منطقة القْفَيْ.. عاصمة زراعة النعناع بتونس

8
منطقة القْفَيْ.. عاصمة زراعة النعناع بتونس
منطقة القْفَيْ.. عاصمة زراعة النعناع بتونس

أفريقيا برس – تونس. في سهول منطقة القْفَيْ التونسية شمال ولاية القيروان (وسط) تمتد مروج خضراء، لكنها ليست حقول فلفل أو طماطم، المحصولين اللذين اعتادت المنطقة زراعتهما صيفا منذ عقود.

إنما هي مروج مزروعة بنبتة النعناع العطري غزير التفريع، الذي يحبذ زراعته في الأراضي العالية الخصوبة، ويتحمل درجات عالية من الحموضة الأرضية.

زراعة النعناع اكتسحت المشهد في منطقة القْفَيْ من معتمدية السبيخة، لتصبح مروجا خضراء في صيف القيروان القائظ.

فمن أحواض صغيرة تُزرع في حدائق العائلات لاستعمالها في إعداد الشاي للضيوف، إلى عشرات الهكتارات (الهكتار يساوي 10 آلاف متر مربع) في أخصب الأراضي وسط تونس.

عندما تصل القْفَيْ تجد روائح النعناع منتشرة في الأرجاء كافة، ومئات النساء والرجال يحصدون من الحقول النبتة الخضراء ذات الأزهار البنفسجية الشذية.

يضع المزارعون حصادهم في حزم صغيرة، في انتظار شاحنات صغيرة تحملها إلى أماكن تجفيف، ثم تُعلّب في أكياس ورقية.

وزن كل كيس نحو 16.5 كيلوغرام، وهي مغلفة من الداخل بالألمنيوم، للحفاظ على جودة المنتج المحوّل إلى شركة إنتاج للشاي بالنعناع في الضواحي الجنوبية للعاصمة وإلى الأسواق المحلية.

قصة النعناع

بسام زيتونة، مزارع ومنتج نعناع مجفف، وجدناه يتفقد عمليات تجفيف النعناع في مدينة الناظور (ولاية زغوان) المتاخمة لمنطقة القْفَيْ الزراعية.

تحدث زيتونة عن قصة النعناع في القْفَيْ، والانتقال من الزراعات الصيفية المعروفة بها المنطقة، مثل الطماطم والفلفل، إلى الإنتاج المكثف للنعناع.

“زيتونة” زرع هذا العام نحو 15 هكتارا من النعناع، وقال: “نحن الفلاحين نتعاطى النشاط الزراعي منذ عقود توارثناه أبا عن جد، أما زراعة النعناع فهي نشاط يتطور كل سنة”.

وتابع: “بدأنا زراعته عام 2000، وانطلق النشاط في التوسع بتوسيع المساحات المزروعة حسب عقد يربطنا بشركة تنتح الشاي بالنعناع، وكلما تطورت الشركة كثر منتوجها وتوسّعت المساحات”.

و”عندما انتصبت شركة في تونس تنتج الشاي بنكهة النعناع عام 2013، جاءتنا فكرة توسيع المزروعات والعمل الفعلي بدأ منذ 2017″، كما زاد.

وحول الإنتاج قال إن “المنطقة تنتج يوميا من 100 ألف إلى 120 ألف حزمة صغيرة من النعناع، (وهي) تُحصد ثم تجفف ثم تورق وتعبأ في أكياس خاصة”.

وأضاف: “كل سنة نحن مطالبون بما بين 150 (طن) و200 طن نعناع مورق، وهذا ما يفسر امتداد المساحات المزروعة على ما بين 120 (هكتار) و150 هكتار “.

وأردف أنه في “مرحلة التجفيف نأخذ محلات مظللة، ونعلق حزم النعناع في أشرطة، وكل حزمة تبقى معلقة بين 3 إلى 8 أيام، حسب الطقس والرطوبة”.

“بعد ذلك يقع (يتم) تجميع الحزم المجففة، وتنقل إلى محلات للتوريق لفصل الأوراق عن الجذوع”، كما أوضح زيتونة.

عمل جماعي

ووفق زيتونة، فإن “هذا عمل جماعي في منطقة القْفَيْ بالقيروان ومنطقة الناظور، وهي منطقة حدودية بين زغوان والقيروان”.

واستطرد: “وهما منطقتان تشتركان في خصائص التربة وعذوبة المياه، التي تمّكن من الحصول على نبتة بخصائص طبيعية ممتازة وزيوت روحية ممتازة ورائحة فواحة، وهذا ما تطلبه الشركة”.

