تسبب الفساد الذي تمارس فصوله منذ ثمانينات القرن الماضي في خسائر للبنك الفرنسي التونسي قدرت أخر مرة ب700 مليون دينار وكشفت مجموعة من الوثائق حصلت عليها بعض المواقع الالكترونية لتكشف أوجها جديدة من الفساد وآلياته في اعلى دوائر القطاع الماليّ. سخوصه خليط بين سياسيين و موظفين و مسؤولين.
أطوار القضية
انطلق النزاع بين الدولة التونسية وشركة ABCI منذ سنة 1983 اثر عملية الترفيع في رأسمال البنك الفرنسي التونسي وقد مرّ النزاع المذكور منذ ذلك التاريخ بأطوار عديدة تتمثل أساسا في الترخيص لشركة ABCI للمساهمة في رأسمال البنك الفرنسي التونسي BFT بنسبة 50% في 23 افريل 1982.
وفي 30 ديسمبر 1982 تمّ إلغاء الترفيع في رأسمال البنك، الأمر الذي نتج عنه النزاع القائم أساسا حول الأموال التي تمّ تحويلها بعنوان المساهمة في رأس المال والغلة الناتجة عن تجميد الاموال المذكورة. وفي سنة 1987 التجأت شركة ABCI الى التحكيم في حين التجأت الدولة الى القضاء التونسي. صدرت اثر ذلك أحكام مختلفة سواء من قبل الهيئة التحكيميّة المنبثقة عن الغرفة التجارية بباريس (لفائدة شركة ABCI ) او من قبل المحاكم التونسية (أحكام جزائية ضد ممثلي البنك والشركة).
في سنة 1989 تمّ إبرام الصلح بين طرفي النزاع اي بين الدولة التونسية و شركة ABCI، الا انّ شركة ABCI اخلّت بعد ذلك بتعهداتها الصلحيّة. وفي سنة 1994 صدر حكم غيابي يقضي بسجن ممثل شركة ABCI عبد المجيد بودن لمدّة 20 سنة.وفي سنة 2003، قررت شركة ABCI الالتجاء من جديد الى التحكيم الدولي CIRDI ضدّ الدولة التونسية. ولمواكبة أطوار النزاع والتمكن من الدفاع عن مصالح الدولة التونسية تمّ اللجوء الى تعيين مكتب محاماة أجنبي.
القروض الخاسرة
بمjنهى البساطة، تعتمد هذه الآلية على إقراض الحريف، ومن ثم انتظار الأجل الأقصى للتسديد. عند هذه المرحلة، يتوجه البنك إلى القضاء ليرفع دعوى ضد المدين دون تقديم الأدلّة والوثائق اللازمة لإثبات عدم سداد القرض. هنا ستحكم المحكمة ببراءة المقترض وسيضطر البنك الذي خسر القضيّة إلى تسجيل قيمة القرض كخسارة. آلية سهلة وفعّالة، دون رقابة أو أثر. كما أنّها تمثّل بالنسبة للمستفيدين وسيلة شبه دائمة للإثراء، خصوصا وأنّ هيئات الرقابة تخضع لإمرة وتحكّم البنك.
إشكالية مكتب المحاماة
اعتبرت هيئة الرقابة العامّة لأملاك الدولة والشؤون العقارية في تقرير بحث حول النزاع القائم بين الدولة التونسية وشركة ABCI في جوان 2013 انّ تكليف مكتب المحاماة Herbert Smith الذي تمّ بتاريخ 2 جوان 2008 بالمراكنة من قبل المكلّف العامّ بنزاعات الدولة باعتبار عدم لجوء الإدارة لأعمال المنافسة عند التعيين مع الإشارة وان عملية التكليف كانت مسبوقة بمناقشة لعرض المكتب نتج عنه الحصول على تخفيض في الأتعاب المقترحة من قبل المكتب المذكور.
وذكرت هيئة الرقابة العامة لأملاك الدولة انّ مصاريف النزاعات المبذولة من قبل الدولة التونسية في هذا الملف منذ ديسمبر 2008 الى غاية أكتوبر 2010 قد بلغت 2.639.562 دينار وتتمثل هذه المصاريف أساسا في أتعاب مكتب المحاماة Herbert Smith وتسبقات لفائدة الهيئة التحكيميّة وكتابة المركز الدولي بفض النزاعات الاستثمار cirdi ومصاريف تنقل وإقامة ممثلي الدولة.
