النهضة تعطل انطلاق السباق الرئاسي..

36

في الديمقراطيات المستقرة عادة ما يحتاج السباق الرئاسي الى معرفة اطرافه قبل سنة تزيد، حتى يتسنى الإعداد والاستعداد، وذلك هو السلوك القويم الذي تنتهجه الشخصيات والاحزاب والتكتلات، غير ان الساحة التونسية حادت عن هذا التمشي، لأسباب متعددة منها حداثة التجربة وهشاشتها، تضاف اليها النهضة و الحسابات والطمع والطموح..اي نعم تعتبر النهضة احد الاسباب القوية التي تحدد خيارات الأطراف المتنافسة في الساحة.

يعلم الجميع ان اليوم في تونس مكينة او مكينات او جهة او جهات او قوة أو قوى لا تتخذ قراراتها السياسية في هذا الشأن او ذاك وفق برنامجها وقدراتها وما تقتضيه الساحة او المرحلة او المصلحة، وإنما تتخذه وفق القرار النهضاوي، يتعلق الامر بالقرارات، كما يتعلق بالمواقف والآراء والاقتراحات، أطياف واسعة من الساحة تبني قراراتها على انقاض قرارات او مواقف او اقتراحات النهضة، هذا ما جعل الساحة في الكثير من الأحيان رهينة لمواقف الحركة، تحبس مواقفها وتعطل شانها وشان غيرها، إلى أن تتعرف على وجهة النهضة لتبني عليها خطط المعركة ونوعية الأسلحة المطلوبة، وتحشد وتألب وتتحالف وفق ما يقتضيه هزم النهضة وتحجيمها وتكسيرها، وليس وفق ما تقتضيه شروط الفوز في هذا السباق أو ذاك.

*ما هو موقف النهضة

يبدو ان النهضة الحذرة، مازالت غير مستعدة لطرح ملف الرئاسيات بجدية او لنقل غير مستعجلة في ذلك، ربما تترقب اكتمال الرؤية لدى مؤسساتها، ربما ايضا هي تترقب العروض التي ستأتيها، نوعية الذين سيطرقون بابها، وعلى أي أرضية سيقع الاتفاق، ولحساب شراكة ام هي عملية تحيين لتوافقات سابقة، من هو هذا الذي سيطرق.. والاهم من كل شيء ماهي قدراته على احداث التوازن وامتصاص الحنق القديم وماهي خبراته في تفكيك الالغام التي زرعتها الدولة العميقة قبل انسحابها تحت ضربات سبعطاش ديسمبر.

الارجح ان الحركة وبعد بقاء الغلبة للبرلماني على حساب الرئاسي والانتكاسة التي منيت بها مشاريع تغيير الدستور، لن ترشح من داخلها، و بالعودة الى منهجها والتدقيق في أهدافها، يعتبر ذلك في حكم المحسوم، ثم ان النهضة من شبه المستحيل ان تنحاز الى إسلامي كان في صفها او حام حوله او يُحسب على العائلة الموسعة، لأنها تثق في اكتساحها للتشريعيات، ولا ترغب في الانفراد براسي السلطة، كما انها تعمل على أن لا تكون السلطة برمتها من قصبتها الى قرطاجها الى قصرها في باردو، بطعم واحد، إسلامية او محافظة او وسطية او ثورية، او الى ذلك من القوى المتقاربة خاصة على اساس الهوية او الثورة، وتخطط النهضة الى شراكة مع أطراف غير ثورية وغير هووية لكنها ليست اقصائية، لقناعتها ان الساحة لا يجب ان تدار في المرحلة القادمة لحسابات الصمود والتحدي والثبات والنقاء الثوري الهووي، وإنما لحساب التنمية والاقتصاد، لحساب الاجتماعي، فهي تدرك ان المجتمع لن يقبل بالتمديد في عمر المعارك السياسية وتجميد الاجتماعي الى اجل غير مسمى.