وتابع: “تتسلم الشركة النعناع في أكياس خاصة تحفظه من الرطوبة لحفظ الخصائص العطرية للنبتة”.

“ثم تقوم بطحن النعناع لاستخلاص عطوره التي يقع خلطها بالشاي والسكر لاستخراج شاي قابل للتحلل في الماء الساخن، وهو شاي طبيعي مئة بالمئة”، حسب زيتونة.

وحول تسويق المنتج، قال: “لا نبيع لهذه الشركة فقط، بل نبيع (أيضا) لشركات أخرى صغيرة تشتري ما بين 2 و5 أطنان”.

وأردف: “وكذلك (نبيع) للأسواق الداخلية في (ولايات) صفاقس (جنوب شرق) والجم (شرق) وسوسة (شرق) ونابل (شمال شرق)، والسوق المركزي ببئر القصعة بالعاصمة خاصة”.

وأضاف أن “هذا الشاي المرتكز على النعناع صنع أولا بغاية التصدير، وهو يصدر إلى 15 دولة من آسيا وأوروبا (وغيرها)، مثل كندا وفرنسا واليابان والإمارات وليبيا والمغرب”.

حركة اقتصادية

“نحن نساهم في تدوير العجلة الاقتصادية بتشغيل أكثر من 600 عامل، أغلبيتهم عملة مختصين في الفلاحة لقص النعناع”، كما قال زيتونة.

وأضاف: “نشغل التلاميذ والطلبة في الصيف في محلات التجفيف في الظل، وكذلك نحافظ على صحة العمال بأن يكون الحصاد بين الخامسة صباحا ومنتصف النهار، لتفادي تأثير الحرارة المرتفعة عليهم”.

وبشأن عوائد زراعة النعناع، اعتبر زيتونة أن “المرابيح (الأرباح) مضمونة للشركة والفلاحين والعمال”.

وزاد أن “الحركية الاقتصادية التي أحدثتها هذه الزراعة هي التي جعلت أخبارها تنتشر في تونس”.

و”نحن نشغل عائلات لها محلات نستعملها لتجفيف النعناع، وتحصل هي مقابل ذلك على آلاف الدنانير”، حسب زيتونة.

وتابع أن “ذروة الإنتاج في الربيع والصيف، مما يتطلب مقاومة الحشرات بالأدوية وكذلك الري والأسمدة”.

وآخر مرحلة يقومون بها من تحضير النعناع المجفف، حسب زيتونة، “هي جمع النعناع المجفف وتحويله إلى ورشة يتم فيها عبر آلة خاصة تعبئة النعناع في أكياس ورقية”.

وأوضح أن هذه الأكياس “مغلفة من الداخل بورق الألومينيوم وذات (وزن) 16.5 كيلوغرام، ليكون جاهزا للاستعمال الصناعي”.

إشكاليات أمام التطوير

“منطقتنا هي الأولى وطنيا في إنتاج النعناع”، هكذا بدأ مروان يحيي، مزارع وناشط بالمجتمع المدني.

وأوضح أن “النعناع يمتد على 150 هكتارا، ويشّغل أكثر من 500 عائلة، ويصل الإنتاج إلى أكثر من 15 دولة والأسواق المحلية”.

لكن بينما يجمع حزم نعناع، قال يحيي إن “المنطقة تعاني عدة إشكاليات، فالطرقات مهترئة ونطلب من الدولة تحسين وضع الطرقات، فالتجار الذين نتعامل معهم يشكون من سوء حالة الطرقات”.

وتابع: “نريد تحسين حالة الطرقات، لأنه كلما نزلت الأمطار نتوقف على تسويق إنتاجنا”، لصعوبة استخدام الطرقات.

كما أن “الإرشاد الفلاحي (جهة حكومية تقدم نصائح للمزارعين) غائب هنا، ولابد لمسؤولي الفلاحة من زيارة المنطقة “، حسب يحيي.

نتائج جيدة

قال محسن العوري، وهو مزارع آخر من القفي: “أنا أدخل الإنتاج لأول مرة والأمور بخير”.

واستدرك: “ولكن ينقصنا دعم الدولة لنواصل الإنتاج، وعندما نجد الدعم نعمل”.

وتابع: “الإنتاج جيد هذا العام، والماء متوفر عبر الآبار العميقة”.

“زرعت هكتارين وأعتزم السنة القادمة زراعة 6 هكتارات، وسنواصل الإنتاج نظرا للنتائج الجيدة التي حققناها هذا العام”، كما ختم العوري.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here