بسمة بركات
أفريقيا برس – تونس. تشهد الأزمة بين الاتحاد التونسي للشغل والسلطة تصاعداً مستمراً، خاصة بعد إعلان الاتحاد تنظيم مسيرة احتجاجية بتونس العاصمة يوم الخميس القادم. ويأتي هذا التصعيد بعد الهجوم على مقر الاتحاد من قبل مجموعات من أنصار قيس سعيّد الأسبوع الماضي.
وبدأت اليوم السبت، اجتماعات تشاورية بين الهياكل النقابية الجهوية استعداداً للمحطات النضالية القادمة في إشارة إلى احتجاجات الخميس المقبل، والتهديد بالتصعيد وصولاً إلى الإضراب. الحكومة التونسية من جانبها اختارت التصعيد أيضاً، حيث قررت الخميس إلغاء “التفرّغ النقابي” واعتبرته مخالفة واضحة تفضي إلى إسناد امتيازات مالية لغير مستحقيها، بينما قال الاتحاد العام التونسي للشغل، إن الإجراء “حرب” على حقوقه.
بدوره، قال الأمين العام المساعد والمتحدث باسم اتحاد الشغل، سامي الطاهري، اليوم، أن الهيئة الإدارية للاتحاد في حالة انعقاد ومن المنتظر أن تجتمع مباشرة بعد الوقفة المقررة الأسبوع القادم لمتابعة الوضعية والتطورات الحاصلة، مؤكداً أن السلطة أغلقت كل أبواب الحوار منذ أشهر وتم إلغاء جلسات التفاوض وتقريباً كل أبواب الحوار معطلة.
وبين الطاهري أن إقرار وقفة احتجاجية ومسيرة “ليس تصعيداً بقدر ما يعتبر وسائل سلمية دفاعية احتجاجية”، مبيناً أنه “بعد اجتماع الهيئة الإدارية الاستثنائية كان لا بد من رد الفعل في رسالة للسلطة أنه لن يتم قبول الاعتداء على مقر اتحاد الشغل وأنه لا مجال لاستمرار غلق باب التفاوض؛ فهناك عدة اتفاقيات مع الحكومات بما في ذلك الحكومة الحالية وجلها لم تنفذ. وأضاف أن إقرار الوقفة والمسيرة هما أشكال سلمية ومن حق أي جسم نقابي واجتماعي التحرك إذا كان مستهدفاً، خاصة إثر الاعتداء على مقره، وتشويهه، مبيناً أن هناك عدة اتهامات لقادة الاتحاد بالفساد وهناك مسائل تمس كرامة الأشخاص وعائلاتهم.
وكانت الهيئة الإدارية للاتحاد العام التونسي للشغل، أعلنت في بيان لها الاثنين، تنظيم تجمّع وطني في ساحة محمد علي بالعاصمة، ومسيرة سلمية باتجاه شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة تونس. وقالت الهيئة إنها في حالة انعقاد دائم لمتابعة المستجدات واتخاذ القرارات المناسبة، وتحديد تاريخ الإضراب العام، خاصة في ظل استمرار ضرب العمل النقابي وتعطيل الحوار الاجتماعي، وعدم تطبيق الاتفاقيات الموقعة، وتواصل سياسة انتهاك الحق النقابي والاعتداء على الاتحاد.
إعلان حرب
يقول نقابيون في تونس، إن الحق النقابي يضمنه الدستور والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها الدولة. ودعت رئيسة الحكومة سارة الزنزري إلى “إنهاء العمل بالوضع على ذمة المنظمات النقابية (التفرغ النقابي)”، ودعت “المتمتّعين بهذا الإجراء إلى الالتحاق فوراً بمواقع عملهم”. واعتبرت “التراخيص المسندة سابقاً في الغرض مُلغاة من تاريخ صدور هذا المنشور المؤرخ في 11 أغسطس/ آب الجاري (معمول به منذ عام 1956)”. وطالبت الزنزري الوزراء بـ”اتخاذ الإجراءات الإدارية والقانونية اللاّزمة، في حال عدم احترام المتفرغين لأحكام هذا المنشور”. واعتبرت التفرغ النقابي وسيلة تفضي إلى “إسناد امتيازات مالية وعينية إلى غير مستحقيها، في مخالفة واضحة تتسبب في إثقال ميزانيات الهياكل العمومية”.
وفي تعقيبه على ذلك، قال سامي الطاهري متحدث الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر نقابة)، في تصريحات لراديو “ديوان إف” الخاص، الخميس، إن “إلغاء التفرغ النقابي يهدف إلى إشعال فتيل الحرب على الحق النقابي”. كما يندرج القرار، وفق الطاهري، “في سياق سياسي يؤكد أن الحكومة والسلطة الحاكمة ماضية إلى الأمام في التضييق على الحق النقابي”. كما اعتبر متحدث اتحاد الشغل الخطوة الحكومية “تأتي للتأجيج، أو ربما لإرضاء الرأي العام والأنصار (أنصار الحكومة) لا غير”.
السلطة تستهدف ضرب النقابات العمالية
من جانبهم، اعتبر محلّلون هذه المواجهة تهديداً لأبرز منظمة مستقلة وأحد أركان الديمقراطية في تونس. وقال نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة “هيومن رايتس ووتش” بسام خواجا لوكالة فرانس برس: “بعد أن كثّفت السلطات هجماتها ضد الأحزاب السياسية والجمعيات، يبدو أن النقابات العمالية أصبحت الآن هدفاً للسلطات، وهي واحدة من آخر أعمدة الديمقراطية في تونس”. ويضيف خواجا، أن “التهديدات المبطنة من الرئيس ضد المركزية النقابية تشكل انتهاكاً جديداً للمؤسسات التي يسعى سعيّد إلى تفكيكها”.
ويرى أستاذ التاريخ المعاصر في جامعات تونسية عبد اللطيف الحناشي للوكالة ذاتها أن ما حدث “يأتي في سياق متواصل لمشروع الرئيس قيس سعيّد الذي له موقف من الأجسام الوسيطة، ومنها منظمات المجتمع المدني”، مضيفاً أن “الخوف كل الخوف ألا يتحكّم الطرفان في ردود الفعل، الأمر الذي قد يؤدي إلى مواجهات لن تخدم البلاد”.
ويعتبر أن الرئيس عبّر عن موقفه بنوع من “التحدي الحادّ” الذي سيدفع الاتحاد إلى “التفاعل باتجاه التصعيد والدخول في معركة كسر العظم”. وعقد الاتحاد هيئته التنفيذية بشكل عاجل الاثنين، وردّ الأمين العام نور الدين الطبوبي على سعيد بالقول “لسنا من الذين سيُحكم عليهم بتكميم الأفواه، صوتنا عال”، منتقداً ما اعتبره “سيفاً مصلتاً” على النقابيين باتهامهم بـ”الفساد”، وداعياً إلى اللجوء إلى القضاء في حال توفّر ما يثبت الاتهامات.
وأعلن في أعقاب ذلك تنظيم تظاهرة ومسيرة الخميس المقبل “للدفاع عن الاتحاد” ولعودة المفاوضات الاجتماعية المعطلة مع الحكومة ولوّح بتنفيذ إضراب عام. ومنذ العام 2022، نفّذت السلطات حملات توقيف وملاحقات قضائية طاولت معارضين لسعيّد، من المنتمين إلى أحزاب سياسية أو من الناشطين والحقوقيين والصحافيين والقضاة، ما دفع العديد من المنظمات الحقوقية التونسية والدولية إلى التنديد مراراً بتراجع الحريات في البلاد. في المقابل، يؤكد سعيّد أن الحريات مضمونة في بلاده ومكفولة في دستور 2022، وأنه لا يتدخل في عمل القضاء.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس