أفريقيا برس – تونس. يأمل المصريون والتونسيون أن يوفّر مؤتمر باريس، الذي ينعقد تحت شعار “ميثاق التمويل العالمي الجديد”، لمصر وتونس فرصة تمكّنهما من تحصيل تمويلات ضرورية لمواجهة الأزمتين الماليتين اللتين تعيشانهما.
والتقى الرئيسان المصري عبدالفتاح السيسي والتونسي قيس سعيد، على هامش قمة باريس، وتوافقا حول “ضرورة إضفاء المزيد من العدالة وتحسين آليات منظومة التمويل العالمي لاحتواء التداعيات السلبية الكبيرة الناتجة عن الأزمات المركبة”.
ويعتبر الرئيس المصري التمويلَ مسألة حيوية ومن العوامل المحورية لتحقيق التنمية المستدامة التي يريدها، وقال في القمة “إن رؤيتنا للنمو ترتكز على فرص العمل وسبل عيش كريم”، مؤكدا أن برنامج “نوفي” للغذاء والطاقة لاقى زخما دوليا كبيرا.
وتنطلق رؤية القاهرة، في الكثير من المحافل الدولية، من التركيز على القضايا الضاغطة التي تهم الدول النامية، وطلب تعزيز الجهود الدولية لتيسير نفاذها إلى التدفقات المالية المطلوبة، في ظل ما تعانيه هذه الدول من تحديات نتيجة الأزمات العالمية المتصاعدة، وضرورة تقديم المساندة الفعالة لها في سعيها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وحاول السيسي وضع الكرة في ملعب المجتمع الدولي والحد من المسؤولية الواقعة على كاهل الدول النامية، عندما أكد أن أزمتيْ كورونا وأوكرانيا أثرتا سلبا على عدة مسارات، وأن بلاده أعدت خطة لإدارة الديون بشأن التنمية المستدامة وخطت خطوات جادة في سبيل مكافحة آثار التغيرات المناخية التي قال عنها “تحركنا في قضية المناخ في وقت مبكر”.
وتعاني مصر من أزمة ديون خارجية معقدة بعد تزايد اعتمادها على القروض من صندوق النقد الدولي ومؤسسات تمويلية مختلفة، وتسعى لتمرير أجندتها في قمة باريس وإقناع الحضور بضرورة تحمّل الدول الكبرى قسطا من مسؤولية أزمة الديون المتراكمة.
وطالب الرئيس المصري باتخاذ قرارات سريعة تحول دون حدوث أزمة ديون كبرى، وتطوير سياسات بنوك التنمية لتعظيم قدراتها، قائلا “لدينا برنامج للتحول إلى الطاقة الجديدة حتى 2030 وبرنامج لتحويل بحيرات البحر المتوسط إلى (بحيرات) صديقة للبيئة. ومصر تعالج 13 مليون متر مياه صرف صحي لإعادة استخدامها”.
وأكد مجدي شرارة، أستاذ إدارة الأعمال وعضو جمعية مستثمري العاشر من رمضان بمصر، أن مشاركة السيسي “ربما ينعكس أثرها على النواحي الاقتصادية والتجارية، حيث جاءت في توقيت عالمي مهم”.
وأضاف أن “هذه النوعية من الاجتماعات الدولية لن تُخرج مصر من أزمتها الاقتصادية التي تتطلب حلولاً داخلية، أبرزها التغلب على ازدواجية مشكلة سعر الصرف لجذب المستثمرين الأجانب”.
ويشير خبراء مصريون إلى أن مصر تراهن على نجاح برنامج الإصلاح الهيكلي الحالي والمكمل للإصلاح الاقتصادي، وتعزيز دور القطاع الخاص لخلق فرص استثمارية واعدة، يتم الترويج لها على هامش قمة باريس لجذب الشركات الفرنسية وبعض الكيانات العالمية المشاركة فيها كخطوة تدعم تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى مصر.
ولا يختلف الأمر بالنسبة إلى الرئيس التونسي الذي يحضر قمة باريس وعينه على تحصيل التمويلات الضرورية لمواجهة الأزمة التي تعيشها البلاد، مستفيدا من دعم الاتحاد الأوروبي، وإسناد من دول مثل فرنسا وإيطاليا.
ودعا الرئيس التونسي عقب لقائه الرئيس المصري إلى “انتهاج مقاربات غير تقليدية في بناء علاقات اقتصادية ومالية دولية جديدة تراعي الاستحقاقات الراهنة والتحديات المستجدة في العالم عموما وفي الدول النامية على وجه الخصوص، وتلبي تطلعات شعوبها في العيش بكرامة في احترام تام للسيادة الوطنية”.
ويرى خبراء ومراقبون تونسيون أن مؤتمر باريس فرصة لسماع صوت تونس على لسان رئيسها والوقوف على ما تريده وطرح رؤيتها للخروج من الأزمة بعيدا عن التقارير والتصريحات الفضفاضة، وخاصة شرح دواعي الخلاف بينها وبين صندوق النقد، ومقاربتها للإصلاح الاقتصادي دون المساس بأوضاع الفئات الضعيفة.
وقال أستاذ الاقتصاد التونسي رضا الشكندالي إن “قمة باريس مهمة للغاية بالنسبة إلى تونس حتى تخرج من أزمتها المالية وتحصل على التمويلات اللازمة بأخف الأضرار وبأقل الشروط الممكنة، ويمكنها التفاوض على تحويل جزء من الديون إلى استثمارات أو حتى طرح جزء من الديون تجاه بلدان الاتحاد الأوروبي، خاصة أمام استعداد الجانب الإيطالي والفرنسي للذهاب إلى أقصى الحلول الممكنة لتونس والتي تضمن الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وهو الضامن الوحيد لأوروبا للحد من الهجرة غير النظامية”.
واعتبر الشكندالي أن “تونس مطالبة بإمضاء اتفاق شراكة شامل مع الاتحاد الأوروبي يضمن المزيد من الاستثمارات الأوروبية ويحول جزءا من الديون إلى استثمارات حقيقية ويؤسس لاتفاق مع صندوق النقد الدولي دون المس بالسلم الاجتماعي”.
ولا يحتاج قيس سعيد إلى الكثير من الجهد لشرح وضع بلاده، فالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على علم بتفاصيل حاجيات تونس ويدعمان مساعيها للحصول على تمويلات جديدة من الدول الغنية، وإن كان من المحتمل ألّا يتم ذلك إلا بعد التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد.
ويتوقع المحلل السياسي نبيل الرابحي أن “مشاركة قيس سعيد في مؤتمر باريس ستؤتي أكلها في الأيام القادمة، خصوصا وأن الاتحاد الأوروبي سيحث صندوق النقد الدولي على دعم تونس”.
وقال الرابحي إن “تونس ستستفيد من مساعدات اقتصادية وفتح أبواب المؤسسات المالية المانحة، والرئيس سعيد دائما يرفع سقف التفاوض لاسترجاع الأموال المنهوبة، وأوروبا ستمضي قُدمًا في دعم تونس”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس