أفريقيا برس – تونس. أصدرت محكمة تونسية أحكاما بالسجن تتراوح بين 13 و66 عاما على زعماء من المعارضة ورجال أعمال ومحامين، يتابعون ضمن ما يعرف بـ”قضية التآمر”.
ونقلت وكالة الأنباء الرسمية تلك الأحكام عن مسؤول قضائي من دون ذكر أي تفاصيل.
وتحاكم السلطات التونسية 40 شخصية سياسية وإعلامية وحقوقية بتهم “التآمر على أمن الدولة وتكوين تنظيم إرهابي”، بينما تؤكد المعارضة أن القضية سياسية بامتياز، وتهدف إلى قمع الأصوات الرافضة للإجراءات الاستثنائية التي فرضها الرئيس قيس سعيد منذ يوليو/تموز 2021.
وأصدرت المحكمة الابتدائية في العاصمة تونس أحكامها في القضية عقب جلسة رافقتها احتجاجات خارج مقر المحكمة رفع خلالها عشرات النشطاء وأهالي المعتقلين شعارات منددة بالمحاكمة، من بينها “سيب المعتقلين” و”أوقفوا المهزلة” و”حريات، لا لقضاء التعليمات”.
وطالب المحتجون بعقد جلسة علنية بحضور المتهمين، معتبرين أن المحاكمة تفتقر لأدنى شروط العدالة والشفافية.
وخلال الجلسة اعترض المحامون أمام القاضي بعد تلاوته لائحة الاتهام وطرحها للمداولة، من دون أيّ مرافعات من جانب الدفاع.
ومنذ بدء المحاكمة في الرابع من مارس/ آذار، طالب محامو الدفاع في مرافعات حادة بمثول جميع المتهمين حضوريا أمام المحكمة، وقد أعلن بعضهم إضرابا عن الطعام في السجن احتجاجا على حرمانهم من هذا “الحق الأساسي”، بعد أن طلبت منهم المحكمة الإدلاء بشهاداتهم عن بعد.
ووصفت هيئة الدفاع ملف القضية بأنه “فارغ”، في حين قالت منظمة هيومن رايتس ووتش غير الحكومية إن المحاكمة تجري في “سياق قمعي”.
وفر أكثر من 20 منهم إلى الخارج منذ توجيه الاتهام لهم. ويقبع بعض المتهمين من زعماء المعارضة، ومن بينهم غازي الشواشي وعصام الشابي وجوهر بن مبارك وعبد الحميد الجلاصي ورضا بالحاج وخيام التركي، في السجن منذ اعتقالهم في 2023.
وفي حين تقول السلطات إن المتهمين حاولوا زعزعة استقرار البلاد ونشر الفوضى وقلب النظام، تقول المعارضة إن التهم ملفقة وتُستخدم لإسكات المنتقدين وترسيخ حكم استبدادي فردي، وأكدت أن المتهمين كانوا يعدّون لمبادرة تهدف إلى توحيد صفوف المعارضة المشتتة، في مواجهة ما تصفه بـ”التراجع الديمقراطي”.
وفي وقت سابق، قال المحامي أحمد الصواب “طوال حياتي لم أشهد محاكمة كهذه. إنها مهزلة، الأحكام جاهزة، وما يحدث فضيحة ووصمة عار”.
وكان سعيد قد وصف عام 2023 المتهمين بأنهم “خونة وإرهابيون”، وقال إن القضاة الذين قد يبرؤونهم هم شركاؤهم في الجريمة.
وتداولت وسائل إعلام محلية قائمة غير رسمية للأحكام التي صدرت بحق المسجونيين السياسيين وكانت على الشكل التالي:
1- كمال بن يوسف اللطيف 66 سنة
2- محمد خيام التركي 48 سنة
3- نور الدين البحيري 43 سنة
4- عصام الشابي 18 سنة
5- جوهر الحبيب بن مبارك 18سنة
6- غازي بن الهادي الشواشي 18 سنة
7- رضا محمد الحاج 18 سنة
8- عبد الحميد بن محمد الجلاصي 13 سنة
9- حطاب سلامة 4 سنوات
10- رضا علي الجيلاني شرف الدين 16 سنة
11- صحبي سالم عتيڨ 13 سنة
12- السيد محمد الفرجاني 13 سنة
13- محمد بن محمد بن ضو
14- كمال بشير البدوي13 سنة
• المتهمين في حالة سراح:
15- محمد الأزهر العكرمي 8 سنوات
16- شكري بن عيسى بحرية 13 سنة
17- عياشي رابح الهمامي 8 سنوات
18- محمد المبروك الحامدي 13سنة
19- نور الدين بوطار 10 سنوات
20- محمد بشير اليدوي 13سنة
21- حمزة علي المؤدب 33 سنة
22- علي محجوب الحليوي 33 سنة
23- منجي العربي الوادي 33 سنة
24- كمال سعيد الڨيزاني 33سنة
25- رضا محمد ادريس 33 سنة
26- مصطفى كمال البنابلي 33 سنة
27- كمال الجندوبي *
28- نور الدين بن تيشة *
29- كوثر عمارة الدعاسي 33 سنة
30- رياض الشعيبي *
31- عبد المجيد الزار 33 سنة
32- تسنيم محمد الخريجي 33 سنة
33- نادية حطاب عكاشة 33 سنة
34- كريم بن محمد القلالي 25 سنة
35- رفيق عبد الرحمان الشعبوني 33 سنة
36- نجلاء خليفة اللطيف 33 سنة
37- بشرى بالحاج حميدة 33 سنة
38- برنار ليفي 33 سنة
39- شيماء عيسى 18 سنة سجن
40- محمد رؤوف خلف الله 33 سنة سجن
تصفية المعارضة
وفي تعليقه على المحاكمة قال قائد جبهة الخلاص نجيب الشابي -وهو أحد المتهمين في القضية بحالة سراح- إن الأحكام الصادرة لم تكن مفاجئة وإنها أشبه بـ”بيان سياسي بأروقة المحاكم يستهدف تصفية المعارضة وقطع آخر أنفاس الحرية في البلاد”.
وأكد الشابي أن القضاء في فترة حكم الرئيس سعيد فقد استقلاليته وأصبح “قضاء خائفا وخاضعا لسلطته وعصا غليظة يحاكم بها خصومه السياسيين”، مضيفا “كنا نعلم أن نهاية هذه المحاكمة ستكون بأحكام جاهزة، كتبت في مكاتب السياسة لا في قاعات القضاء، والهدف منها ليس تحقيق العدالة، بل دفنها، وتكميم أفواه المعارضين، وبث الرعب في نفوس كل من يجرؤ على نقد السلطة”.
ويشدد الشابي على أن هذه القضية لا تحتوي على أي دليل مادي يجرّم المتهمين، قائلا “لا وثائق، لا تسجيلات، لا وقائع ملموسة، بل تُهم فضفاضة واعتمدت على شهادات سرية، وإجراءات مشبوهة، أُريد بها صناعة مؤامرة من فراغ. إنها مجرد رواية مفبركة حبكتها السلطة لتبرير الانتقام السياسي، وخلق عدو وهمي تصب عليه فشلها السياسي والاجتماعي”.
قضية مفتعلة
وتعقيبا على الأحكام، قال القيادي بحركة النهضة رياض الشعيبي الذي يحاكم في هذه القضية إن “القضية سياسية بحتة والإجراءات القضائية ليست سوى تعلة لتمرير أحكام قاسية معدة سلفا في ملف سياسي مفبرك يعتمد على شهود سريين ووقائع خيالية”.
وأضاف الشعيبي أن “هذا الملف القضائي برمته لا يقوم على أدلة أو أفعال مادية، بل على اتهامات سياسية صيغت لشرعنة محاكمة معارضين وإخراس صوتهم وترهيب المجتمع ككل، في ظل مسار قضائي خاضع للسلطة ويفتقر إلى أبسط ضمانات المحاكمة العلنية والعادلة، في إشارة إلى رفض المحكمة لإحضار المتهمين للجلسة من سجونهم”.
