أجمع مختصون من تونس والخارج، في ملتقى علمي انتظم الجمعة بعنوان “الدستور على محك السياسة خمس سنوات على إصدار دستور 27 جانفي 2014″، على ضروة احترام الدستور وتطبيقه بشكل كامل، وارساء المؤسسات الدستورية التي نص عليها، قبل التفكير في تنقيحه.
فقد دعا رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر (2011/2014)، في كلمة ألقاها بالمناسبة، إلى احترام دستور 2014 قبل التفكير في تعديله، معتبرا أن الأزمة في تونس ليست دستورية بقدر ما هي أزمة سياسية ذات انعكاسات اقتصادية واجتماعية، يسعى المسؤولون عنها إلى “تلبيسها” للدستور واستعماله ككبش فداء.
واعتبر أن حالة “التعطل” التي شهدتها البلاد سنة 2018، هي نتيجة تأزم العلاقة بين رأسي السلطة التنفيذية، وما كانت لتقع لو تم ارساء المحكمة الدستورية، مؤكدا أنه لا دخل للدستور في انزلاق الدينار أو في ارتفاع نسبة التضخم أو تفاقم المديونية. وأبرز ضرورة احترام ما نص عليه الدستور قبل التفكير في تعديله، والقطع مع ثقافة الاستخفاف بالقانون، واستكمال ارساء المؤسسات الدستورية، على أن يتم لاحقا تشريك كافة القوى السياسية والمدنية في النقاش المتعلق بتعديل الدستور بعيدا عن التجاذبات، مشددا على أن دستور 2014 يعد وفق تقديره أحد أفضل الدساتير على المستوى العربي والإفريقي.
وبخصوص مراجعة القانون الانتخابي، بسبب اعتبار أزمة الحكم ناتجة عن غياب كتلة حزبية ذات اغلبية واضحة، اقترح بن جعفر التفكير في كيفية التوقي من تداعيات تفرد أحد الأطراف بالحكم، قبل طرح مسألة مراجعة الدستور، داعيا إلى إقرار مصالحة وطنية جدية تنهي “الحرب الأهلية المقنعة” التي تشهدها الساحة السياسية وتكرس مبدأ قبول الاختلاف.
في المقابل، أكد ضرورة مراجعة التشريع المتعلق بالأحزاب، باعتباره أحد مواطن الخلل في تونس طيلة السنوات الثماني الماضية، مبرزا ضرورة تكريس مبدأ تكافؤ الفرص بين الأحزاب، عبر التأكد من شفافية التمويل ومصادره، وتوفير الحد الأدنى من التمويل العمومي.
وفي معرض حديثه عن دستور 2014 ، اعتبر بن جعفر أن التجرية التونسية تميزت بانتخاب مجلس وطني تأسيسي لصياغة دستور جديد تقدمي وضامن للحريات، وبصفة تشاركية على مدى سنتين (14 فيفري 2012 – 27 جانفي 2014)، مذكرا بأن دستور 1959 الذي تمت كتابته في ظروف مغايرة وبواسطة مجلس تأسيسي أحادي اللون، تطلب أكثر من 3 سنوات لصياغته. وأكد أن مصادقة المجلس في الليلة الفاصلة بين 26 و27 جانفي 2014 بقصر باردو، على الدستور الجديد بـ 200 صوت مقابل 12 صوتا معارضا و4 أصوات محتفظة، كانت لحظة فريدة جسمت الوحدة الوطنية، باعتبار أن المجلس نجح في التوفيق بين الشرعية الانتخابية والشرعية التوافقية، في إطار تغليب المصلحة الوطنية على حساب التجاذبات السياسية.
من جانبه، دعا رئيس لجنة البندقية جياني بوكيكيو، في مداخلته، إلى ضرورة فسح المجال أمام تطبيق الدستور بشكل كامل، واحترام المبادئ الواردة فيه قبل التفكير في تغييره، معتبرا أن تكريس الديمقراطية تمرين يومي لا ينتهي، واصفا الدستور التونسي ب “المركب” حيث تمت صياغته بتشريك المجتمع المدني عكس بعض الدساتير التي تم فرضها من الخارج.
وأبرزت الأستاذة الجامعية ووزيرة العدل السابقة بجمهورية ألمانيا هيرتا دوبلر غيملين في مداخلتها، ضرورة العمل على ارساء المحكمة الدستورية، منوهة بتنصيص الدستور على عدم الافلات من العقاب ومساعدة ضحايا الاستبداد.
أما الأستاذ بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس وحيد الفرشيشي، فقد عبر في تصريح إعلامي، عن استغرابه من الحديث عن تغيير الدستور رغم أنه لم يتم تطبيقه بصفة كاملة، لاسيما وأن عديد المؤسسات الدستورية وأهمها المحكمة الدستورية لم تر النور بعد، داعيا إلى التريث لعهدتين أو ثلاث عهدات برلمانية قبل التفكير في تنقيحه.
يذكر أن هذا ملتقى العلمي، نظمته جمعية البحوث حول الانتقال الديمقراطي، والمرصد التونسي حول الانتقال الديمقراطي، ومركز تونس لمؤسسة فريديريش إيبرت، بمناسبة الذكرى الخامسة لإعلان دستور الجمهورية الثانية.
وقد تضمن مداخلات لعدد من الخبراء التونسيين والأجانب، بهدف البحث في بعض المسائل المتعلقة بالدستور، على ضوء ما تمت ملاحظته بعد دخوله حيز التطبيق.