الإذاعات الخاصة في تونس.. أزمات مالية تهدد التنوع الإعلامي

37
الإذاعات الخاصة في تونس.. أزمات مالية تهدد التنوع الإعلامي
الإذاعات الخاصة في تونس.. أزمات مالية تهدد التنوع الإعلامي

أفريقيا برس – تونس. الإذاعات الخاصة تجربة حديثة العهد في تونس انبثقت عن ثورة 14 يناير/ كانون الثاني 2011، التي أفضت إلى إسقاط نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي (1987-2011)، لتنقل إلى الشعب آراء ومواقف مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية بحرية وديمقراطية.

وبعد 12 عاما من الثورة، ها هي الإذاعات الخاصة في تونس تكافح للبقاء على قيد الأثير مثقلة بالديون، ما دفع بعض القائمين عليها إلى إعلاء الصوت لدعمها.

كمال ربانة، رئيس نقابة الإذاعات الخاصة وصاحب راديو “أوكسجين إف إم” الخاص بمنزل بورقيبة في ولاية بنزرت شمال تونس، وجّه في مقابلة مع الأناضول، نداء استغاثة لإنقاذ نحو 10 إذاعات جهوية تواجه مصاعب لمواصلة عملها.

تجربة ما بعد الثورة

خلال المقابلة التي أجريت في أحد استوديوهات راديو “أوكسجين إف إم”، قال ربانة: “منذ 12 سنة والإذاعات الخاصة تعاني معاناة شديدة، خاصة وأن التجربة حديثة العهد لأنها انطلقت بعد الثورة”.

وأضاف: “قبل الثورة كان هناك فقط الإعلام العمومي التابع للدولة، والإعلام الخاص التابع للعائلة الحاكمة (عائلة بن علي)، أي تابع للدولة”.

وبحسب مراسل الأناضول، قبل الثورة انطلقت 3 إذاعات خاصة في البث، هي: “موزاييك إف إم” التابعة لـ بلحسن الطرابلسي صهر بن علي (لم يذكر اسمه)، و”شمس إف إم” تابعة لإحدى بنات بن علي، و”إكسبرس إف إم” يملكها ابن طبيب بن علي السابق، وتوسع نشاطها وتعددت موجاتها بعد الثورة.

وعن ذلك يقول ربانة: “قبل الثورة، كان من المستحيل الحصول على رخصة إذاعة خاصة، والدليل أن أوكسجين إف إم كانت مجلة من عام 1996 تصدر شهريا تعنى بالصيد البري والبحري والبيئة، وفي 2002 و2005 و2009 تقدمت إلى وزارة الاتصال بطلب للحصول على رخصة إحداث إذاعة خاصة تعنى بالرياضة والبيئة، دون رد”.

ووفق ربانة، “كان مستحيلا أن يفتح أي إنسان إذاعة ما إلا إذا كان من العائلة الحاكمة، فقد كان صهر الرئيس الراحل يسيطر على الإعلام”.

وأضاف: “بعد الثورة، فتحت هيئة الإعلام السمعي البصري (حكومية) المجال أمام 12 إذاعة لدعم الإعلام الجهوي، وقالت إن أقصى طاقة للبث في تونس هي هذا العدد”.

وذكر أن هيئة الإعلام أرجعت ذلك إلى أنه عند تدشين إذاعات يمكن معرفة هل يمكنها الاستمرار أم ستظهر في طريقها مشكلات مادية تقنية، مثل مصاريف استئجار مقراتها، لافتةً أن “الإشكال الأكبر هو غلاء قيمة البث”.

وتابع ربانة: “الإذاعات الجهوية والوطنية الخاصة مؤسسات اقتصادية بامتياز يكون وراءها رجال أعمال، هذا طبيعي، وفي الجهات هم رجال أعمال صغار”.

وأكمل: “الظروف التي مرّت بها البلاد وخاصة الوضع السياسي المتدهور وتعاقب الحكومات كل 6 أشهر وكل سنة، جعل الوضع الاقتصادي صعبا، وهذا ما يجعل الإذاعات الخاصة تفتقد التمويل الذاتي”.

الحق في حصة من الضرائب

ويؤكد ربانة حق الإذاعات الخاصة في نصيب من الضرائب المفروضة على فواتير الكهرباء لصالح الإذاعة والتلفزيون، ويقول: “الإتاوة يدفعها المواطن لتمويل الإعلام العمومي”.

واستدرك: “لكن بعد الثورة، أصبح المواطن يتلقى المعلومة من القطاع العام والخاص، والإتاوة أصبحت من حق الإعلام العمومي والخاص”.

وتابع: “نحن كلنا أبناء هذا الوطن، وكمؤسسات لا فرق بين إعلام عمومي وإعلام خاص لأن القطاعين يقدمان معلومة للمواطن”.

وزاد: “لا نطالب بنصيب من الإتاوة لأنفسنا، فعندما تحدثنا مع لجنة المالية في مجلس النواب قلنا لهم حقنا في الإتاوة لا نريده للإذاعات بل للديوان الوطني للإرسال، ليس ليصبح مجانيا بل لتخفيف أجرة البث الباهظة حتى يصبح مقدورا عليها”.

إذاعات أغلقتها وطأة التكاليف وثقل الديون

أمام التعثر المالي، وجدت العديد من الإذاعات الخاصة نفسها مجبرة على إغلاق أبوابها في تونس.

وقال ربانة: “على نطاق وطني، هناك إذاعات خاصة وراءها رجال أعمال قادرون على الدفع، ولكن نخشى على مصير الإذاعات الجهوية الخاصة التي تقوم بدور أساسي في الجهات”.

وأضاف: “هناك إذاعات أغلقت أبوابها، وأخرى لم يتسلم صحفيون وتقنيون وعاملون فيها مستحقاتهم منذ أشهر”.

وعن الرسوم التي تسددها الإذاعات الخاصة للديوان الوطني للإرسال، قال ربانة: “كل إذاعة جهوية (بثها يقتصر على الولاية التي تعمل منها) تسدد ما بين 100 و120 ألف دينار (33.3 ـ 40 ألف دولار) سنويا”.

وأضاف: “أما الإذاعات التي يصل بثها إلى عموم البلاد فتسدد رسوما تراوح بين 1.8 و1.1 مليون دينار (600 ألف ـ 366.6 ألف دولار)”.

وأوضح أن ما يحدد قيمة الرسوم التي تدفعها الإذاعات الخاصة هو مدى الترددات التي تملكها وتسمح بتغطية بثها لمساحة أوسع في البلاد.

وبحسب ربانة، “تمتعت الإذاعات الخاصة بتخفيض قدره 75 بالمئة من كلفة الإرسال عن طريق مجلس وزاري، لكنه ارتبط بشروط أن تكون وضعيتها سليمة مع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (صندوق المعاشات) وأن تكون الديون القديمة مُجدولة”.

“هذا الأمر جعل المؤسسة غير قادرة على دفع رسوم الترددات ولا الديون الأخرى، مع ارتفاع كلفة كهرباء أجهزة البث وشبكات التقوية”.

وفي السياق، طالب ربانة بفرض رسوم موحدة للإذاعات الخاصة في الجهات (المحافظات) التي ليست لها نسبة استماع كبيرة، قيمتها 30 ألف دينار (10 آلاف دولار) في السنة”.

وأضاف: “الآن هناك 10 إذاعات جهوية خاصة في تونس و5 إذاعات وطنية خاصة”.

وأردف: “هناك 3 أو 4 إذاعات جهوية خاصة أصبحت مهددة بالإغلاق، وثمة إذاعات أصبحت غير قادرة على البث المباشر والقيام ببرمجة”.

“تجربتنا مهددة بالانقراض”

وقال ربانة: “تصنيفنا كشركات خدمات يهمنا ويهم كل الإذاعات، نحن لسنا مصنّعين ولا تجارا نبيع المواد الغذائية، بل نقدم خدمات للمواطن، ونكشف الحقائق والمشاريع المعطلة”.

وأضاف: “نريد التأكيد أن الإعلام دائما في الصفوف الأولى في مواجهة المصاعب، لكن مع الأسف تجربتنا أصحبت أصبحت مهددة بالانقراض”.

وتابع: “عند فوترة خدمات إشهارية نحن مطالبون بدفع ضريبة قدرها 19 بالمئة، ونريد تصنيفنا كعمل ثقافي وخدمات على غرار المدارس الحرة التي تقدم خدمات وعند الفوترة تدفع 7 بالمئة فقط”.

وأردف: “قدمنا هذا المقترح لمجلس النواب الأسبوع الماضي، كما طالبناه بإعفاء الإذاعات الجهوية من الديون المترتبة لدى الديوان الوطني للإرسال وإعفاء الإذاعات الوطنية الخاصة بنسبة 50 من ديونها”.

ووفق ربانة، “يبلغ حجم ديون الإذاعات الجهوية نحو 1.2 مليون دينار (400 ألف دولار)، بمتوسط يبلغ 150 ألف دينار (50 ألف دولار) على كل إذاعة، على أنها تختلف من إذاعة إلى أخرى”.

توزيع عادل للإشهار العمومي

ولإيجاد حلول لتمويل الإذاعات الخاصة الجهوية، قال ربانة: “طالبنا بإحداث وكالة وطنية لتوزيع عادل للإشهار العمومي لتعطي للإذاعات في المناطق النائية نصيبا منه”.

وأضاف: “كتبنا إلى رئاسة الجمهورية وقلنا إن البناء والتشييد يبدأ من الجهات والأقاليم، أي محليًا، وهناك دور كبير للإذاعات الخاصة لتساهم في ذلك”.

وتابع: “نطالب بلفتة من الرئيس (قيس سعيد) للإعلام كله، بما فيه الخاص، ولا سيما الإذاعات الجهوية”.

المصدر: وكالة الأناضول

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here