عقارات آيلة للسقوط.. والدولة عاجزة عن صيانتها..!؟

193

امتلك الأجانب في بلادنا طيلة الفترة الاستعمارية أكثر من خمسة عشر ألف عقار، موزعة على كامل تراب الجمهورية وأغلبها موجود بالعاصمة وولاية بنزرت، منها حوالي 7700 عقار آلت الى الدولة التونسية ومنها حوالي 8000 عقار رفض أصحابها الأجانب التفويت فيها الى الدولة، علما وأن أغلب هذه العقارات قديمة وعديمة الصيانة وآيلة للسقوط إذ يفوق عمر بعضها المائة عام…
ورغم هندستها المعمارية وزخرفتها يجب الحفاظ عليها كجزء من تراث بلادنا الا أن جماليتها هذه أصبحت مخفية في جل البنايات في ظل تراكم الاتربة وتفاقم التشققات بهذه العمارات والفيلات التي باتت تسيء لجمالية شوارعنا.
ولمزيد تسليط الضوء على هذا الموضوع القديم المتجدد التقينا بعديد الأطراف التي كانت لها وجهات نظر  مختلفة، كما اتصلنا ببلدية تونس لكن لم نتحصل على أي رد من هذه الأطراف.
نذكر الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الشاغلين لأملاك الأجانب التي تدعو الى تونسة جميع العقارات الأجنبية في البلاد التونسية والتفويت فيها لشاغليها، والى ضرورة صيانة كل المباني القديمة، وإدارة أملاك الأجانب التابعة لوزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية والشركة الوطنية العقارية للبلاد التونسية «سنيت» اللتان تشتكيان من عدم توفر الاعتمادات التي يتجاوز مقدارها 80 مليون دينار لصيانة كل العقارات.
عندما تتجول بشارع الحبيب بورقيبة والأنهج المتفرعة عنه وعشرات الشوارع الأخرى بالعاصمة وبعدة ولايات من الجمهورية ترى مشاهد بنايات قديمة مشيدة على الطراز الغربي وخصوصا منه الفرنسي والايطالي… حيث ترجع هندستها المعمارية وزخرفتها الى فترة الإستعمار وهي تحمل عديد التشققات فجلها آيل  للسقوط ويهدد سلامة ساكنيها وحتى المارين بقربها فكم من مواطن تضرر من بعض الشرفات التي تنهار فجأة وتسقط بحكم قدمها وعدم صيانتها من قبل أصحابها أو من قبل البلدية، حتى أن أغلبها فقد رونقه  المعماري.
ولا شك أن هذه العقارات القديمة عديمة الصيانة وتسيء لجمالية شوارعنا والسبب الرئيسي هو بقاء هذه الأملاك بيد الأجانب ودون تفويت للدولة التونسية وهذا يدخل في إطار استهانة بعض المتصرفين في أملاك الأجانب من شركات ووكالات عقارية هذا حسب ما أفادنا به السيد ماجد بوستة رئيس الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الشاغلين لأملاك الأجانب.
ومن المفروض أن يقوم المالك الأجنبي بصيانة عقاره أو أن تدعو البلدية كل أجنبي مالك لعقار بضرورة صيانته، لكن نلاحظ أن هذا الملف لا يحظى بمتابعة من طرف السلطات وفي هذا الشأن أكد لنا السيد رئيس الجمعية أن الهيئة العامة للرقابة التابعة لوزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية امتنعت عن مدهم بالتقرير الكامل عن مجمع الشركات البلجيكية الذي يملك عديد العقارات في تونس يتجاوز عددها 130 عقار.
وتهدف الجمعية الى تأميم جميع العقارات التي هي على ملك الأجانب بمختلف جنسياتهم والمكتسبة قبل سنة 1956 دون اتفاقية مسبقة وقد راسلت في هذا الشأن وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية وتلقت ردا أفاد بأن الدولة التونسية لا يمكنها اللجوء الى تأميم عقارات الأجانب أو انتزاعها للمصلحة العامة باعتبار أن التأميم إجراء ذو طابع سيادي يهدف الى تحقيق أهداف سياسية واقتصادية عليا يصعب تصورها في مجرد امتلاك مبان متفرقة ومسجلة بأسماء أصحابها فضلا عن انتفاء عنصر المصلحة العامة في انتزاع تلك العقارات، كما أن اللجوء الى هذا الاجراء بصفة منفردة وأحادية من شأنه التأثير سلبا على جاليتنا بهذه البلدان تكريسا لمبدإ  المعاملة بالمثل في العلاقات الدولية والاقتراح في هذا الموضوع يتمثل في إيجاد حلول توافقية مع تلك البلدان لحث رعاياها على التفويت فيها للأطراف التونسية، الأمر الذي يجنبهم أتعاب ترميمها وتعهدها بالصيانة أمام حالة القدم التي تشهدها جلها وكذلك ضرورة ايجاد الآليات الكفيلة بالتعرف على عناوين مالكي تلك العقارات وربط الصلة بهم سعيا لاقتناء تلك العقارات بأيسر السبل.

مشروع قانون تأميم الأملاك
ونظرا لعدم الجرأة في طرح الموضوع على الدول الأوروبية لضرورة استرجاع الأملاك التي هي بيد الأجانب اختارت الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الشاغلين لأملاك الأجانب أن تتقدم بمشروع قانون تأميم هذه الأملاك الى المجلس الوطني التأسيسي مع لائحة دعم ومساندة من أكثر من مائتي رجل قانون وذلك للنظر في إمكانية المصادقة عليه بعيدا عن التجاذبات السياسية.

86 مليون دينار  تكلفة الصيانة
وقدرت وزارة التجهيز تكلفة صيانة أملاك الأجانب في تونس بنحو 86 مليون دينار على أن تتوزع النفقات على الترميم الثقيل لحوالي 5500 محل والهدم الفوري لـ 1700 مبنى متداع للسقوط أو ينذر بالخطر، وتجدر الإشارة الى أن عدد العقارات التي هي على ملك الأجانب واقتنتها الدولة يبلغ 7645 عقار فوتت منها 2552 عقار، وتتراوح حالة المباني الباقية بين متداعية للسقوط وتبلغ نسبتها 45 بالمائة وأخرى تتطلب الترميم الثقيل وتبلغ نسبتها 49 بالمائة وثالثة في حالة مرضية لا تتعدى نسبتها 6 بالمائة.
أما بالنسبة الى العقارات التي مازالت على ملك الأجانب فيقدر عددها بـ 4660 عقار منها 2810 تحت تصرف الشركة الوطنية للعقارات بالبلاد التونسية «سنيت». هذا ما ذكره السيد أحمد بالصيود نائب رئيس الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الشاغلين لأملاك الأجانب.

الدولة عاجزة عن توفير الاعتمادات
وحول الموضوع نفسه اتصلنا بإدارة أملاك الأجانب التابعة لوزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية حيث التقينا السيدة ألفة بن ابراهيم كاهية مدير بالوزارة التي أكدت أن الدولة عاجزة عن تخصيص مبلغ 86 مليون دينار لصيانة كل العقارات التي هي على ملك الأجانب والتي تتطلب صيانة.
كما أنه في أحيان كثيرة يكون المبلغ الذي سيخصص لصيانة عقار ما أكبر من قيمة العقار نفسه. لذلك فإن الدولة متجهة نحو سياسة التفويت في المحلات على حالتها الى الشاري كي يصلحه على حسابه الشخصي، وفي هذا الإطار فوتت الوزارة في 2550 عقار  بثمن حدده خبير بوزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية حسب المساحة وحسب حالة العقار والمنطقة التي يقع فيها.
وهناك بعض المواطنين الشاغلين لبعض العقارات والذين يدفعون مبلغا زهيدا مقابل كراء المحل لا يريدون تسوية وضعياتهم لأنهم يفضلون دفع مبلغ الكراء الذي يقدر في بعض الأحيان بحوالي 4 دنانير على أن يشتروا المحل الذي يشغلونه بمبلغ يرونه مرتفعا وذلك حسب ما أفادتنا به كاهية المدير بإدارة أملاك الدولة. وتجدر الإشارة الى أن دور هذه الإدارة يتمثل في تسوية الأملاك التي هي على ملك الأجانب والتي انتقلت ملكيتها الى الدولة. ويبلغ عددها منذ أواخر الثمانينات حوالي 7700 عقار منها 2600 عقار  في ولاية بنزرت والبقية موزعة بين تونس العاصمة وبقية الجهات.
كما يبلغ عدد العقارات التي رفض أصحابها التفويت فيها للدولة التونسية حوالي 8000 عقار أصحابها من مختلف الجنسيات (فرنسيون، ايطاليون، مالطيون، بلجيكيون، هولنديون، إسبان…) وفي هذا الشأن تبين السيدة ألفة بن ابراهيم أنه لا يمكن إجبار الأجانب المالكين لعقارات على التفويت في ممتلكاتهم الى الدولة التونسية.

