نقابي تونسي: 470 مليون دولار ديون مزارعينا ونأمل بموسم مبشر

39
نقابي تونسي: 470 مليون دولار ديون مزارعينا ونأمل بموسم مبشر (مقابلة)
نقابي تونسي: 470 مليون دولار ديون مزارعينا ونأمل بموسم مبشر (مقابلة)

أفريقيا برس – تونس. بعد عامين من جفاف تأذت منه تونس اقتصاديا، بدأ المزارعون بالإعداد لموسم جديد لزراعة الحبوب، أملا بأن تتحسن الأحوال المناخية وأن تزيح الدولة عن كاهلهم أعباء ديون سنتين سابقتين بلغت نحو 470 مليون دولار.

هكذا تحدث عضو المكتب التنفيذي للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري (نقابة المزارعين) شكري الرزقي، عن الصعوبات المناخية “الكبيرة” التي طالت الموسم السابق لزراعة الحبوب وأهمها القمح والشعير.

الرزقي أفاد بأن قطاع الزراعة بدأ العام الماضي مع أمطار جيدة، وبأن الموسم بشّر بمحصول وفير لكن خلال الربيع انقطعت الأمطار ووقعت انتكاسة على جميع أنحاء البلاد تقريبا.

عضو النقابة التي تأسست عام 1950 وتضم أغلب مزارعي تونس، ذكر أن مديونية زارعي الحبوب خلال السنتين الماضيتين لا سيما بعد جفاف لعامين، بلغت 463.5 مليون دولار موزعة بين دين أصلي وفوائد لبنوك.

وتراهن الحكومة على زيادة المساحات المزروعة بالحبوب بعد أن تأكدت الحاجة الملحة للغلال إثر أزمة طحين عاشتها البلاد خلال الحرب الروسية والأوكرانية وجائحة كورونا، ما أفرز طوابيرا طويلة أمام المخابز خلال فترات سابقة.

وبندوة في سبتمبر/ أيلول الماضي، قال وزير الفلاحة والصيد البحري عز الدين بالشيخ إن زراعة الحبوب تمثل إحدى أهم دعائم الفلاحة التونسية، مبينا أن المساحات المخصصة لزراعة الحبوب لموسم 2024 – 2025 بلغت 1,173 مليون هكتار.

وأوضح أن نحو 250 ألف فلاح يزرعون الحبوب، حيث يساهم هذا القطاع في الإنتاج السنوي الفلاحي بنسبة 9 بالمئة تقريبا.

وذكر الشيخ آنذاك أن “حاجيات الاستهلاك الوطني من الحبوب سنويا تبلغ 36 مليون طن، كما أن لهذا القطاع تأثير على الميزان التجاري الغذائي حيث تمثل الحبوب المستوردة 50 بالمئة من الحجم الإجمالي للواردات الغذائية”.

بداية مبشرة

وبشأن الموسم الحالي الذي يبدأ بين أكتوبر/ تشرين الأول وديسمبر/ كانون الأول ببذر الحبوب، قال الرزقي: “مؤخرا نزلت أمطار في بعض أنحاء البلاد، ما يشجع الفلاحين على بدء أعمالهم بنجاح، وقد انطلقوا فعلا بالإعداد للموسم الجديد”.

وأضاف: “يقوم الفلاحون بما يليهم، وعلى الدولة توفير مستلزمات الإنتاج من بذور وأسمدة، ونرجو أن تكون الحكومة في الموعد وتضع بيد الفلاحين المستلزمات الضرورية في أوقاتها وأماكنها وبكمياتها المطلوبة”.

ونقل الرزقي صورة مبشرة لمستوى الحبوب المعدة لبذرها وزراعتها بالموسم الجديد، قائلا: “لدينا نحو 261 ألف قنطار من الحبوب وهو رقم مناسب وفق المعايير، والبذور التي تركها الفلاحون أنفسهم لزراعتها ستكون كافية ولن نحتاج إلى استيراد”.

النقابي التونسي قال إن المزارعين استطاعوا خلال صيف 2024 حصاد 7.6 ملايين قنطار من الحبوب، وأضاف: “قياسا بالسنة التي قبلها التي جمعنا فيها نحو 3 ملايين قنطار فقط تعتبر الكمية المحصودة هذا العام مقبولة”.

مناخ وديون

وبالسؤال عن أوضاع زارعي الحبوب، قال: “موسم 2022 – 2023 جاء على إثر موسم يعتبر طيبا، فالأزمة لم تكن كبيرة وكان للفلاح مخزون معتبر، لكن الآن الأزمة مركبة بسبب توالي موسمين سيئين في ولايات الكاف وسليانة وباجة وبنزرت” حيث مناطق إنتاج الحبوب.

المحصلة، وفق الرزقي، أن المزارع بات “يعاني بعد عامين من الجفاف، والوضع أصبح أصعب لأن بذمة الفلاحين مديونية لسنتين في حدود إجمالي يبلغ مليار و400 مليون دينار (463.5 مليون دولار) بين دين أصلي وفوائد لبنوك”.

وعانت تونس شحا في المياه، وتراجعا في احتياطيات السدود، جراء التغيرات المناخية وسنوات جفاف خلال الأعوام الثلاثة الماضية، في ظل ارتفاع الحرارة وانخفاض معدلات الأمطار.

وتابع: “المديونية كبرت وهي متشعبة إلى درجة عدم الحصر (..) لكن هناك جهات أخرى مانحة مثل المزودين (يقدمون أدوية وبذور ومستلزمات زراعية) والمؤسسات الصغرى والمجمّعين (يجمعون المحاصيل من الفلاحين) يتدخلون أيضا في تمويل الفلاح”.

ووفق الرزقي: “الجميع يجتهد ليكون شريكا في هذا القطاع، لكن للأسف بحكم التغيرات المناخية، نشهد صعوبات كبيرة وخروجا عن المسار، فبعد أن كانت الزراعة قاطرة للاقتصاد الوطني تحاول اليوم النجاة بنفسها، نظرا لمخاطر القطاع العالية دون دعم كبير أسوة بالدول المتقدمة”.

وعلاوة على الآثار القاسية للتغيرات المناخية، أشار الرزقي إلى مشاكل أخرى يعاني منها القطاع، من قبيل “غلاء وسائل الإنتاج التي نستورد أغلبها من الخارج، ما ينعكس على الكلفة العامة للإنتاج، ويجعل الفلاح يكافح على الدوام ليبقى على قدميه”.

حصاد وتمويل

وبشأن الأرقام التي أعلنتها الحكومة عن المساحات المخصصة للزراعة لعام 2024، والمقدر بـ 1.173 مليون هكتار، قال: “لابد من التوضيح أننا كنا سابقا نزرع نحو 1.7 مليون هكتار، لكن بحكم تغيرات المناخ والجفاف أصبحنا نزرع 1.2 مليون هكتار، لكن المشكلة الأكبر هي كم هكتار نحصده لا ما نزرعه”.

وأضاف الرزقي: “دورنا هو تنفيذ ما تبرمجه الدولة، لكن الفارق بين ما نبذره وما نحصده هو السلبي في العملية”.

وتابع: “نحصد في حدود 700 ألف أو 900 ألف هكتار، وإذا وصلنا إلى حصاد كل ما نبذره تكون خطوة إيجابية للغاية وسنة خير، لكن الجفاف يُقلص من المساحات المحصودة”.

وعن الصعوبات الإضافية التي تواجه المزارعين مع بداية الموسم الجديد، قال الرزقي: “ننتظر شهادة الإجاحة (تمنحها الدولة في المساحات المتضررة من الجوائح الطبيعية مثل الجفاف والبرد) التي تصدر هذا الشهر ليُجدوِل الفلاحين مديونيتهم”.

وأردف: “كل عام يترك الفلاحون الاعتماد على البنوك إلى طرق أخرى للتمويل سواء المجمّعين أو المزودين أو مؤسسات أخرى ليستطيع الفلاح مجابهة السنة المقبلة”.

ومؤكدا عدم وجود “استراتيجية واضحة لطرح بعض ديون المزارعين مثلما حصل سابقا”، قال: “الآن هناك محاولات فردية لتسوية الوضع مع البنوك والمزوّدين وليس هناك قرار واضح لدعم الفلاحين”.

الدعم الحكومي

ومناشدا الحكومة بضرورة الدعم الكافي للمزارعين لإنجاح الموسم، شدد الرزقي: “إذا رفعنا شعار السيادة الغذائية لابد من التفاتة للقطاع وأن تكون للدولة بصمتها لحل الأزمات”.

وأضاف: “القطاع الفلاحي قطاع سيادي ولابد للدولة أن تضع الإمكانيات الضرورية لتنقذه حتى لا يخرج الفلاحون من الدورة الاقتصادية وتهمش الأرض”.

وأشار الرزقي إلى أنه “كلما أنتجنا قنطارا من الحبوب في تونس نستغني عن استيراد قنطار من الخارج، وإذا كانت حاجتنا بحدود 30 مليون قنطار من القمح والشعير، فإننا إذا أنتجنا 20 مليون قنطار سنستورد فقط 10 مليون قنطار وهكذا”.

وشدّد على أن “كل حبة قمح تنتج في تونس تعفينا من استنزاف العملة الصعبة، والدولة عليها توفير مستلزمات الإنتاج وتحسين ظروف عمل المزارعين”.

وأكد دخول نقابته في حوارات سابقة مع الحكومة لإيجاد حلول لمشاكل القطاع الزراعي، لكنه قال إن “تغير الوزراء المستمر لم يجعل الفكرة متواصلة”.

ووفق أرقام رسمية،​​​​​​​ يساهم القطاع الزراعي بتونس بحوالي 10 بالمئة من الناتج الداخلي الخام، ويساهم بنسبة 10 بالمئة في الصادرات، ويستقطب 8 بالمئة من جملة الاستثمارات في الاقتصاد الوطني، و14 بالمئة من اليد العاملة النشيطة؛ ويؤمن موارد رزق لأكثر من 570 ألف مشتغل فلاحي وبحار.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here