هدوء ساد العملية الانتخابية في تونس، ولا مفاجآت متوقّعة

49
هدوء ساد العملية الانتخابية في تونس، ولا مفاجآت متوقّعة
هدوء ساد العملية الانتخابية في تونس، ولا مفاجآت متوقّعة

إلهام اليمامة – آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. أغلقت مراكز الاقتراع في انتخابات الرئاسة التونسية أبوابها، مساء الأحد، بنسبة تصويت أولية تجاوز 20 بالمئة. وبدأت عملية فرز الأصوات. وسيبدأ مساء الاثنين الإعلان النتائج الرسمية الأولية لهذه الانتخابات التي تميّزت بالهدوء على جميع المستويات.

غاب التحشيد الحزبي والجهوي والأيديولوجي، مثلما خفت صوت المعارضة المنقسمة بين مقاطعين وقابعين في السجن. لم يكن هناك إعلانات انتخابية وفرغت الشوارع من الملصقات الإشهارية، ولم تأت الحافلات الممتلئة بالمؤيّدين قادمة من مختلف أنحاء البلاد للعاصمة في مسيرات تأييد. وغابت مصطلحات من قبيل شعارات تيارات ثورية وتقدمية ويسار ودستوريين. ولا يتوقع أن تحمل مفاجآت على مستوى النتائج.

إقبال الكهول وغياب الشباب

دعت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات نحو 9.7 مليون تونسي للتصويت في الاقتراع. وقبل يومين انطلق التصويت في القنصليات والسفارات في الخارج، ويوم الأحد شهدت مراكز الاقتراع داخل تونس إقبالا محتشما لكنه يبقى أفضل مقارنة بما جرى في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي سجّلت سابقة على مستوى نسبة التصويت.

وقال رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر أنه “لم يشهد أي حدث قد يؤثر على حسن سير العملية الانتخابية. وخلال جولة لـ”أفريقيا بس” في مراكز الاقتراع بين منطقة فوشانة وأريانة وحي النصر، وبالتواصل مع صحفيين داخل الجمهورية في توزر وسيدي بوزيد وسوسة، تكاد تكون الصورة واحدة غلبة تواجد الكهول وكبار السن على أصوات الشباب وحتى النساء، حث كان لافتا غياب المرأة هذه المرة مقارنة بالانتخابات الرئاسية السابقة.

أسباب كثيرة تبرر هذا الغياب للمرأة والشباب تحديدا أبرزها أن غياب الإسلاميين. وتنافس على أصوات التونسيين ثلاثة مرّشحين: قيس سعيّد، الذي يتطّلع إلى ولاية ثانية، والأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي ورئيس حركة عازمون ورجل الأعمال الذي يخوض السباق من داخل السجن العياشي زمّال.

وحسب الإحصاءات الأولية لمؤسسة مؤسّسة سبر الآراء سيغما كونساي جاء العياشي زمّال في الرتبة الثانية بعد قيس سعيد رغم أنه لم يكن معروفا في الساحة السياسية كما لدى الشارع التونسي قبل أن يترشّح ويتمّ إيداعه السجن في خضم الحملة الانتخابية. وحل المغزاوي الثالث ما يعني إصرار الشارع على إقصاء كل وجوه المنظومة السابقة حتى لو كان المعارضة أو من مؤيدين لمسار 25 جويلية.

وفي تصريح لـ”أفريقيا برس” يقول عضو مجلس نواب الشعب عبد السلام الدحماني، إن “نسبة التصويت في الانتخابات الرئاسية لن تكون هي ذاتها في الانتخابات البرلمانية.. إذ تعتبر الانتخابات الرئاسية الامتحان الأكبر والأصعب بالنسبة لكل الفاعلين المدنيين في تونس. من خلالها يمكن تغيير شروط وقواعد بل وحتى ملامح الحياة السياسية ولأنها كذلك فإن التحفيز على المشاركة كان شديدا ليس فقط بالنسبة للمرشحين بل وبشكل غير مباشر بالنسبة لأنصار الذين تم إقصاء ترشّحهم نظرا لعدم استيفائهم للشروط القانونية.. هؤلاء سيصوتون للأقرب أو لنقل سيتكتّلون ضد العدو المشترك.. لازالت الممارسة السياسية تقوم على تحالفات لا علاقة لها بالقرابة الفكرية أو بوحدة المشاريع.. بل تقوم على قطع الطريق أمام مرشّح بعينه لأنه يمثل مصدر الخطر ويهدد استمرارية مصالحهم..”.

ويوضّح النائب فتحي المشيرقي أن “الانتخابات الرئاسية في مخيّلة المواطن التونسي واجب وطني مقدسة ويعتبرها إجبارية على عكس باقي المحطات الانتخابية من محلية أو تشريعية أو بلدية، لذلك يمكن القول إن هذه الانتخابات ستكون ناجحة وبنسبة إقبال معقولة”.

نزار شبشوب، أربعيني، من التونسيين الذين أدلوا بأصواتهم من الساعات الأولى وقد قابلناه في مركز الاقتراع بحي النصر، وقال لـ “أفريقيا برس” إنه صوّت لولاية ثانية لقيّس سعيّد حتى “يتمكّن من مواصلة مساره تطهير الجمهورية من الفساد”.