أغلب العقارات تحت تصرف «سنيت»
وخلال اتصالنا بالسيدة يسر الفاهم (الشركة الوطنية العقارية بالبلاد التونسية «سنيت») علمنا أن الشركة تتصرف في عدد مهول من العقارات سواء منها تلك التي آلت ملكيتها الى الدولة أو العقارات التي مازالت ملكيتها لأصحابها الأجانب من مختلف الجنسيات وذلك بموجب الاتفاقيتين الأولى المبرمة عام 1984 والمتعلقة بالمساكن الموجودة بولاية بنزرت والثانية عام 1989 المتعلقة باقتناء وبيع أملاك الفرنسيين المبنية أو المكتسبة قبل 1956 والكائنة بكامل تراب الجمهورية باستثناء ولاية بنزرت.
وتقبض «السنيت» معلوم الكراء الذي يتراوح في أغلب الأحيان بين 10 دنانير و50 دينارا من الشاغل للمحل، وتسدد الشركة بدورها معلوم الكراء بصفة منتظمة الى الأجنبي صاحب العقار، وإذا كان صاحب المحل مجهولا  فإنها تقبض معلوم الكراء، وفي حال ما إذا طالب ورثته بالمعاليم فإنها تسددها لهم.
وبالنسبة الى صيانة العقارات التي هي على ملك الأجانب فإن «سنيت» تتعهد بها وتتصرف في صيانتها وفق معلوم الكراء الذي يتم تسديده من قبل الشاغل، وفي أغلب الأحيان يفوق معلوم الصيانة بكثير معلوم الكراء لذلك أكدت السيدة يسر الفاهم عدم توفر الاعتمادات اللازمة للصيانة.
وبسبب عدم توفر الاعتمادات فإن الشركة تحاول تسريع عمليات بيع العقارات المفوت فيها الى الدولة حتى يتمكن الشاري من صيانة عقاره على حسابه الشخصي.
كما تقدمت الشركة بطلب الى وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية للتمكن من ترخيص لأخذ بعض الاعتمادات من المعاليم المسددة لفائدة الدولة التونسية من طرف الشاغلين للعقارات التي آلت إليها حتى يتسنى للشركة صيانة المحلات التي لا تزال على ملك أجانب.

إجراءات اقتناء عقار
وبخصوص اجراءات اقتناء محلات لا تزال ملكيتها بيد أجانب فإن «سنيت» تبلغ المكتري أو الشاغل عن طريق عدل منفذ لتكوين ملف في أجل لا يتعدى ثلاثة أشهر، وتتم دراسة الملف ويرتبط الأجل بمدى استكمال الوثائق اللازمة.
وإثر دراسة الملف يتم إرساله الى إدارة أملاك الأجانب التابعة لوزارة أملاك الدولة حتى يصبح جاهزا لفحصه أمام اللجنة الوطنية للتفويت برئاسة وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية وفي حالة قبوله يصدر فيه مقرر تفويت من وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية ويقع إعلام الحريف عن طريق عدل منفذ ويقع منحه أجلا لا يتعدى تسعة أشهر لدفع ثمن العقار ويمكن تمويل عملية بيع المحل عن طريق بنك الإسكان.

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here