على ضفاف المتوسط.. كيف تحولت موانئ تونس إلى فرصة ضائعة؟

على ضفاف المتوسط.. كيف تحولت موانئ تونس إلى فرصة ضائعة؟
على ضفاف المتوسط.. كيف تحولت موانئ تونس إلى فرصة ضائعة؟

أفريقيا برس – تونس. لطالما حظيت تونس باهتمام القوى الإقليمية والدولية، مستندة إلى موقع جغرافي يُفترض أن يمنحها أفضلية طبيعية في منظومة التجارة العالمية، بحكم إشرافها المباشر على البحر الأبيض المتوسط، وقربها الجغرافي من الأسواق الأوروبية، واتصالها الطبيعي بالعمق الأفريقي والشرق الأوسط الغني بالموارد.

وفي الاقتصادات الصغيرة والمتوسطة، يُعد تطوير البنية التحتية للنقل -ولا سيما الموانئ البحرية والطرق السريعة وشبكات الربط اللوجستي- ركيزة أساسية لتعزيز التجارة الخارجية، وتحفيز النمو، ورفع القدرة التنافسية.

غير أن هذه المزايا الجغرافية، التي شكّلت تاريخيا مصدر رهان إستراتيجي، لم تُترجم حتى اليوم إلى تفوق لوجستي فعلي. إذ لا تزال الموانئ التونسية تعاني من اختلالات هيكلية وتخلف واضح في بنيتها التحتية وقدراتها التشغيلية، مما جعلها خارج المسارات الرئيسية للتجارة البحرية في حوض المتوسط.

ويُعد هذا الوضع فرصة ضائعة، لا لتونس وحدها، بل أيضًا للقوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، والصين، الساعية إلى توسيع حضورها الاقتصادي والإستراتيجي في أفريقيا ومنطقة المتوسط.

قراءة تحليلية في جذور التخلف البحري

هذا الواقع يتناوله مقال تحليلي نشره موقع “ذا ناشونال إنترست” بعنوان “مشكلة التخلف في تونس”، للباحثة سابينا هينبيرغ، الزميلة الأولى في معهد واشنطن ومديرة برنامج الأبحاث للباحثين الشباب فيه، ومؤلفة كتاب “إدارة المرحلة الانتقالية: المرحلة الأولى بعد الانتفاضة في تونس وليبيا” (كامبريدج، 2020).

ويسلط المقال الضوء على جذور التخلف البحري في تونس، وانعكاساته الاقتصادية والجيوسياسية في سياق إقليمي ودولي يتسم بتصاعد التنافس على الممرات التجارية والبنى التحتية الإستراتيجية.

وينطلق التحليل من اعتبار البنية التحتية البحرية أحد المفاتيح الجوهرية للنمو الاقتصادي وتعزيز الاندماج في سلاسل الإمداد العالمية.

ورغم الموقع الإستراتيجي لتونس على الساحل الجنوبي للمتوسط، لم تنجح البلاد في تحويل موانئها إلى مراكز إقليمية فاعلة قادرة على جذب حركة الشحن العابرة أو لعب دور محوري في التجارة بين أوروبا وأفريقيا.

موانئ غير مؤهلة ودعوة لإصلاحات هيكلية

ويشير المقال إلى أن تونس تمتلك 7 موانئ تجارية، غير أن معظمها يعاني من ضعف حاد في البنية التحتية والقدرة التشغيلية، ووفق تقييمات البنك الدولي، فإن الموانئ التونسية غير مهيأة للتعامل مع السفن الحديثة ذات الحمولات الكبيرة، ولا تواكب التحولات المتسارعة في قطاع النقل البحري، ولا سيما في ما يتعلق بازدهار اقتصاد الحاويات وسلاسل الإمداد المتكاملة.

ويؤكد البنك أن تونس تمتلك “فرصة كبيرة” لتطوير موانئها والاستفادة من النمو السريع في حركة شحن الحاويات في البحر الأبيض المتوسط، إلا أن هذه الفرصة تبقى رهينة بإصلاحات هيكلية واستثمارات نوعية لم تتحقق حتى الآن بالوتيرة المطلوبة.

اهتمام أميركي تعثر عند مفترق سياسي

ويلفت المقال إلى أن الولايات المتحدة أدركت هذه الفرصة قبل نحو عقد من الزمن، وأبدت اهتمامًا واضحًا بتطوير البنية التحتية للموانئ التونسية، لا سيما ميناء رادس، عبر برنامج “مؤسسة تحدي الألفية”.

وقد شكّل هذا البرنامج أحد أبرز مسارات الدعم الأميركي الموجه لإصلاح قطاع حيوي في الاقتصاد التونسي.

غير أن هذا المسار تعثر بعد 25 يوليو/تموز 2021، عقب تعليق البرنامج نتيجة مخاوف أميركية تتعلق بمسار الحكم الديمقراطي في البلاد.

وأدى ذلك إلى تراجع ملموس في حجم المساعدات والاستثمارات الأميركية، مما حرم تونس من فرصة إستراتيجية لتحديث بنيتها التحتية البحرية في لحظة إقليمية كانت تشهد سباقًا متسارعًا على الموانئ والممرات التجارية.

حضور صيني محدود

في المقابل، يشير المقال إلى أن الاهتمام الصيني بالاستثمار في تونس ظل محدودًا، ويعزو ذلك أساسًا إلى التعقيدات البيروقراطية والعقبات التنظيمية المزمنة.

فعلى خلاف ما قامت به بكين في دول مجاورة، لم تنخرط الصين بقوة في مشاريع كبرى لتطوير الموانئ التونسية، واقتصر حضورها على استثمارات محدودة لم ترقَ إلى مستوى التحول الإستراتيجي في البنية التحتية البحرية.

ويأتي ذلك رغم إعلان الهيئة التونسية لترويج الاستثمار الأجنبي عن زيادة بنسبة 21% في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بين عامي 2023 و2024، إذ لا تُصنّف الصين ضمن أكبر 5 مستثمرين أجانب في تونس.

مقارنة تونس مع الجوار الإقليمي

ويقارن المقال بين وضع تونس ووضع دول الجوار، مشيرًا إلى أن المغرب نجح في تحويل ميناء طنجة المتوسط إلى أحد أكبر وأهم موانئ الحاويات في البحر الأبيض المتوسط، مستفيدًا من استثمارات ضخمة وشراكات دولية واسعة، بما في ذلك استثمارات صينية.

كما يلفت المقال إلى أن الجزائر، رغم التحديات التي واجهت بعض مشاريعها، تمكنت من إطلاق مبادرات طموحة لتطوير موانئها بدعم صيني، مثل مشروع ميناء الحمدانية–شرشال، وهو ما يجعل تونس تبدو متأخرة نسبيًا في سباق تحديث البنية التحتية البحرية في المنطقة.

ويخلص المقال إلى أن التخلف البحري في تونس لا يعود بالأساس إلى عزوف المستثمرين الأجانب، بل إلى عوامل داخلية متجذرة، فعلى الرغم من اعتماد قانون استثمار مُحسّن عام 2016، وإنشاء مركز خدمات شامل للمستثمرين تديره وكالة تشجيع الاستثمار والابتكار، تشير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وغيرها من المؤسسات إلى استمرار عوائق بيروقراطية واقتصادية تحد من جاذبية الاستثمار.

المصدر: ناشونال إنترست

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here