هذا الملف ضمن أولويات السياسات العمومية التي تتجه نحو حماية الفئات الهشة وتكريس الحقوق الدستورية للمواطنة والكرامة”.
ويصف بن عمر أنظمة الحماية الاجتماعية في تونس بـ”المتآكلة”، مؤكداً ضرورة مراجعتها لتواكب تطور حاجيات الأسر. ويضيف: “لا تقل الكلفة الأدنى لرعاية طفل في تونس عن 300 دينار (102 دولار)، بينما لا تزال الدولة تصرف منحة شهرية لا تتجاوز 21 ديناراً عن كل طفل. ويتابع: “وسط غياب التغيرات الهيكلية والجذرية في أنظمة الضمان الاجتماعي، ستتواصل معاناة العائلات حيث تتحمل الوزر المعيشي بمفردها”.
ونتيجة توسع الفقر الذي بات يطاول أكثر من ثلاثة ملايين أسرة، تعتزم السلطات التونسية زيادة المخصصات الاجتماعية للعام المقبل، حيث كشفت وثيقة مشروع قانون الموازنة التي بدأ البرلمان مناقشتها مؤخراً، أن الحكومة تنوي رصد أكثر من 4,6 مليار دينار (نحو 1,6 مليار دولار) بعنوان تدخلات في الميدان الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، تأكيداً على التزام الدولة بتكريس دورها الاجتماعي وتحقيق العدالة الاجتماعية وتجسيد مبادئ التضامن. وأفادت الوثيقة ذاتها بأن هذه التدخلات تهدف إلى دعم التماسك الاجتماعي وتحقيق عدالة أكبر بتوزيع الدخل، ومقاومة الفقر عبر إعادة التوازن لبرامج التضامن الوطني، بما يضمن حماية الفئات الضعيفة ومحدودة الدخل، ويدعم مسار التنمية العادلة والشاملة.
وأظهرت الوثيقة أن السلطات تتجه إلى رفع قيمة المنح القارة للأسر المعوزة بزيادة 10 دينارات (أقل من أربعة دولارات) لتصبح 280 ديناراً بدل 260 ديناراً، علاوة على إسناد منح شهرية لفائدة أبنائهم الذين هم بسن الدراسة، وذلك من عمر ست سنوات حتى 25 سنة، باحتساب 10 دولارات شهرياً لكل طفل سليم و20 دولاراً لكل طفل معوّق.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس





