بقلم: شكري بن عيسى، باحث في القانون والفلسفة
حسمت النهضة رسميا أمرها عبر اعلى هيئة قرار بعد المؤتمر (مجلس الشورى) حول مرشحها لقرطاج، مورو صار المرشح الرسمي لمونبليزر للسباق الرئاسي باغلبية تقارب الاجماع (98 صوتا)، ولا ندري الحقيقة ان كان الغنوشي صاحب امتياز الترشح وامتياز التزكية (مكانه) قد قبل بالامر بكل تداعياته، اذ يبدو الامر ملتبسا لحد اللحظة ولكن ترشيح مورو تم الاعلان عنه رسميا على صفحة الحزب، ما يعني ان الامر الان في تحصيل الحاصل حتى لو كان رئيس النهضة غير قابل بشكل كامل.
الغنوشي سبق وان دخل في مفاوضات مع الشاهد حول دعم النهضة له، والمكتب التنفيذي قدم مشروعا للشورى في اتجاه مرشح من الخارج يكون على الاغلب الشاهد او الزبيدي، لكن بعد تساوي التصويت تقريبا في “الشوط الاول” للشورى (45 – 44) يبدو ان الكفة مالت للداخل وتحديدا في شخص مورو في “الشوط الثاني”، والاتجاه يظهر انه كاسحا فتلك العملية الاستعراضية بالمشي وراء جنازة السبسي اتت ثمارا عالية، والدعاية والاشهار المكثف حمله لينال اجماعا لم يكن يتخيله في وضعية أخرى.
لن يكون الغنوشي بحال مرتاحا لتصاعد شعبية مورو داخل وخارج الحركة، وهو الذي برغم رئاسته قلعة مونبليزير الا انه مرفوض بشكل عالي خارجيا وحتى داخليا فهو غير مرغوب في الترشيح للمناصب العليا للدولة، واليوم صعود الشخصية الفصيحة “البلدية” ستحجمه خارجيا كما داخليا، ومورو يبدو انه سيجتاز الغنوشي باشواط بهذه الحركة، فالرجل صاحب كاريزما ولسان طليق وثقافة واسعة وحضور اعلامي فارق لا يملكهم الغنوشي.
الطلق الناري جاء من فم الغنوشي بسرعة ولكن على حساب فايسبوك صهره رفيق عبد السلام بوشلاكة ، الذي بسرعة البرق رمى ذبابة قذرة في صحفة عسل الترشيح، بادعاء انه “خيار خاطىء” حتى لو نال الاجماع، معبرا عن حالة اختناق صهره بهكذا ترشيح سيركله في الحواشي، ويرمي به في نهايات رحلته في الهوامش، ولا ندري الحقيقة كيف ستمر الليلة على الصهر وصهره، وقد بدأ النفوذ يتقلص والامتيازات تشحّ والجاه يتراجع.
كان لا بد من الانطلاق من الغنوشي برغم ان عنوان المقال يشير للرابحين قبل الخاسرين، ولكن كان لزاما الانطلاق من صاحب المفتاح الذي بدأت مفاتيحه تتعطّل، وفي الحقيقة ان كان من اكبر المتضررين فهو لم يكن لوحده، فترشيح مورو سيعيد تشكيل نوايا التصويت ويعدّل الارقام، في اتجاه التخفيض سواء بالنسبة لمرشحي النداء ومشتقاته، القروي وعبد الكريم الزبيدي والشاهد ومن في فلكهم، او بالنسبة للشق المحسوب على الثورة بمختلف تفريعاته، قيس سعيد ومحمد عبو والمروزقي والجبالي والصافي سعيد..
