الاتحاد الشغل يلوح بالإضراب العام.. صراع مفتوح مع السلطة يتصاعد

2
الاتحاد الشغل يلوح بالإضراب العام.. صراع مفتوح مع السلطة يتصاعد
الاتحاد الشغل يلوح بالإضراب العام.. صراع مفتوح مع السلطة يتصاعد

أفريقيا برس – تونس. تتصاعد حدة المواجهة بين الاتحاد العام التونسي للشغل والسلطة في تونس، في صراع يزداد انفتاحا مع اقتراب موعد المسيرة الاحتجاجية المقررة في العاصمة الأسبوع المقبل، وسط تلويح المنظمة الشغيلة بإمكانية الذهاب إلى إضراب عام في حال تواصلت سياسة التضييق.

الاحتقان بين الجانبين بلغ مستويات غير مسبوقة بعد سلسلة قرارات حكومية تستهدف العمل النقابي، في مقابل إصرار الاتحاد على الدفاع عن موقعه التاريخي في الساحة الاجتماعية والسياسية.

ويذهب مراقبون إلى أنّ هذه المواجهة قد تحدّد ملامح المرحلة المقبلة، في ظل عجز الطرفين حتى الآن عن إيجاد أرضية حوار.

وتسعى السلطة في تونس إلى تقليص نفوذ الاتحاد عبر إجراءات إدارية ومالية اعتبرها النقابيون استهدافا مباشرا لهم.

ومن أبرز هذه الخطوات قرار الحكومة منع التفرغ النقابي وإلغاء الاقتطاع الآلي لاشتراكات الموظفين لفائدة الاتحاد، وهي موارد مالية هامة تُمكنه من تمويل نشاطاته.

وفي خطاب شديد اللهجة، شدّد الرئيس سعيد على أنه “لا مجال للتراجع عن المحاسبة ولا تردد في استرجاع أي مبلغ من حق الشعب”، مؤكدا أن الدولة وحدها تحتكر قرار التمويل والاقتطاع، وهو ما اعتبره مراقبون بمثابة ضوء أخضر لرئيسة الحكومة من أجل المضي في هذه القرارات.

ورغم أن قيمة الاقتطاع لا تتجاوز دولارا واحدا شهريا، إلا أن الاتحاد الذي يضم قرابة مليون منخرط في القطاعين العام والخاص، يعتمد بشكل أساسي على هذا التدفق المالي المنتظم.

في المقابل، أعلن الاتحاد عبر هياكله الجهوية والقطاعية أنه بصدد حشد أنصاره بكثافة للنزول إلى الشارع يوم 21 أغسطس/آب الجاري، تنفيذًا لقرار هيئته الإدارية، ملوِّحا بتفعيل قرار سابق لمجلسه الوطني يقضي بتنظيم إضراب عام إذا واصلت الحكومة غلق باب التفاوض ورفض جلسات الصلح في القطاعات الحيوية مثل النقل.

وتأتي هذه التطورات في سياق احتجاجات قادها أنصار الرئيس سعيد أمام مقر الاتحاد في 8 أغسطس/آب الجاري، رافعين شعارات تطالب بحله، وصولا إلى خطاب الرئيس مؤخرا الذي أعلن فيه عزمه فتح ملفات الفساد دون استثناء، وهو ما يراه النقابيون حملة منهجية تستهدف المنظمة التاريخية.

الاتحاد يختار التصعيد السلمي

والأسبوع الماضي، خرجت الهيئة الإدارية للاتحاد العام التونسي للشغل من اجتماعها الطارئ بقرارات تعكس توترا متصاعدا في علاقة المنظمة النقابية بالسلطة، لكنها في الوقت نفسه كشفت عن إصرارها على تفادي الانزلاق نحو مواجهة مفتوحة قد تعمّق الأزمة السياسية والاجتماعية في البلاد.

فقد أعلنت الهيئة عن تنظيم تجمع احتجاجي يوم الخميس 21 أغسطس/آب أمام المقر المركزي، تعقبه مسيرة سلمية في قلب العاصمة، للتنديد بالاعتداء على مقر الاتحاد والمطالبة باستئناف المفاوضات الاجتماعية المتوقفة منذ أشهر في قطاعات حيوية.

الهيئة أبقت أيضا على أشغالها مفتوحة، في رسالة ضغط واضحة، مع التلويح بإمكانية اللجوء إلى سلاح الإضراب العام إذا تواصلت الاعتداءات وحملات التشويه وغلق باب الحوار.

مصادر من داخل الاجتماع أكدت أن الجلسة اتسمت بأجواء محتقنة وخطابات حادة، في ظل غضب واسع لدى النقابيين مما اعتبروه “محاولات منهجية لتقويض صورة الاتحاد” عبر حملات رقمية يقودها أنصار مقربون من الرئيس.

الأمين العام نور الدين الطبوبي كان قد دعا قبل الجلسة كل من يملك ملفات فساد ضد الاتحاد أو قياداته إلى التوجه مباشرة إلى القضاء، معتبرا أن الهجمات التي تطال المنظمة لا تتعدى أن تكون “محاولات لتأليب الرأي العام ضدها والنيل من رمزيتها الوطنية”.

أما الناطق الرسمي باسم الاتحاد، سامي الطاهري، فقد شدّد على أن القضية لم تعد مجرد خلاف سياسي أو اجتماعي، بل تحولت إلى مسألة كرامة ووجود.

