صادقت الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب، على الباب الثامن من مشروع ميزانية الدولة لسنة 2019 والمتعلق بوزارة الدفاع الوطني، وذلك بموافقة 108 نواب واحتفاظ 10 نواب آخرين بأصواتهم ودون أي اعتراض.
وفي رده على تساؤلات واستفسارات أعضاء البرلمان خلال مناقشة ميزانية الوزارة للعام المقبل، أكد وزير الدفاع الوطني، عبد الكريم الزبيدي أن المؤسسة العسكرية مضمونة لكل التونسيين والتونسيات، مهما كانت وضعياتهم الإقتصادية والإجتماعية وبغض النظر عن مختلف انتماءاتهم السياسية والفكرية، وذلك تعقيبا على تدخل النائب محمد رمزي خميس (كتلة حركة نداء تونس) والذي قال إن الجيش التونسي الذي اعتبره البعض غير مضمون، برهن عن حياده في العديد من المحطات.
وفي جانب آخر من ردوده، شدّد الزبيدي على استقلالية القضاء العسكري، احتراما لما جاء في المرسوم عدد 69 لسنة 2011 وهو ينص على إقرار مبدأ التقاضي على درجتين، والذي أصبحت النيابة العمومية العسكرية، بمقتضاه، مستقلة عن السلطة التنفيذية، وذلك بإلغاء الأمر بالتتبع الصادر عن وزير الدفاع، مشيرا إلى وجود نسبة لا بأس بها من القضاة العدليين المدنيين في حالة إلحاق بوزارة الدفاع الوطني.
كما لاحظ أن كل رؤساء الدوائر بالمحاكم العسكرية هم من الصنف العدلي. وأفاد بأنه طالب منذ 3 أسابيع، بتطبيق الفصل 110 من الدستور والذي يضبط اختصاص المحاكم العسكرية.
كما دعا أيضا إدارة القضاء العسكري إلى إعداد مشروع القانون المتعلق بضبط الإختصاص وتركيبة وتنظيم المحاكم العسكرية والنظام الأساسي للقضاة العسكريين، وذلك في علاقة بتعهد القضاء العسكري بالجرائم التي يرتكبها مدنيون في حق المؤسسة العسكرية.
ومن ناحية أخرى نفى الوزير ما يُروّج بخصوص تدخل وزير الدفاع في الترقيات والنقل وسد الشغورات، موضحا أن مجلس القضاء العسكري هو من يتولى اقتراح ترقية العسكريين، وأنه لم يُدخل أي تغيير على ذلك المقترح. وبيّن أن دوره يقتصر على توجيه النُّصح والتدخل في حال حصول تجاوزات.
وحول ما يثار بخصوص وجود جوامع للصلاة في الثكنات العسكرية، أوضح وزير الدفاع الوطني أنه لا وجود لتلك الجوامع، بل هناك فضاءات مخصصة للصلاة، في إطار احترام حرية المعتقد، مثلما هو معمول به في العديد من الدول الأوروبية والأمريكية، معتبرا أن الغرض منها هو حماية العسكريين من الإستقطاب.
وأشار الوزير إلى التراتيب التنظيمية المعلّقة على كافة أبواب هذه الفضاءات داخل المنشآت العسكرية والتي تنص بالخصوص على فتحها للصلوات الخمس، دون غيرها، قبل 10 دقائق من موعد الصلاة، على أن تغلق بعد إنتهاءها مباشرة، مؤكدا حرصه على الإطلاع على هذه الفضاءات المعدة للصلاة في كافة زياراته للثكنات العسكرية.
دور الإستقرار السياسي في استقرار الوضع الأمني
كما أكد وزير الدفاع الوطني، عبد الكريم الزبيدي، على الدور الكبير للإستقرار السياسي في تحقيق استقرار الوضع الأمني بصفة عامة، معتبرا أنه كلما تراجعت التجاذبات السياسية، كان أداء المؤسسة العسكرية أفضل.
وشدد الزبيدي، على نأي المؤسسة العسكرية بنفسها عن التجاذبات السياسية ووقوفها على الحياد من جميع التونسيين والتونسيات وبقائها في خدمتهم، بمختلف فئاتهم الاجتماعية وحساسياتهم السياسية، ملاحظا أنه حريص شخصيا على ذلك.
كما تطرق الوزير إلى التحديات الأمنية التي قال إنها ما زالت قائمة، رغم تحقيق الكثير من الإنجازات في مجال مكافحة الإرهاب والتهريب والجريمة المنظمة والحد من الهجرة غير النظامية، مشيرا إلى أن وزارة الدفاع ستواصل دعم القدرات العملياتية للمؤسسة العسكرية وتطويرها.
وأبرز على صعيد آخر الجهود المبذولة من أجل تحسين ظروف عيش العسكريين في الوحدات وأثناء مباشرتهم لمهامهم، مع العمل على تحسين وضعياتهم الإجتماعية ومزيد الإحاطة بهم وبعائلاتهم وخاصة بعائلات الشهداء من المؤسسة العسكرية (73 شهيدا)، وكذلك الجرحى وعددهم 350 مصابا، منهم 30 حالة بتر أعضاء.
وبخصوص المشاريع المستقبلية للوزارة وفي إطار الإحاطة بالعسكريين والمدنيين التابعين للوزارة ولعائلاتهم، أفاد عبد الكريم الزبيدي بأن الوزارة شرعت في إتمام الإجراءات المتعلقة بإحداث مركز عسكري لمعالجة الأمراض السرطانية خارج المستشفى العسكري، إذ تم تخصيص عقار لتركيز المشروع في بنعروس، فضلا عن رصد اعتمادات قدرها 5 ملايين دينار من ميزانية 2019، للشروع في إعداد الأمثلة الهندسية والأعمال التحضيرية لهذا المشروع الذي تقدر كلفته الجملية ب100 مليون دينار.
وفي سياق آخر، استعرض وزير الدفاع الوطني الصعوبات التي باتت تواجهها الوزارة، في علاقة بتزويد الوحدات العسكرية بالمواد الغذائية، جرّاء خضوع هذا الأمر لأحكام الأمر المنظم للصفقات العمومية وطول إجراءات إبرام الصفقات، مما ترتب عنه تسجيل اضطراب في توفير الحاجيات الضرورية من المواد الغذائية لفائدة العسكريين، ملاحظا أن بعض الثكنات لم تتزود بمادة الحليب منذ أكثر من شهرين.
وبخصوص ما أثاره عدد من النواب حول أسباب العزوف عن أداء الخدمة العسكرية، ذكّر الوزير بأن هذه الخدمة تخضع إلى القانون عدد 1 لسنة 2004 والذي من أبرز نتائجه حاليا، العزوف التام عن القيام بالواجب الوطني، مشيرا إلى أن عدد الذين يتقدمون إلى هذه الخدمة لا يتجاوز بضع المئات طوال السنة.
وقال أيضا في كلمته إن وزارة الدفاع الوطني أعدت مشروع قانون أساسي وأربعة مشاريع أوامر ترتيبية، تهدف بالخصوص إلى وضع إطار جديد للخدمة الوطنية، من أهم مميزاتها التخلي عن آلية التعيينات الفردية وكذلك الحملات الأمنية التي كانت تنظّم لإجبار الشباب على أداء الواجب الوطني، بالإضافة إلى إدراج شكل جديد من أشكال الخدمة الوطنية يتمثل في الخدمة المدنية لدى الهياكل العمومية، حسب حاجياتها. كما تم التنصيص على الإعفاء من الخدمة الوطنية بالنسبة إلى مواليد ما قبل 1 جانفي 2001.
وبعد أن ذكّر بمختلف المهام الموكولة للمؤسسة العسكرية وأهم تدخلاتها في سنة 2018 ومشاريعها التنموية في الصحراء، سلّط عبد الكريم الزبيدي الضوء على التعاون العسكري الدولي الذي يشمل التعاون الثنائي مع 24 دولة، في إطار اتفاقيات ولجان عسكرية. كما تطرّق إلى جهود الوزارة في مجال التعاون متعدد الأطراف.
وفي ما يتعلق بالصناعات العسكرية، أعلن الوزير عن مشروعين لإنتاج الصدريات الواقية من الرصاص وصنع السيارات المصفّحة، على أن تكون تونس منصة لترويج هذه المنتوجات لكافة بلدان إفريقيا وخاصة دول غرب الصحراء. وأشار بخصوص المناطق العسكرية المغلقة إلى اتفاق مع وزارتي التجهيز والفلاحة، لتهيئة سفوح الجبال ومنحها للتجمعات العسكرية المتواجدة في تلك الناطق.
الاجماع على ضرورة دعم المؤسسة العسكرية
وأجمع النواب المتدخلون، على ضرورة دعم مؤسسة الجيش الوطني لوجستيا وماديا، معبرين عن ارتياحهم عن نأي هذه المؤسسة بنفسها عن التجاذبات السياسية. وخلال النقاش، تساءل النائب حسين اليحياوي (كتلة حركة النهضة) عن نسبة انجاز الحاجز العازل بين تونس وليبيا، مشيرا الى ضرورة تطوير الموارد البشرية ودعم ظروف عمل أبناء المؤسسة الأمنية خاصة منهم المرابطون في الصحراء والجبال. وأكد النائب على ارتياحه لما تقدمه المؤسسة العسكرية من تفان وعمل شاق، ونأيها بنفسها عن التجاذبات السياسية.
ولاحظ النائب نعمان العش (الكتلة الديمقراطية) ما قال إنه عدم ارتياح لدى العسكريين في علاقة بمهامهم بالخارج، خاصة على المستولى المادي، وفق تعبيره، وشدد على ضرورة تمتيع أبناء المؤسسة العسكرية بظروف عمل جيدة تتيح لهم الحياة الكريمة.
وانتقد النائب هيكل بلقاسم (كتلة الجبهة الشعبية) وجود عشرة مراكز فقط للتكوين المهني تابعة لمؤسسة الدفاع الوطني، معتبرا أن في ذلك نقص كبير في مجال التكوين وفي الدور الذي تقوم بهذه المؤسسة في هذا المجال.
أما النائب صلاح البرقاوي (كتلة الحرة لحركة مشروع تونس)، فقد تساءل عن الدراسات الصادرة عن مركز الدراسات العسكرية ومدى تفعيلها في الواقع. كما طرح أسئلة حول استراتيجية الصناعات العسكرية في تونس. وشدد البرقاوي على ضرورة أن تواصل المؤسسة العسكرية النأي بنفسها عن التجاذبات السياسية ومحاولات الزج بها في هذا المستنقع، بحسب تعبيره.
وفي نفس السياق، أكد النائب محمد الراشدي (كتلة الائتلاف الوطني) على ضرورة أن تبقى المؤسسة العسكرية خارج ملعب التجاذبات السياسية والدينية أيضا. واقترح الراشدي أن يتم تعميم الخدمة المدنية على كل المهن بما فيها التربية والتعليم وأن لا يقتصر ذلك على أطباء الاختصاص فقط. كما اقترح بعث ديوان لإحياء المناطق الجبلية الحدودية.
ودعا النائب سمير ديلو (كتلة حركة النهضة) إلى بلورة رؤية واضحة بخصوص صيانة التجهيزات التكنولوجية المتطورة. واعتبر ديلو أن صناعة ثلاث بواخر من قبل كفاءات تونسية يعد تقدما نوعيا في الصناعات العسكرية، حاثا المؤسسة على ضرورة المحافظة على الكفاءات المشرفة على هذه الصناعات وعدم تركها عرضة للانتداب من قبل شركات عالمية.
من جهته، أكد النائب محمد رمزي خميس (كتلة حركة نداء تونس) على ضرورة دعم المؤسسة العسكرية لوجيستيا وماديا، والأخذ بعين الاعتبار المجهود الكبير الذي تقوم به هذه المؤسسة ودورها الاستثنائي. ولاحظ خميس أنه على الرغم من قلة الإمكانيات، فإن الجيش الوطني يمرّ بنا كل يوم أكثر فأكثر إلى بر الأمان، وفق تعبيره، قائلا إن هذا الجيش الذي اعتبره البعض غير مضمون برهن عن حياده في العديد من المحطات.
من جهته، تناول النائب عبد العزيز القطي (كتلة حركة نداء تونس) مسألة عمل القضاء العسكري وشدد على عدم وجود تهم واضحة بخصوص عدد من رجال الأعمال الذين تم إيقافهم في قضايا التآمر على أمن الدولة. وشدد على ضرورة الكشف عن حيثيات هذه القضايا، وغيرها المتعلقة بأمن الدولة . وأكد على أن من حق سليم الرياحي (أمين عام نداء تونس) كمواطن تونسي أن يرفع قضية ومن واجب القضاء العسكري النظر فيها. كما اعتبر أن من حق مجلس الأمن القومي النظر في قضايا الجهاز السري لحركة النهضة وعلاقته بجرائم الاغتيالات السياسية وفي مسألة محاولة الانقلاب التي رفعها سليم الرياحي.
ويشار إلى أن مختلف النواب المتدخلين خلال نقاش مشروع ميزانية وزارة الدفاع الوطني، أكدوا على احترامهم ومساندتهم لمؤسسة الجيش الوطني وضرورة دعمها .
يذكر أنه تم ضبط نفقات التصرف والتنمية وصناديق الخزينة لوزارة الدفاع الوطني في حدود 2930.691 مليون دينار بالنسبة لسنة 2019، مقابل 2233.076 سنة 2018، أي بزيادة قدرها 697.885 مليون دينار، وهو ما يمثل نسبة 31.2 بالمائة.