الاوائل بظهور شخصية متوازنة تحوز القبول المجتمعي الى حد محترم، فهي بالضرورة ستأخذ من الاصوات التي كانت موجهة لهم، والمجموعة الثانية التراجع مرده توجيه اصوات خزان النهضة لمرشحهم الداخلي بعد ان كانت مفرقة في جزء هام بينهم، والامر طبيعي جدا لكن ليس الى حد تصدر مورو الطليعة، فالنهضة اليوم رصيدها الانتخابي تضاءل واصبح تحت نسبة 15% في احسن الاستبيانات، واضافة الى ذلك فستواجه هجوما كاسحا باتهامها بالهيمنة على الحكم، وستكون خسارتها الفعلية سياسيا واعتباريا غير صغيرة..
النهضة في المقابل ستخلق حماسة لدى انصارها في الرئاسية ما سينعكس ايجابا في التشريعية، ولكن الماكينة الاعلامية والتكتل من بقية الاحزاب سيقوم بالاثر المعاكس، هذا فضلا عن العامل الخارجي حيث ستشتغل القوى الاقليمية الخليجية كما الغربية، لوضع العصي في العجلات الامامية كما الخلفية، ولن يكون الامر سهلا بحال وسترجع النهضة الى سنوات 2011 و2012 و2013 و2014، وستكون بذلك في المحصلة من الخاسرين حتى ان تلافت التقسيم الحزبي الذي كان سيحصل من جراء الترشيح الخارجي..
لكن في المقابل النهضة سيكون ربحها في استعادة وحدتها الى حد ما، اذ بترشيح شخصية اجماعية سيتم خلق ديناميكية داخلية، وهو العنصر الايجابي الاكبر بالنسبة للنهضة، كما انها تلافت اشكالية الوقوع في مأزق دعم هذا الطرف على حساب هذا، خاصة وان اهم المرشحين لا ضمان على فوز احدهم، كما انها لن تحصل على تسوية في مقابل دعمها لاحدهم، في الوقت الذي سيرفض اغلبهم الترشيح المعلن الذي ستكون خسارته عالية، فالنهضة من الواضح ان من ستدعمه سيكون خاسرا حكما..
الا ان ما لم تحسب له الحركة ذات المرجعية الاسلامية حسابا هو توحيد اغلب القوى “الوطنية” و”الحداثية” ضدها، وستكون الارضية خصبة للتوحد في الخطاب وربما عبر تحالفات في الرئاسة، وعبير موسي ستكون أبرز الغانمين بتصعيد خطاب الكراهية والاقصاء، وستجلب لملعبها الكثير ممن يعيشون على فوبيا النهضة والحنين الى الماضي التي سترتفع اسهمها، وطبعا بقية العاجزين عن تقديم مشروع وبرنامج سترجع لهم الحيوية، بمجرد تقديم برنامج معارضة وهجوم على النهضة..
الوضع الاقليمي المتفجر لن يسمح للنهضة بتحقيق نتيجة ذات اعتبار ولا شيء يصب في اتجاه حتى ضمان مرور مرشحها للدور الثاني، وحتى ان مرت فحظوظها تكاد تكون منعدمة، لكن الاخطر اليوم هو تقريبا شبه حصول احد المرشحين من المنظومة القديمة للدور الثاني او كلاهما، على الارجح الزبيدي ونبيل القروي حيث سيكون الحسم على الاغلب في النهاية للزبيدي كما تبقى حظوظ القروي قائمة، وسيكون بذلك مورو مجرد “حصان طروادة” لمرور مرشح السيستام المدعوم امريكيا واماراتيا..
النهضة مرة اخرى تثبت انها حركة سياسية هاوية، تعمل بطريقة انفعالية في هذا الاتجاه او ذاك، اما تحت خوف ورهبة الغنوشي وزمرته او تحت حماس بطولي، يبدو انه سيتلاشى مع بداية تلقي الضربات الاولى، فالنهضة التي لا تحوز في نوايا التصويت ما يفوق 15%، ما كان عليها ان تدعي القوة وتقرر المشاركة في الاستحقاق الرئاسي، بطريقة انطباعية عاطفية دون دراسة وتعمق وتمحيص لكل النتائج، التي ستكون في جملتها في غير صالح مونبليزير..