*الزمن يعمل لصالح المرزوقي !

أمام النهضة العديد من الخيارات الملغمة، ليس فيها ما يتمتع بالمتعة والركون اللذيذ، كلها تحت وقع التنغيص تماما كما السياسية في تونس، ومع ان المؤسسات ادرى بشأنها، لكن تبقى شهوة الحركة بادية لا تخفى على المتابع الذي يلاحق التفاصيل قبل الكليات. كما تبدو حظوظ أشخاص مثل كمال مرجان تتراجع بقوة، بعد ان دار الحديث عن جسور بينه وبين الحركة، يمر الوقت ولا يستطيع مرجان تقديم ضمانات للإسهام في ترويض ساحة ما بعد 2019، واعدادها للتهدئة ومن ثم للتنمية، والارجح ان لا شيء في جراب مرجان غير بعض الوعود الضعيفة او الموضوعة.

فيما تدرك النهضة ان أي رهان على تنصيب السبسي سيحوله بعد سنة تنقص او تزيد الى بوتفليقة ويحول حافظ الى السعيد ويصبح قرطاج كالمرادية!!! عملية انتحارية ان يقع الرهان على شخص كل الحقائق تؤكد انه لا يستطيع الاضطلاع بمهامه الى ما بعد 98 سنة من العمر، بما أنه لو باشر في سن 93 سينهي في سن 98، وهذا من قبيل المستحيلات، المهلكات، واذا ما اقدمت النهضة او غيرها من القوى على تأهيل الرجل بعد إلغاء العقل واستعمال المرور العنيف العنيد، فان تونس قد تخسر الكثير وقد تتعرض لانزلاقات غير محمودة.

مع هذا وذاك تبدو ثقة النهضة في الشاهد، تراوح بين الصفر و 0.001%، كل الملابسات تؤكد ان الندائي الصغير على استعداد للحب والحقد! للسلم والحرب، يشن ويغازل وفق المصلحة والتموقع، وان أي عملية بناء مع راقص الباليه كمن يبلط الارض باسمنته ليزرعها قمحا! والذي تلاعب بمبعوث العناية الإلهية لن يستنكف من التلاعب بمبعوث العناية النهضاوية ، هاهنا بورصة الاخلاق تؤكد ان الصداقة عند الشاهد، كالشجاعة عند الجبان المخمور، يصاب بنوبات الجرأة حين يفقد عقله.

لا شك تتمتع النهضة بانسجام نادر بين مكوناتها، وولاء قواعدها ما زال لا يقارن بغيره، لكن حين تطل معركة مصالح الدولة مع مبادئ الثورة تشرع البوصلة في الترنح، لذلك تدرك القيادة النهضاوية ان الوقت لا يخدم اجندتها المبنية على خيارات تنضيب الساحة من التوتر، وان غياب الشريك الغير اقصائي الذي سيظهر من المعسكر الآخر تأخر أكثر مما تأخر محمد بن الحسن العسكري في سردابه، وان دخولها بشريك أنيق في الدقائق الاخيرة، لن يثني القواعد عن وجهتها، حينها ومن الارجح ان تكون الغالبية يممت نحو المرزوقي والأقلية نحو الجبالي..

ليست تلك كل الخيارات، فقيادة النهضة يمكنها ان ترتب شان التشريعيات بعناية، ثم تترك الرئاسيات للقضاء والقدر، حينها تكون قد حررت قواعدها من هاجس الرفق بجنين الانتقال الديمقراطي وسرحتهم من الحسابات الإقليمية الدقيقة وحررتهم من الإفراط في التدبر والتمعن والتركيز الهاجسي حين يمشون فوق الرقعة الملغمة..حينما ترفع القيادة يدها من شطرنج الرئاسيات، ولما تقرع قرطاج طبول الحرب، في الغالب ان جل القواعد النهضاوية ستلتحق بخنادق المرازيق.

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here