وأضاف: “النقابيون لا يقبلون أن يُمسّ شرفهم، ولا أن يُتهموا بهذه الطريقة، سواء من رأس السلطة أو من الحكومة أو من مجموعات تُساق لتشويه الاتحاد”.

وأوضح أن النقابيين، مثل أي مواطن تونسي، ينتفضون عندما يُمسّ عرضهم أو كرامتهم.

ورغم حدة الخطاب، حرص الطاهري على التذكير بأن البلاد “لا تحتاج إلى التصادم”، مستدعيًا من ذاكرة التونسيين الدور التاريخي للاتحاد خلال أزمة 2012-2013 حين كان أحد أبرز أطراف الحوار الوطني الذي أنقذ تونس من الانزلاق إلى الفوضى. وأكد أن الاتحاد متمسك بالاحتجاج السلمي.

“الاتحاد يخوض معركة بالوكالة عن خصوم الرئيس”

من جانبه، اعتبر الناشط السياسي المقرب من السلطة عبد الرزاق الخلولي أنّ الأزمة الحالية ليست سوى كرة ثلج تتدحرج وتكبر مع مرور الوقت، مؤكدا أنّها تندرج في إطار “مزيد تأجيج الأوضاع في البلاد”.

وأوضح الخلولي أنّ ما يجري لا يعبّر عن معركة نقابية صِرفة بقدر ما هو صراع سياسي تُخاض فصوله بالوكالة.

وقال الخلولي في هذا السياق: “هذه ليست معركة اتحاد الشغل بحد ذاتها، وإنما الاتحاد يخوضها بالوكالة عن أطراف سياسية تعادي الرئيس قيس سعيّد ومسار 25 جويلية.

هذه الأطراف اختارت الدخول في خصومة مع الرئيس من خلال الاتحاد باعتباره يملك الآليات التي تمكنه من الضغط على الدولة عبر الإضراب العام.”

وأشار في حديثه إلى أنّه عندما يتمّ اللجوء إلى “إضرابات متتالية في قطاعات حيوية، دون مبرر شرعي ودون وجود مساس حقيقي بمصالح وحقوق العمال، فإن الرسالة تصبح واضحة: الهدف ليس الدفاع عن الشغالين بقدر ما هو إقحام المنظمة في معركة وهمية شعارها العمل النقابي.”

وشدّد الخلولي على أنّ المكتب التنفيذي الحالي للاتحاد أخطأ بانخراطه في هذه المواجهة، معتبرا أنّه “يسوق المنظمة نحو المحرقة”، إذ بات الاتحاد، على حد قوله، يدافع عن وجوده وعن بعض الوجوه داخله، ممن وُجهت لهم اتهامات تتعلق بالفساد والفشل في المحافظة على الإرث التاريخي للاتحاد كمنظمة نقابية، قبل أن يتحول هذا الدور شيئا فشيئا إلى دور سياسي.

وأضاف الخلولي أنّ ما سمّاه “معركة كسر العظام” قد انطلقت منذ فترة، بمشاركة أطراف سياسية وحزبية داخلية وخارجية، غير أنّها لم تجد صدى لدى الشارع، فلجأت هذه الأطراف إلى استغلال القاعدة الشعبية والعمال التابعة للمنظمة الشغّالة لمواصلة المواجهة مع السلطة.

التصادم فرضية مستبعدة

ويرى المحلل السياسي طارق الكحلاوي أن حالة التوتر بين الاتحاد العام التونسي للشغل والسلطة تعود بالأساس إلى توقف مسار المفاوضات الاجتماعية، وهو ما أجج الوضع وجعله يبلغ ذروته خاصة بعد إضراب قطاع النقل، ثم المسيرة التي نظمها أنصار الرئيس مطالبين بحل المنظمة النقابية، وصولا إلى خطاب قيس سعيّد الذي تبنى ضمنيًا مطالب المحتجين ودافع عنهم أمام مقر الاتحاد.

ومع ذلك، يعتبر الكحلاوي أن هذا التصعيد من الجانبين يظل “محسوبا”، “إذ أن الرئيس سعيّد، رغم خطابه النقدي، يؤكد في كل مرة أنه ليس في وارد تصفية حسابات مع الاتحاد، بل يشدد على تبنيه لتاريخ المنظمة ودورها النضالي، ولا يبدو أنه يذهب إلى حد طرح صراع وجود معها كما يطالب بعض أنصاره الذين دعوا صراحة إلى تجميدها”.

ولفت الكحلاوي إلى أن الاتحاد العام التونسي للشغل يتعامل أيضا بحذر مع الوضع، حيث لم تحدد هيئته الإدارية موعدًا لإضراب عام واكتفت بالدعوة إلى مسيرة سلمية تحمل شعارات اجتماعية بالأساس، مرتبطة بالملفات العالقة واستمرار المفاوضات، دون أن تأخذ طابعا سياسيا مباشرا.

ويضيف الكحلاوي أن التصعيد، وإن كان قائما، فإنه لم يبلغ مستوى المواجهة المباشرة، مشيرا إلى أن بعض الشعارات السياسية التي صدرت خلال اجتماع الهيئة الإدارية تعكس مواقف أطراف نقابية محسوبة على المعارضة، لكنها لا تمثل بالضرورة الموقف الرسمي للمكتب التنفيذي للاتحاد.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here