وقد خلصت الهيئة الى وجود تجاوزات تعلقت أهمّها باحتساب تعريفة في الساعة أعلى من التعريفة المتفق عليها لبعض المحامين وعدم تطابق المبلغ الجملي لإحدى الفواتير المؤرخة في أفريل 2011 . كما سجلت العديد من العيوب والخروقات الأخرى لعلّ أبرزها تعدّد اللجان المتوازية مع لجنة النزاعات المتابعة للملف الأمر الذي شتت الجهود وأدى الى تضارب الرؤى…
احالات من أجل شبهة فساد مالي
تعلقت هذه القضية أساسا بالمكتوب الذي وجهه وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية الى رئيس الحكومة آنذاك الحبيب الصيد والمتعلق بمتابعة النزاع حول المجموعة العربية الدولية للأعمال ABCI. وقد تضمنت المراسلة إحاطة رئيس الحكومة بجملة من الملابسات التي حفت بإبرام كتب اتفاق مؤرخ في أوت 2012 وفق ما أكّده الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية بتونس المساعد الأول لوكيل الجمهورية سفيان السليطي. كما أوضحت مصادر بانّه وفي عهد تولي سليم بن حميدان وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية تمّ العثور على اتفاقية صلح، يعود تاريخها الى 2012، ممضي بين مستشار مقرر بوزارة أملاك الدولة والمجموعة العربية الدولية للأعمال ABCI.
وبالتثبت في اتفاقية الصلح تبين انّها ستخلّف أضرارا كبيرة بمصالح الدولة التونسية، حيث تضمنت تنازلات كبيرة وكبيرة جدّا لصالح المجموعة العربية الدولية للأعمال ABCI من قبل الدولة التونسية. وبمزيد التحري تبين انّ الشخص الذي قام بإبرام الصلح لا يتمتع بالصفة القانونية التي تخوّل له الإمضاء على الصلح باعتبار انّ المكلف العام بنزاعات الدولة هو الوحيد الذي يمتلك الصفة القانونية لإبرام اتفاقية الصلح.وباحالة الوثيقة المذكورة على الاختبار لتحديد طبيعتها (محضر جلسة او اتفاقية صلح) وتحديد دور الأطراف المتداخلة في الوثيقة وتحديد الضرر الذي سينجرّ عن ذلك للبلاد التونسية، تبينّ انّها اتفاق صلح وأنها ستتسبب في خسائر مالية كبيرة جدّا للبلاد. فقرر قاضي التحقيق إحالة المتورطين في قضية الحال طبقا لأحكام الفصل 96 من المجلة الجزائية والذي ينصّ صراحة على انّه «يعاقب بالسجن مدة عشرة أعوام وبخطية تساوي قيمة المنفعة المتحصل عليها أو المضرة الحاصلة للإدارة الموظف العمومي أو شبهه وكل مدير أو عضو أو مستخدم بإحدى الجماعات العمومية المحلية أو الجمعيات ذات المصلحة القومية أو بإحدى المؤسسات العمومية ذات الصبغة الصناعية والتجارية أو الشركات التي تساهم الدولة في رأس مالها بصفة مباشرة أو غير مباشرة بنصيب ما أو الشركات التابعة إلى الجماعات العمومية المحلية مكلّف بمقتضى وظيفه ببيع أو صنع أو شراء أو إدارة أو حفظ أي مكاسب استغلّ صفته لاستخلاص فائدة لا وجه لها لنفسه أو لغيره أو للإضرار بالإدارة أو خالف التراتيب المنطبقة على تلك العمليات لتحقيق الفائدة أو إلحاق الضرر المشار إليهما».
دائرة الاتهام تعيد الملف الى التحقيق
بعد ان تمّ ختم الأبحاث، أحال قاضي التحقيق ملف القضية على دائرة الاتهام، الا انّه وفي 19 جانفي 2017، أحالت دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بتونس الملف من جديد على قاضي التحقيق لإضافة جملة من الطلبات الأخرى وفق ما أكّده الناطق الرسمي باسم محكمة الاستئناف بتونس مساعد الوكيل العام علي قيقة .علما وان القضية قد شملت كلّا من وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية الأسبق سليم بن حميدان والمنذر صفر وحامد النقعاوي.