أحلام الإسلاميين تصطدم بطموحات الدولة العميقة

33

نشر المعهد الألماني للشؤون الدولية و الأمنية على موقعه الإلكتروني ورقة بحثية حملت عنوان ?Is Tunisia Really Democratising
Progress, Resistance, and an Uncertain Outlook

تحدثت عن التجربة الديمقراطية التونسية و المخاطر التي تتهددها بعد ثماني سنوات من الثورة ، حيث طغت الإحتجاجات الإجتماعية على المشهد و تختلف المواقف داخليا و خارجيا في تقييم حالة التطور السياسي للبلد الصغير في شمال إفريقيا ،و الذي يستعد لإجراء الإنتخابات البرلمانية و الرئاسية نهاية هذه السنة، فإذا كان البعض يعتقد بأن تونس في طريقها نحو إستكمال المسار الديمقراطي فإن البعض الآخر يرى أن تونس مهددة بالإلتفاف على تجربتها الديمقراطية بعودة حكم “الرجل القوي” و السلطوية ، و بمقاربة وسطية بين الموقفين فيمكن ان نقول أنه بالرغم من المنجزات الديمقراطية التي حققتها البلاد فإن تونس مهددة بالتطور نحو نظام هجين ،جزء ديمقراطي و جزء سلطوي ،وهذا لا يعود فقط الى السياق الإقتصادي و الإقليمي الصعب بل الى تغلغل الشبكات السياسية و الإقتصادية و الإدارية للنظام القديم في مفاصل الدولة ،علاوة على تزايد وتيرة الممارسات السلطوية و عودة الخطاب النوستالجي للديكتاتورية و هو ما يضعف الديمقراطية التونسية الهشّة، و ينبغي على شركاء تونس الدوليين أن يجعلوا من هدفهم الواضح إضعاف هذه التيارات المضادة.

و أعتبرت الورقة البحثية أنّ تونس و بعد ثماني سنوات من الإطاحة بالديكتاتورية ،تبقى البلد الوحيد الذي قطع خطوات نحو الديمقراطية من بين دول “الربيع العربي ” ،غير أن السياق الأمني و الإقليمي و الأزمة الإقتصادية و الإجتماعية كلها أسباب عطّلت إرساء الديمقراطية بشكل نهائي و مثالي ،

ففي العيد الثامن للثورة التونسية تصدّرت الإحتجاجات الإجتماعية و أخبار الإضرابات و الصراعات على السلطة عناوين الأخبار ،فبعد سنوات من التوافق وقع فضّ التحالف بين أكبر حزبين وهما نداء تونس العلماني و حركة النهضة الإسلامية ،حيث كانت نقطة الخلاف تتمحور حول الخلاف بين رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي و رئيس حكومته يوسف الشاهد ،و تمسّك رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي بالإستقرار الحكومي و رفض الإنسياق وراء مطالب رئيس الجمهورية بإقالة الشاهد ،وفي شهر جانفي أسس رئيس الحكومة حزبه السياسي الخاص “تحيا تونس ” ليرث وبشكل واضح حركة نداء تونس ،و بالنسبة للإنتخابات الرئاسية فإن حركة النهضة ستلعب دور “صانعة الملوك ” حيث من المتوقع ان لا تدفع بمرشح خاص و هو ما سيدفع بالطامحين بقصر قرطاج إلى التقرّب منها .

و قال المعهد الالماني بأنه من حيث المبدأ تبدو ظروف توطيد الديمقراطية التونسية ممتازة، فالدستور التونسي المعتمد منذ عام 2014 يعتبر نموذجا فعليا في التاريخ السياسي لشمال إفريقيا و المنطقة فهو يحد من سلطات الجيش و يؤكد إستقلالية القضاء و يكرّس المساواة و اللامركزية ،كما يوزّع السلطة بين أكثر من جهة للحيلولة دون إستفراد جهة واحدة بالحكم، و العودة بالبلاد إلى مربّع الإستبداد ،و إلى جانب محتواه التقدّمي فإن صياغة الدستور كانت إنجازا هاما في تونس مابعد الثورة ، حيث أظهرت حركة النهضة الإسلامية إلتزامها بالديمقراطية و ذلك من خلال تنازلها عن السلطة و تمهيد الارضية لإنتخابات شهد كل العالم بنزاهتها سنة 2014 دون أن ننسى دور المنظمات الوطنية و مكونات المجتمع المدني في ذلك .