وغير بعيد عن مركز الاقتراع بمدينة فوشانة كان هناك مقهى عصري يغلب على روّاده الشباب، توجّهنا إلى شاب منهم وبدا من غياب الحبر الانتخابي عن إصبعه أنه لم يدل صوته. سألنه إن كان سيذهب للاقتراع فرد بأنه “غير مهتم ولن يصوّت لأي شخص: فهو لم يسمع بالعيّاشي زمّال من قبل والمغزاوي بالنسبة إليه من وجوه المعارضة القديمة التي لم تقدّم شيئا بل ساند قيس سعيد في مساره بعد 25 جويلية أما قيس سعيّد فقد استفاد من الشباب في الانتخابات السابقة ثم تنكّر لهم”، حسب رأيه.

نجح قيّس سعيّد في انتخابات 2019 في أن يصنع الحدث في تونس ويضعها مرّة أخرى في واجهة الاهتمام العالمي. فنادرا في العالم العربي وحتى العالم ما يصل إلى أعلى هرم في السلطة مرشّح غير مدعوم، بشكل واضح وصريح، من حزب سياسي، ولا ينتمي لأي حزب يدافع عن خياراته في البرلمان. لكن، تجاوز قيس سعيّد هذه “الورطة” في عام 2021 عندما حل البرلمان المنتخب وعزل الحكومة وأعاد كتابة الدستور في خطوة بدت “تحيد بتونس عن المسار الديمقراطي الذي تم رسمه منذ 14 جانفي 201′′، وفق الحقوقيين، وفي خطوات وصفتها المعارضة بأنها “انقلاب”.

اليوم، يخوض قيس سعيّد الانتخابات بثقة أكبر من جهة أن هناك جانب كبير من الشارع التونسي مازال يؤمن بـ”خطته في محاربة الفساد” ويؤيّده في ملف “سجن المعارضة” ومن جهة أن بقية الأصوات ستتشتّت بين المرشحين الآخرين، وبين المقاطعين والعازفين عن التصويت.

معارضة غائبة

غاب عن هذه الانتخابات صوت المعارضة التقليدية لكن حضر صوت جماعات حقوق الإنسان التي تقول إن “قيس سعيد قوّض العديد من المكاسب الديمقراطية التي حصلت عليها تونس منذ جانفي 2011. وتتهم هذه الجماعات قيس سعيّد “بمحاولة تزوير الانتخابات بتوظيف القضاء والهيئة الانتخابية لتحقيق هذا الغرض”.

ويقول مصطفى عبد الكبير رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان لـ “أفريقيا برس”: “من جهة تأخر خطاب المعارضة لقيس سعيد وتأخر خطاب الساسة من جهة أخرى وتأخر خطاب الشخصيات الوطنية من جهة ثالثة، فقط المنظمات الحقوقية تكتّلت ضد تهديد الحريات”.

وتعرّضت عملية قبول ملفات المرشحين من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لانتقادات شديدة وصلت إلى اتهامها بالانحياز حين رفضت قرارا قضائيا بإعادة قبول مرشحين معارضين بارزين.

ويؤكّد عبد الكبير أن “شبكة الحقوق والحريات لها موقف واضح وهي أنها ضد قيس سعيد وتقول ذلك من خلال الشارع وهي على اتفاق أنها ضد هذا المسار وأن هذه الانتخابات غير شرعية وشابتها العديد من الإخلالات ومصداقيتها واستقلاليتها على المحك. كان هناك تنسيق واضح بين السلطة التنفيذية وهيئة الانتخابات رغم ذلك لم تتخذ المعارضة موقفا موحدا”.

ويستعبد عبد الكبير أن تكون نسبة الإقبال على الاقتراع مثل الانتخابات البرلمانية بل ستسجل نسبة أعلى، لكن مهما كانت النتيجة فإن تونس اليوم بدت مختلفة بشكل كبير.

من كل الانتخابات السابقة، التي واكبناها منذ 2011، إلى اليوم، بدا هناك شيء مختلف في وجوه التونسيين، غاب ذلك الشغف الذي كان يملأ الداخلين إلى مراكز الاقتراع رجالا ونساء وشبابا وحتى أطفال جاؤوا مع والديهم لوضع إصبعهم في الحبر الانتخابي وهم يلوحون بعلم تونس في براءة، كان غياب هذا المشهد بارزا ومؤثرا.

منذ الاستقلال سنة 1956 وحتى جانفي 2011، عرف التونسيون رئيسان الحبيب بورقيبة وخلفه زين العابدين بن علي الذين كانا ينظمان استفتاءات أو انتخابات نتيجتها دائما معروفة فوز 90% من الأصوات.

في نوفمبر 2014، أدلى سجّل التونسيون رقما قياسيا في تاريخ البلاد في نسبة التصويت فقد كانت المرة الأولى التي ينتخب فيها التونسيون رئيسا لهم في أجواء تعمّها الشفافية وحرية الاختيار. كانت حظوظ الرئيس السابق الباجي قايد السبسي وافرة مقارنة ببقية المرشحين الـ26. كانت تلك الانتخابات من أكثر الاستحقاقات صخبا ومنافسة بين الإسلاميين من جهة و”العلمانيين” والدساترة من جهة أخرى.

ولم يختلف الأمر كثيرا في انتخابات 2019 وإن سيطر عليها غضب الشارع، من حركة النهضة وكل الأحزاب سواء شريكتها في الحكم أو المعارضة. وكان الخيار على قيس سعيّد، وجه من خارج “السيستام”. اليوم لم يعد مهمّا نسبة التصويت ونسبة الفوز وإن كانت المؤشرات تشير إلى ولاية ثانية لقيس سعيّد، المهم بالنسبة للتونسيين توفّر الحليب الذي عاد للاختفاء من الأسواق.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here