آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. أكد رياض الشعيبي، القيادي بحركة النهضة، والمستشار السياسي لزعيم الحركة راشد الغنوشي، في حواره مع “أفريقيا برس” أن “الحركة لا تتبنى أي فكر عنيف وترفض أي محاولة لاستئصالها سياسياً ولن تسمح بمحاولة تكرار تجربة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.
وشدد على أن الحركة حددت منذ “الانقلاب” سياساتها في التعاطي معه من خلال المقاومة المدنية والسلمية ضمن حالة وطنية جامعة”، نافيا ما راج من “أكاذيب” بخصوص مساعيها اغتيال الرئيس قيس سعيد، والتي اعتبرها مجرد حملة تحريضية لأجل دفع السلطة لاتخاذ مزيد من الإجراءات الانتقامية ضد الحركة وضد كوادرها”. وفق تقديره.
وأكد أن كل “قوى المقاومة السياسية المدنية والسلمية لازالت إلى حد الآن صامدة أمام محاولات الضغط المعنوي والهرسلة الأمنية”، كما” لازلت النهضة تأمل في توسيع الشراكات وصولا لتعديل موازين القوى السياسية والشعبية لصالح الديمقراطية من جديد، رغم تعثر العمل المشترك في الوقت الحالي.”
واعتبر أن “المشهد الوطني بصدد التطور الايجابي وإن كان ببطء. فأغلب القوى السياسية اليوم تحولت من موقع دعم الانقلاب، إلى ما يشبه الإجماع في معارضة ما حصل ورفض سياسات السلطة والتصدي لها خاصة بعد توسع الاعتقالات لتطال أغلب العائلات السياسية والأيديولوجية”. وبرأيه “هذه التحولات سيكون لها تأثير ايجابي على وحدة الموقف تجاه السلطة”.
ورياض الشعيبي هو سياسي وأكاديمي تونسي، يُعد من الوجوه البارزة في حركة النهضة، حيث يشغل منصب المستشار السياسي لراشد الغنوشي. كما يُعد من أبرز قيادات جبهة الخلاص الوطني، التي تضم مجموعة من الأحزاب والشخصيات المعارضة للمسار السياسي الذي انطلق في 25 يوليو 2021.
ما هو تعليقكم بخصوص الأحكام المشددة التي طالت رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي فيما يعرف بقضية التآمر؟
هناك إرادة واضحة للتنكيل بالشيخ راشد الغنوشي وإلصاق مجموعة من التهم الجنائية والإرهابية به دون أن تستطيع السلطة أن تقدم دليل إدانة واحد ضده، وفي محاكمة لا تتوفر على الحد الأدنى من الضمانات القانونية، وفي تغييب كامل له عن حضور جلسات المحكمة. وأخيرا تصدر المحكمة أحكاما سجنية خيالية في حقه تجاوزت إلى حد الآن في مجملها 40 سنة سجنا، آخرها 14 سنة في الجلسة الأخيرة، وفي انتظار بقية القضايا الباطلة المرفوعة ضده.
ذكرت في تصريح مؤخرا أن حركة النهضة تشهد حصارا منذ سنة 2021، كيف يمكن للحركة الحفاظ على حضورها السياسي في ظل استمرار سياسة التضييق ضدها وضد رموز المعارضة؟
طبعا ومنذ الانقلاب على المسار الديمقراطي في 25 جويلية 2021، وحركة النهضة تعاني من حصار وتضييق ممنهجين. فإضافة لاعتقالات عديدة طالت قياداتها وكوادرها، جاء إيقاف رئيس الحركة وإغلاق كل مقراتها منذ أكثر من سنتين، ليبلغ بهذا التضييق ذروته. غير أن الأرصدة السياسية الواسعة للحركة مازالت تحافظ على حضورها السياسي والإعلامي والميداني وعلى فاعلية هذا الحضور. فالحركة حزب قانوني يمارس أنشطته السياسية في إطار من العلنية، ومتمسك باستمرارية نشاطه العلني والقانوني. بل أن الحركة تدعم هذا الحضور السياسي من خلال مشاركتها في العمل المشترك داخل جبهة الخلاص الوطني، وتطمح لتوسيع قاعدة المشتركات مع أغلب القوى السياسية في أفق عمل وطني جامع كفيل باستعادة بناء المسار الديمقراطي.
هناك جدل بين نشطاء إسلاميين من حركة النهضة ومن محيطها في الآونة الأخيرة حول مسألة حل الحركة لنفسها، وإن كانت ستمثل مخرجا مشرّفا لحركة خسرت ثقلها التاريخي والسياسي والديني بعد تجربة الحكم في العشرية الأخيرة، ما رأيك في ذلك؟
أولا، لا يمكن الحكم على حركة النهضة تحت وطأة الاستبداد، إذ من الطبيعي أن تحصل حالة انكماش داخلها تحت ضغط السلطة وتهديدها للحريات. الصندوق الشفاف وحده من يحدد حجم حركة النهضة وعلاقتها بخزانها الانتخابي. هذا الصندوق أعطى في كل المناسبات لحركة النهضة ثلث أصوات الناخبين، ما يعني أن من بين كل ثلاثة تونسيين هناك ناخب محافظ وديمقراطي يعطي صوته لحركة النهضة.
وحتى بعد الانقلاب الرئاسي فإن حركة النهضة حافظت على موقعها باعتبارها القوة السياسية والاجتماعية الأولى في البلاد. لذلك لا مبرر للحديث عن حل النهضة نفسها بذريعة تراجع حضورها وتأثيرها. طبعا هذا الواقع لا يعني أن حركة النهضة لا تحتاج لتقييم مواطن الخلل في عملها وضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتصحيح أخطائها، والإنصات لمطالب أحزمتها السياسية والاجتماعية المطالبة بالتغيير.
هل يعكس هذا المقترح جدل فكري أم ردود فعل على الأزمة بالهروب منها والسعي لخلق واقع جديد؟
حركة النهضة كانت تتغذى طوال تاريخها من حالة حوارية قلقة تساهم في تطوير أفكارها وأدائها. لذلك الجدل الفكري السياسي الذي يكتنفها في هذه المرحلة ليس حدثا استثنائيا في مسارها، بل يمثل الوضع الطبيعي الذي طالما عاشتها في محطاتها الكبرى، بين التزامها النضالي مع الواقع وتطوير تجربتها السياسية والفكرية. بل حتى فكرة حل حركة النهضة نفسها، فهي ليست فكرة جديدة، إنما كانت شعارا لمبادرات سياسية في مراحل سابقة، ولم تكن مجرد استسلام لمنطق الفشل الذي تحاول بعض القوى المناوئة التسويق له اليوم.
هل ستنخرط حركة النهضة وجبهة الخلاص الوطني في مبادرات مع أحزاب معارضة في الفترة القادمة؟
منذ انقلاب 25 جويلية ونحن ننادي كل القوى السياسية للعمل المشترك الكفيل باستعادة المسار الديمقراطي، وقد نجحنا في بناء شراكة في عمل مواطني تحت عنوان “مواطنون ضد الانقلاب”، ثم شاركنا في تحويله إلى جبهة سياسية هي جبهة الخلاص الوطني إلى جانب قوى سياسية عديدة. ولا شك أن ذلك قد دعم أسس العمل المشترك، ولا زلنا نأمل في توسيع الشراكات وصول لتعديل موازين القوى السياسية والشعبية لصالح الديمقراطية من جديد.
برأيك هل سيكون لهذه المبادرات المتعددة ومن عائلات سياسية مختلفة تأثير ايجابي على المشهد السياسي والحقوقي في البلاد؟
المشهد الوطني بصدد التطور الايجابي وإن كان ببطء. فأغلب القوى السياسية اليوم تحولت من موقع دعم الانقلاب أو مجرد التنبيه لانحرافه، إلى ما يشبه الإجماع في معارضة ما حصل ورفض سياسات السلطة والتصدي لها. وهذا تغيير كبير حصل في البلاد وخاصة بعد توسع الاعتقالات لتطال أغلب العائلات السياسية والأيديولوجية. هذه التحولات سيكون لها تأثير ايجابي على وحدة الموقف تجاه السلطة، وحتى إمكانية العمل المشترك رغم تعثره في الوقت الحالي.
هل تسير تونس بعد 25 جويلية نحو مرحلة موت السياسة والأحزاب؟
هذا ما تريده السلطة، تفكيك كل القوى السياسية المعبرة عن تنوع المجتمع التونسي والمدافعة عن مصالحه، للاستفراد بالتونسيين وفرض تصوراتها الفوضوية عليه. لكن قوى المقاومة السياسية المدنية والسلمية لازالت إلى حد الآن صامدة أمام محاولات الضغط المعنوي والهرسلة الأمنية العنيفة.
لماذا تتهم النهضة باغتيال قيس سعيد؟ وما ردكم على ذلك؟
حركة النهضة تنفي قطعيا مثل هذه الأكاذيب ولا تتبنى أي فكر عنيف. وقد حددت منذ الانقلاب سياستها في التعاطي معه من خلال المقاومة المدنية والسلمية ضمن حالة وطنية جامعة. لذلك لم يكن مطروحا في أي وقت من الأوقات أي شكل من أشكال العنف في عملها المقاوم.. لكن ما حصل من حملة إعلامية ضد الحركة إنما كان عملا تحريضيا وضاغطا على صاحب القرار داخل السلطة لدفعه لاتخاذ مزيد من الإجراءات الانتقامية ضد الحركة وضد كوادرها. وهو نفس الدور الذي لعبته هذه الأطراف الأيديولوجية والاستئصالية المتحالفة مع السلطة لدفع بن علي لاستهداف الحركة. لكن هذه المرة الوضع مختلف، ولا يمكن أن نسمح للتاريخ أن يعيد نفسه مرتين، ولنفس الجريمة التي ارتكبها بن علي ضد حركة النهضة، رغم فشلها، أن تعيدها سلطة 25 جويلية اليوم.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس