ماذا يسند تونس اليوم ويجعلها تقف وسط هذا الركام المحيط بها وهذا الرميم السياسي الداخلي الذي بالكاد يتماسك ناهيك عن مسك تونس وإسنادها، كيف تتماسك بلادنا وهي في احضان عواصف تحيط بها كإحاطة السوار بالمعصم، ثم هي تحت وصاية حزب يملك القصبة وقرطاج وباردو ولا يملك نفسه، يملأ الكراسي السياسية السيادية ولا يستطيع ملئ كرسي أمانته العامة، من يمسك البلاد ان تقع كما غيرها وهي تحت رحمة مكينة منشغلة عن ادارة الدولة بالتهام بعضها، مرزوق يسحق البكوش وحافظ يسق مرزوق والشاهد يسحق حافظ والرئيس يعيد إنتاج ابنه وطوبال يرفض النبتة المكررة.. ومعركة البسوس متواصلة..
بينما سيغما تجبر بخاطر الممول وتحاول جبر كسور الحزب المتناحر! من يمسك تونس والحزب الذي يملك الرئاسات الثلاث لا يملك مواصفات الحزب، ليس له في الماضي ولا في الحاضر ولا في المستقبل، ولد نتيجة ردة فعل وتم إسناده بنيران الإعلام ومضخات المال، فهو يقف بهما ويقتات عليهما..
اذا هو الحزب الحاكم الوحيد في العالم الذي لا يملك مواصفات الحزب، وربما هو الكيان السياسي الوحيد في العالم الذي يجلس على الكراسي السيادية ويعطي لحزب آخر مهمة اسناد الدولة، فنحن اليوم وإذا ما تحدثنا عن الحزب الحاكم كأرقام سلطة نؤكد انه نداء تونس، أما اذا تحدثنا عن الحزب الحاكم كواجهة اعتبارية ورمزية ترتقي الى مستوى الدولة فليس غير النهضة.
ولما كانت الاحزاب في الدول الديمقراطية هي التي تأثث السلطة، ولما كان أوكد شروط نجاح التجارب الديمقراطي، وجود تلك الأحزاب الجدية المتماسكة، واذا ما تابعنا المشهد الحزبي التونسي المترهل، والذي يعاني فيه الحزب الثاني”النداء” من صراعات ما تحت الطفولية، ثم الحزب الثالث الذي ولد نتيجة سكرة من سكرات الحزب المتناحر وما بعده من أحزاب اصولية عادت تقتات على فضلات الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، ومعهم جبهة شيوعية متشنجة غير قابلة للتعايش كارهة للحياة تتحين البيانات الاولى وتتطلع الى الجحيم في الشام والعار في مصر والعربدة في شرق ليبيا، تتطلع هناك لعلها تأتينا منها بقبس أو تجد على نارها هدى ..
ثم ولما لم يبقى من استثناءات غير حزب النهضة المهيكل القادم من أواخر السبعينات المتماسك المتجانس، لما كان هذا رأس مال المشهد التونسي، أصبح من العبث التآمر على الحزب الوحيد في البلاد الذي يملك القدرة على اسناد التجربة، والذي اذا تنحى سنجد خلفه السراب، سنجد خلفه فلول متناحرة تخوض معاركها في ساحل البلاد بين المنستير والحمامات، هذا الى جانب أرخبيل آخر من الشقوق التي تترقب نتيجة المعركة لتنحاز او تنتقم او تفضح او تشمت!
قد يكون للكثير من الساسة مشاكل مع الغنوشي، ربما يكرهونه نتيجة الخلافات العقدية المتفلتة وربما نتيجة المنافسة الجشعة، وربما استكثروا عليه ان يتحول من المنفى الى أحد رموز المرحلة والرمز الأكثر تأثيرا في تونس ما بعد الثورة، ربما يكون ذلك وأكثر من ذلك، ربما يكرهون العريض او مورو، ربما يكرهون النهضة في حد ذاتها، كل ذلك لا يبرر السعي الى تدمير الحزب الذي يشهد الداخل والخارج انه صمام أمان التجربة، وانه لمن الجنون ان تتحالف بعض الأطراف على النيل من الحزب الوحيد الذي رافق التجربة منذ ولادتها وترفق بها وتذلل لها حين اعتلت، ايضا من العبث ان تخرج بعض المكونات هنا وهناك ، تحت وقع الحماس او الشهوة السياسية، وتنفخ نفسها ثم تقنع حالها بانها البديل الذي جاء على حين صدفة!!! إذا كانت الشخصيات السياسية لا تصنعها الصدف فكيف بالأحزاب التي يتخلد بذمتها قيادة تجربة تتناوشها الضباع الإقليمية اكثر من الضباع الداخلية!! علينا ان نحسن نرى، علينا ان نغطي كل مساحة المشهد، حينها سنوقن تحت الحاح المصلحة الوطنية ، ان الحزب الذي يسند التجربة اكبر من الغنوشي واكبر من جميع مؤسسات النهضة، اكبر ايضا من النهضة، لأن البلاد تحتاجه اليوم بقوة كسند، لان تونس تبحث الآن وفورا عن الحزب الذي يرشّد تجربتها، بينما قد لا تحتاج تونس الى النهضة لاحقا حين تتكاثر الأحزاب المتماسكة القادرة على حيازة لقب حزب، التي يمكنها استيعاب ما معنى منافسي في الساحة وشريكي في الوطن..
تحتاج تونس اليوم الى هذا الحزب المتماسك حين أفقرت واقفرت، أما في غدها حين يزهر ربيع المشهد وتنمو الأحزاب، ستتحول النهضة إلى رقم من ارقام المشهد التونسي الزاخر، حينها حتى إذا رحلت النهضة، ستكون السوار كثيرة لتسند، وتكون التجربة قد استوت على عودها.