وأضاف الشعيبي أن القضية “لا تعدو أن تكون واجهة قانونية لأجندة سياسية مبيتة، وأن الأحكام القاسية الصادرة تعكس خطاب الرئيس قيس سعيد القائم على التجريم والتخوين، بدل الحوار والانفتاح”.
واعتبر أن المحاكمة “وصمة عار في جبين السلطة وفضيحة قضائية بكل المعايير شابتها خروقات فادحة، من استبعاد الصحفيين ومنع للمتهمين من المثول أمام المحكمة إلى الاعتماد على شهود سريين ووقائع لا سند لها، مما يجعل من هذه المحاكمة حلقة جديدة في مسلسل استهداف الديمقراطية وحقوق الإنسان في البلاد”.
أحكام جائرة
بدورها، اعتبرت منية إبراهيم، زوجة القيادي السابق بحركة النهضة والمعتقل السياسي عبد الحميد الجلاصي، أن الأحكام الصادرة “ثقيلة وجائرة”، صدرت عن قضاء “يعمل تحت وصاية السلطة التنفيذية”.
وقالت “هذه الأحكام معدة وجاهزة سلفا ونابعة من القرارات السياسية التي لا علاقة لها بالعدالة”، مضيفة أن “هذه الأحكام لم تفاجئ عائلات المعتقلين، لأن الجميع يدرك مسبقا أنها ملفات مفبركة، أُعدّت لتصفية الخصوم وتخويف كل من يجرؤ على نقد نظام قيس سعيد”.
وشدّدت منية إبراهيم على أن ما جرى داخل قاعة المحكمة لم يكن سوى “مسرحية عبثية وفضيحة قضائية”، مشيرة إلى أن القاضي خلال الجلسة الثالثة للمحاكمة التي جرت أمس الجمعة استغرق 3 دقائق فقط لتلاوة قرار ختم البحث المتكون من 144 صفحة، ثم قام بسرعة البرق برفع الجلسة لإصدار الأحكام القاسية دون سماع أقوال المتهمين الذين شارك اثنان منهم من بعد أو سماع أقوال المتهمين الذين حضروا الجلسة وكانوا بحالة سراح في “خرق سافر للقانون”.
وأشارت إلى أن “القضية انطلقت بملاحظة مقتضبة دوّنها مدير عام الشرطة العدلية -وهو نفسه موقوف في قضايا فساد ــ وصولاً إلى جلسة المحاكمة التي لم تستغرق سوى دقائق حيث تم تجاهل المطالب الأساسية لهيئة الدفاع لإحضار المتهمين واستنطاقهم وفق القانون”، متسائلة “أليس هذا ظلما قضائيا واستبدادا مسلطا على المعارضين من قبل السلطة؟”.
تحركات نضالية قادمة
وأكدت منية إبراهيم أن القضية تعبّر عن تحول خطير في أداء الدولة، التي باتت تستعمل القضاء كأداة لتفكيك المعارضة وترهيب المجتمع، مشيرة إلى أن هذه المحاكمة سابقة خطيرة في تاريخ القضاء التونسي. وقالت إن عائلات المعتقلين السياسيين، ومعهم هيئة الدفاع، بصدد تقييم الخطوات المقبلة.
من جانبه، قال الناشط السياسي بلقاسم حسن إن الأحكام الصادرة ابتدائيا ضد المتابعين في قضية التآمر على أمن الدولة “جائرة وجاهزة مسبقا ومبنية على تهم باطلة ملفقة من نظام الرئيس سعيد ولم ترتكز على براهين”.
وأوضح حسن أن مسار الدفاع عن المساجين السياسيين سيتواصل عبر مسارين متكاملين أحدهما قانوني عبر الطعن لدى محكمة الاستئناف والآخر نضالي يتمثل في الوقفات الاحتجاجية وتكثيف الضغط الدولي لفضح ما يجري من محاكمات سياسية.
من جانبه قال كريم المرزوقي عضو هيئة الدفاع عن المتهمين، إن الهيئة ستعمل على استنئناف الأحكام الصادرة بحق المتهمين، متهما القضاء التونسي بأنه يخضع للسلطة السياسية وأن المتهمين يمثلون أمام محاكمة سياسية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس