ساعات تفصل النهضة عن اتخاذ قرارها المتعلق بالانتخابات الرئاسية والذي يراوح بين تاهيل شخصية من داخلها لخوض السباق او دعم شخصية من خارجها سوى بشكل مباشرة من الدور الأول او الغالب انطلاقا من الدور الثاني، لكن النهضة لن يكون أمامها اتخاذ القرار ثم فض فعاليات الشورى وانتهى الأمر، عليها ان تقدم شروحات ضافية لقواعد باتت متململة تبحث عن نفسها داخل قرارات الحركة ولم تعد راضية بالانضباط الصارم الذي أصبحت تتعامل معه في الكثير من الأحيان بحساسية مفرطة.
على النهضة إذا قررت ترشيح شخصية نهضاوية ان تقدم خارطة طريق الفوز بشكل عملي ومنهجي وواقعي، وإلا عليها ان تخبر قواعدها ان الامر يتعلق فقط بالمشاركة من أجل المشاركة وأنها على ثقة بالمرور من الدور الأول، وتقدم في ذلك وصفة واضحة، ثم تحيطهم علما انها تعلم يقينا انهم سيتحالفون ضدها في الدور الثاني، وحتى ان وعدتها كل أحزاب المنظومة القديمة وغالبية الطيف اليساري بالتوجه الى قواعدهم لدعم مرشح النهضة سوف لن تستجيب تلك القواعد ولو بنسبة مجهرية، لانها في مجملها قواعد متنقلة طوافة والكثير منها اختار لافتات يسارية او زلمية نكاية في النهضة.
قد تذهب النهضة تجاه ترشيح الأستاذ عبد الفتاح مرور، والرجل لا شك من أكثر الساسة التونسيين ذكاءا وبرغماتية ومرونة و”قبولا”، يشبه الرئيس الراحل في الكثير من المناحي، من حيث البيئة العاصمية، ومن حيث حضور البديهة، ومن حيث النكتة واللباقة والقدرة على شد الناس، يتميز مورو بثقافة أوسع ولغة اقوى اكتسبها من الحقل الإسلامي الدعوي ومن اروقة المحاكم ومن حله وترحاله، لكن على النهضة ان تحذر، فمنظومة السحر التي رفعت الابتذال الى مستوى شخصيات وطنية وصنعت الرموز من رماد التجمع، قادرة على شيطنة رموز البلاد وطليعتها اذا شعرت بهم يتقدمون تجاه المنصات الحساسة، ثم ان عبد الفتاح مرور من الشخصيات الاجتماعية التي تتسلطن بتلقائيتها، بفكاهتها، بخزانها المعرفي، وهذا الامر يصلح مع شخصية مثل السبسي، ابن المنظومة تحميه وتطحن ما أتى من كبائر فتحولها إلى صغائر ثم تحولها ثانية الى مزايا في رصيد الرجل بعد ان كانت مثالب عليه..
الموز والقردة والكوع والبوع وماهي الا مرا والحارزة، ونعته لليوسفيين بالكلاب ووصفه لمن سألوه عن صباط الظلام بــ”البهايم” وعبارت مخلة من قبيل “برا رهــ…” هذه العبارات التي عوتب عليها السبسي بلطف ، ثم تحولت بحكم البروباغندا الى ماركة سبسية مسجلة، لو صدرت من عبد الفتاح مورو لكانت كفيلة بعزله من جميع المناصب وطرده من كافة “معاهد” الدولة مدى الحياة.
لذلك على كل من سيأتي الى الدولة من الثورة او من خارج المنظومة التقليدية للسلطة، عليه ان يجنح الى الحذر ويميل الى الرسميات ويضبط سلوكه وخطابه وعلاقاته، عليه ان يتكلم بلغة سياسية مقروءة لا يخرج عنها لغيرها، لأن الفضاء المحيط يعج بالقناصة! قناصة من طينة خبيثة استعملوا السمك لتشييد حملة طويلة وممنهجة على أول رئيس ديمقراطي في تاريخ تونس، ثم لم يحركوا ساكنا امام ابن الرئيس الذي استحوذ على ختم رئاسة الجمهورية، ومنع الرئيس من توقيع القوانين واستعمل قانون الانتخابات في عملية بيع وشراء مع نبيل القروي..وعليه تصبح الشخصية التي تعمل اكثر وتصمت اكثر، أقدر على تجاوز فخاخهم وحقول الغامهم وجحافل قناصتهم، وأولى بالتقدم للرهان على المنصب ان اختارت النهضة الدفع بمرشحها الخاص، ولا شك تملك النهضة الكثير من القيادات بهكذا مواصفات.
لم تعد فسحة الوقت تكفي للمزيد من التاجيل، واصبحت النهضة مجبرة تحت الحاح الوقت على الإفصاح، والاغلب انها لن ترشح من داخلها، وأنها ستقرر المشاركة بقوة في الانتخابات الرئاسية من خلال تفويض قواعدها في الدور الأول مع لجم مكاتبها الجهوية والمحلية، ثم الدخول في الدور الثاني بثقلها لحسم السباق.