و إستدركت الورقة البحثية بالإشارة الى أنه بالرغم من الإنجازات الديمقراطية التي عرفتها تونس فإنها محدودة خاصة مع الصعوبات التي تعرفها المؤسسة الأمنية و القضائية و مجهودات مكافحة الفساد فتونس و بعد سنوات من كتابة الدستور مازالت لم تتمكن من تركيز المحكمة الدستورية، و هو مايمكن أن يكون له عواقب وخيمة، حيث كانت دستورية العديد من القوانين التي صدرت مؤخرا مثيرة للجدل ،و كذلك تجاوز رئيس الجمهورية لصلاحياته فتونس معرّضة إلى العديد من الأزمات الدستورية مستقبلا، و من جهة أخرى فمازالت الشبكات القديمة متحكّمة في الإقتصاد التونسي ،و كذلك الإعلام فبالرغم من مناخ الحريات فإن وسائل الإعلام مصطفّة وراء جهات سياسية و خاصة المحسوبة على النظام السابق ،وهو ما يفسّر الحملات الإعلامية الممنهجة ضد هيئة الحقيقة و الكرامة وحركة النهضة الإسلامية ، فقد عرفت تونس في الفترة الأخيرة عودة جماعية لكوادر محسوبة على نظام بن علي ، ومن المفارقة أن الشبكات المختلفة المحسوبة على الحرس القديم ،لا تشكّل جبهة مشتركة بل تعمل ضمن مجموعات تتحد عند الضرورة عندما يجمعها هدف واحد متعلق بالتصدّي للإجراءات الثورية على غرار هيئة الحقيقة و الكرامة التي تمثّل العدالة الإنتقالية .

و أضاف المقال بأن رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي يعتبر أحد أقوى التيارات المضادة المعوّقة لتوطيد الديمقراطية في تونس ،عبر الممارسات السلطوية التي أظهرها ،حيث تجاوز صلاحياته في أكثر من مناسبة كما يظهر دائما عدم إحترامه للإجراءات الديمقراطية حتى داخل حزبه حركة نداء تونس فقد سعى الى توريث نجله في القيادة، و كثيرا مادعا رئيس الجمهورية الى تغيير النظام السياسي الى رئاسي بدل البرلماني ،و من جهة أخرى فقد سعى ساكن قرطاج الى إبتزاز حركة النهضة لتمرير قوانين مثيرة للجدل على غرار قانون المصالحة الإقتصادية و الإدارية مستغلّا في ذلك هواجس الإستئصال التي تسكن الحركة الإسلامية منذ الإنقلاب العسكري في مصر.

و أضاف المعهد الألماني للدراسات الدولية و الأمنية في ورقته البحثية بأن عودة رموز النظام القديم لم تقتصر على المجال السياسي، بل تجاوز ذلك الى السيطرة على مفاصل الدولة و الإدارة ،مع عودة السرديات القديمة حيث سعى بن علي سابقا الى ترويج النموذج التونسي كنموذج سنغافورة اي تقديم تونس كدولة سلطوية ناجحة إقتصاديا و أمنيا ،فجزء من النخبة التونسية اليوم تسعى الى ترسيخ الحنين النوستالجي لنظام بن علي لدى الأوساط الشعبية ،

فالأثر التراكمي لهذا الخطاب والممارسات السلطوية والمكائد الواضحة من قبل الشبكات المناهضة للديمقراطية يؤدي الى زيادة في التكاليف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للإنتقال الديمقراطي . وتتمثل إحدى نتائج ذلك في انخفاض ثقة السكان في قدرة العمليات الديمقراطية على إنشاء النظام والعدالة الاجتماعية. على سبيل المثال ، شارك 33.7 في المائة فقط من الناخبين المسجلين في أول انتخابات محلية حرة في تاريخ تونس في ربيع عام 2018 ،كما أظهر استطلاع أجرته مؤسسة فريدريش إيبرت في عام 2016 ثقة أقل بكثير في البرلمان مقارنة بالجيش أو الشرطة.

و ختم المعهد الالماني ورقته البحثية بالإشارة الى أن تونس أصبحت محصّنة ضد العودة الى السلطوية لكن ديمقراطيتها لن تكون نموذجية لوجود قوى وازنة محسوبة على الدولة العميقة وهذا التمازج بين الأحزاب التي تراهن على الإنتخابات الديمقراطية لضمان وجودها، مثل حركة النهضة و بين المنظومة القديمة ذات الفكر السلطوي يمكن أن يفرز ديمقراطية تونسية هجينة في أمسّ الحاجة الى دعم المجتمع الدولي و الجهات المانحة.

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here