ربط الكهربائي مع إيطاليا.. فرصة استراتيجية أم تبعية جديدة لأوروبا؟

7
ربط الكهربائي مع إيطاليا.. فرصة استراتيجية أم تبعية جديدة لأوروبا؟
ربط الكهربائي مع إيطاليا.. فرصة استراتيجية أم تبعية جديدة لأوروبا؟

أفريقيا برس – تونس. يتجدد الجدل في تونس حول مشروع الربط الكهربائي مع إيطاليا المعروف باسم “إليمد”، بين من يعتبره خطوة استراتيجية ستجعل البلاد مركزا إقليميا للطاقة النظيفة وتفتح أمامها آفاق التصدير نحو أوروبا، وبين من يحذر من أن المشروع قد يكرّس التبعية الطاقية ويحوّل تونس إلى مجرّد ممرّ لتزويد القارة العجوز بالكهرباء على حساب حاجاتها الوطنية.

ويهدف مشروع “إليمد”، وهو مشروع ربط كهربائي بحري بين تونس وإيطاليا عبر كابل تحت البحر بقدرة 600 ميغاواط وطول يقارب 200 كيلومتر، إلى تبادل الطاقة بين الضفتين الجنوبية والشمالية للمتوسط. ويمتد الكابل من منطقة “الملاعبي” التابعة لمحافظة نابل (شمال تونس)، إلى بارتانا في صقلية، على أن يُستكمل بحلول سنة 2028.

وانطلقت فكرة هذا المشروع منذ مطلع الألفية، وتم توقيع الاتفاق الإطاري بين الشركة التونسية للكهرباء والغاز “STEG” وشركة “تيرنا” الإيطالية سنة 2007، غير أن تنفيذه تأخر لأسباب مالية وتقنية.

وفي عام 2023، أُعلن رسميا عن الانطلاق الفعلي للمشروع بكلفة إجمالية قدرت بـ 10114 مليون يورو، موزّعة بين الشركة التونسية للكهرباء والغاز بمبلغ 528.4 مليون يورو، ونظيرتها الإيطالية شركة “تيرنا” بمبلغ 432 مليون يورو.

ويُنتظر أن يتيح المشروع لتونس إمكانية تصدير فائض الطاقات المتجددة نحو أوروبا، في وقت تراهن فيه بروكسل على تنويع مصادرها الطاقية، بينما يرى بعض الخبراء أن البلاد لم تحقق بعد اكتفاءها الذاتي من الكهرباء، ما يجعل المشروع موضع تساؤل حول أولوياته الحقيقية وجدواه الوطنية.

مكسب لتونس

وفي هذا الصدد، قال الخبير الدولي في الطاقة، عز الدين خلف الله: “مشروع “إيلمد” يعد جسرا للطاقة بين تونس وإيطاليا، حيث يربط النظام الكهربائي الأوروبي بنظام شمال أفريقيا، في إطار شراكة تجمع بين الشركة التونسية للكهرباء والغاز ونظيرتها الإيطالية “تيرنا” اللتين تديران شبكتي الكهرباء في البلدين”.

وأضاف خلف الله: “يمثل المشروع أول ربط مباشر للتيار الكهربائي بين القارتين الأفريقية والأوروبية، وهو ما يتيح، بفضل خاصية تبادل الطاقة في الاتجاهين، فوائد كبيرة على مستوى المبادلات الكهربائية بين البلدين”.

وأوضح أن “الخط الكهربائي سيصل محطة “بارتانا” في صقلية، وهي محطة تحول التيار المسترسل إلى تيار متردد ليضخ بعد ذلك في الشبكات الكهربائية سواء في تونس أو في إيطاليا”.

وتابع خلف الله: “هذا المشروع يحمل الكثير من المزايا لتونس، إذ يمكنها من تجنب استثمارات ضخمة في إنتاج الكهرباء، ويساعدها على تقليص استهلاك الغاز الطبيعي في هذا المجال، بما يقلل من تبعيتها لهذا الوقود الذي تستورد أكثر من 70 في المئة من حاجاتها منه، وهو ما يكلّف البلاد نفقات مرتفعة في شكل شراءات وأتاوات”.

وبيّن الخبير في الطاقة، أن “المشروع سيسهم في تحسين التحكم في كلفة إنتاج الكهرباء، من خلال تطوير المبادلات التجارية مع الشبكة الأوروبية، بما يتيح لتونس شراء الكهرباء بأسعار معقولة عند الحاجة، خصوصا في فصل الصيف حين ترتفع معدلات الاستهلاك بسبب استخدام أجهزة التكييف، بينما يتوفر لدى أوروبا فائض في الإنتاج الكهربائي”.

وأضاف: “كما سيسهم هذا المشروع في تعزيز أمن المنظومة الكهربائية التونسية التي تعد اليوم شبه معزولة، إذ سيُخرجها هذا الربط مع إيطاليا وأوروبا من عزلتها، ويمكنها من دمج الطاقات المتجددة بشكل أفضل داخل الشبكة الوطنية”.

وأردف: “مشروع “إيلمد” سيكون دافعا مهما لجذب استثمارات إضافية في مجالات الطاقة النظيفة، وخاصة في قطاع الطاقات المتجددة”، مشيرا إلى أن “المبادلات الطاقية بين الجانبين ستخضع لنقاشات تهدف إلى وضع إطار تعاقدي واضح يُنظّم عمليات البيع والشراء”.

وحول مدى تقدم المشروع، أوضح خلف الله أن “الانتهاء منه مبرمج لعام 2028″، مشيرا إلى أن “آخر مرحلة تم استكمالها تمثلت في اختيار الشركة المكلّفة بإنجاز الكابل البحري الرابط بين تونس وإيطاليا، وهي شركة “بريسميان” الإيطالية المتخصّصة في هذا المجال”.

تبعية أوروبا

على الطرف المقابل، يرى عضو الجامعة العامة للكهرباء والغاز، إلياس بن عمار، أن “مشروع الربط الكهربائي مع إيطاليا لا يمثل مكسبا استراتيجيا لتونس كما يروج له، بل ينذر بنقل البلاد من دائرة التبعية الطاقية للجزائر إلى تبعية جديدة لأوروبا”.

وقال ابن عمار: “الحديث عن هذا المشروع لا يمكن فصله عن سياقه التاريخي، فالقضية تعود إلى ما قبل عام 2011، حين كانت إيطاليا تعاني من عجز طاقي وتسعى إلى إنشاء محطة لإنتاج الغاز الطبيعي أو الفحم الحجري في تونس لتزويدها بالكهرباء، بحيث تتحمل تونس التلوث وتستفيد إيطاليا من ثلثي إنتاج المحطة، مقابل ثلث فقط لتونس”.

ويضيف: “المتطلبات الإيطالية تغيرت بعد الثورة، إذ باتت روما تبحث عن سبل جديدة للاستفادة من الثروات الطبيعية في بلدان شمال أفريقيا، خاصة بعد فرض ضرائب أوروبية مشددة على انبعاثات الكربون”، وتابع: “هذه الفكرة ليست جديدة، بل هي حلم قديم بدأ منذ سنوات الألفين”.

ويرى ابن عمار أن “التحولات السياسية التي عرفتها تونس بعد الثورة، وصعود حكومات ذات توجهات ليبرالية، ساهمت في إعادة صياغة المشروع ليصبح في ظاهره تبادلا للطاقة بين الضفتين، لكنه في جوهره يفتح الباب أمام هيمنة السوق الأوروبية على القرار الطاقي الوطني”.

وأشار ابن عمار إلى أن “البنك العالمي يقدم المشروع على أنه فرصة لتقليص اعتماد تونس على الغاز الجزائري عبر استيراد الكهرباء من أوروبا بأسعار أقل”، لكنه يعتبر هذا الطرح “خدعة”، لأن السوق الأوروبية “غير خاضعة لضوابط واضحة، وهو ما ظهر جليا خلال أزمة الطاقة التي فجّرها الأزمة الروسية الأوكرانية”.

تونس مجرد وسيط

وأضاف ابن عمار: “الاستثمارات الأجنبية التي ستقام في تونس لإنشاء محطات إنتاج الطاقة ستكون موجهة أساسا للتصدير، بدعم من قانون الطاقات المتجددة لعام 2015، الذي ينص على أن نظام التصدير نظام خاص ومنفصل عن السوق المحلية، ما يسمح لأي مستثمر بإنشاء محطة وتوجيه إنتاجها بالكامل نحو الخارج”.

وانتقد ذا التوجه قائلا: “نحن بلد يعاني من عجز طاقي، ومع ذلك نقر قانونا يسمح للمستثمرين بتصدير كامل إنتاجهم دون أن تستفيد تونس من الكهرباء المنتجة على أراضيها”، موضحا أن “الشركة التونسية للكهرباء والغاز ستكون المتضرر الأكبر من هذا الوضع، إذ ستُجبر على الاستثمار في محطات جديدة، في حين “سنجلب الكهرباء من أوروبا بالعملة الصعبة”.

وبيّن أن “دور الشركة سيتقلص إلى “الوساطة فحسب” في عملية تصدير الطاقة، باعتبار أن أغلب مشاريع الطاقات المتجددة ستكون بيد مستثمرين أجانب”، وهو ما يعني، بحسب تعبيره، أن “الشركة التي كانت مفخرة للتونسيين طيلة ستين عاما، ووفرت كهرباء بأسعار معقولة وحققت نسبا عالية من الاكتفاء الطاقي، تتحول اليوم إلى مجرد وسيط بين المنتجين الخواص والأسواق الأوروبية”.

كما كشف ابن عمار أن “الهياكل النقابية داخل الشركة طالبت مرارا بالحصول على دراسة الجدوى المالية للمشروع، لكننا إلى حد الآن لم نتلقّ أي رد رسمي، واكتفت السلطات بمدّنا بمخطط التمويل فقط”. وأشار إلى أن “بعض الإطارات داخل الشركة ومسؤولين حكوميين عبّروا بدورهم عن تحفظاتهم، لكن أصواتهم لا تُسمع بسبب واجب التحفظ”، وفقا لقوله.

وختم ابن عمار: “1300 مليون دينار التي ستستثمرها الشركة في المشروع، والمجمعة من أموال دافعي الضرائب، كان يمكن أن تُوجه نحو إنشاء محطات لإنتاج 600 ميغاواط من الطاقة الشمسية، ما كان سيسمح لتونس بتحقيق تقدم ملموس في مسار الانتقال الطاقي، بدل الدخول في تبعية جديدة لأوروبا”، على حد تعبيره.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here