آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. تظاهر مئات من خريجي الجامعات التونسية ممن طالت بطالتهم، أمام مقر رئاسة الحكومة، للمطالبة بحقهم في التشغيل والتسريع في إدماجهم في الوظيفة العمومية، منددين بتباطؤ السلطة في الإيفاء بوعودها تجاههم رغم تردي أوضاعهم المعيشية.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن علاء الشخاري، وهو عضو التنسيقية الوطنية لخريجي الجامعات الخاصة بالمعطلين عن العمل “قوله بأن “هذه الوقفة الاحتجاجية التي يشارك فيها خريجو جامعات ممن طالت بطالتهم وتجاوزت العشر سنوات، جاءت للمطالبة بإنصاف أصحاب الشهادات العليا العاطلين عن العمل بالانتداب المباشر بالوظيفة العمومية على قاعدة سنة التخرج وسن المتخرج دون سواهما ودون الخضوع إلى أي شكل من أشكال التناظر.”
وعلق “لا الوضعية الاجتماعية للمتخرجين تسمح بذلك، ولا سنهم بعد سنوات البطالة.”
وحسب الشخاري، فإن “عدد أصحاب الشهائد العليا المعطلين عن العمل لا يتجاوز 4 آلاف”، داعيا إلى “ضرورة القيام بجرد شامل ودقيق وإحداث منصة الكترونية تحدد عدد المعطلين عن العمل من خريجي الجامعات، وتضبط أيضا الشغورات في مختلف المؤسسات العمومية والحاجيات على المستوى البعيد والمتوسط والقريب”.
وفيما تتزايد الانتقادات للحكومة بسبب سوء إدارتها للملفات الحارقة بالبلاد وأبرزها ملف البطالة وعدم التفاعل مع سياسة التغيير التي ينتهجها الرئيس قيس سعيد للقطع مع السياسات السابقة التي كانت وراء تردي الأوضاع الاقتصادية، إلا أن البرلمان حاول تطويق أزمة البطالة من خلال مقترحات تشريعية.
وكشف النائب علي زغدود في تصريحات خاصة لـ “أفريقيا برس” أن “كتلة لينتصر الشعب قدمت مبادرة تشريعية منذ شهر جويلية سنة2023 بهدف سن أحكام استثنائية لإدماج خريجي التعليم العالي ممن طالتهم بطالتهم في سوق الشغل.”
لافتا بأنه” تمت مناقشتها مع لجنة التخطيط الاستراتيجي، لكن ننتظر إلى الآن تفاعل الحكومة معها.”
وتخص هذه المبادرة التي تحصل موقع “أفريقيا برس” على نسخة منها، المعطلين عن العمل ممن تجاوز سنهم الأربعون عاما، وقضوا فترة بطالة تزيد عشرة سنوات والمسجلين بمكاتب التشغيل.
وتهدف المبادرة إلى التسريع في إنهاء معاناة فئة من خريجي الجامعات التونسية التي حرمت من حقها في العمل طيلة سنوات ولم تنصفها السياسات الحكومية المتعاقبة، كما بات العديد منهم غير قادرين على بعث مشاريع خاصة بسبب تجاوز سقف السن المحدد.
وأكد زغدود على “ضرورة تفاعل الحكومة مع هذه المبادرة خاصة أنها تدعم الدور الاجتماعي للدولة، كما من شأنها تفادي مزيد من الاحتقان الاجتماعي، خاصة وأن هذه الفئة تعيش أوضاع صعبة وظلت مهمشة منذ ما قبل الثورة إلى الآن، ولابد اليوم من الالتفات لها، وحل المشكل ولو على مراحل باعتماد مقاييس موضوعية منصفة للجميع”.
وشرح بالقول “بالنسبة للمقاييس فقد تم مناقشتها مع خريجي الجامعات، وهي تشمل مقياس السن، ومقياس سنة التخرج، ومقياس الوضعية الاجتماعية.”
وأردف “تقريبا ھذھ جملة المقاييس التي يمكن أن تكون لإيجاد حل منصف وعادل لخريجي الجامعة، وذلك ضمن منصة تضبط من تتوفر فيھم ھذه المقاييس ويتم التنصيص فيھا على ھذه الشروط. ويتم إدماجھم حسب التخصصات والشغورات المتوفرة على أربعة أو خمسة دفوعات، وقبل الانتداب يخضع الذين تم تسجيلھم بالمنصة إلى اختبار أو فترة تربص قبل الترسيم في الخطة.”
وترى أوساط سياسية ضرورة إيجاد حلول لملف التشغيل تجنبا لانفجار اجتماعي وشيك خاصة أن دائرة الاحتجاجات قد توسعت بشكل لافت في الآونة الأخيرة.
ورغم إقرار الرئيس قيس سعيد في تصريحات سابقة بأن ملف التشغيل يشكل تحديا حقيقيا أمام السلطة، إلا أن الشارع يترقب الآليات التي سيطرحها في معالجة هذا الملف، وستكون ولايته الرئاسية الثانية بمثابة اختبار لمدى قدرته على تطبيق وعوده الانتخابية خاصة للشباب العاطل عن العمل.
ويبين سهيل النمري، رئيس حركة مواطنون أنصار الوطن، في حديثه لـ “أفريقيا برس” أن “الحكومة تسعى لإيجاد حل لملف العاطلين، وقد فتحت مؤخرا باب الانتداب لبعض القطاعات مثل قطاع الصحة، كما يسعى مشروع حكومي إلى توفير قروض للشباب دون شروط مجحفة بهدف تشجيعهم على بعث مشاريع خاصة.”
وأضاف “هناك برامج حكومية في هذا المجال، ولا يجب أن ننسى أن مشكلة البطالة تؤرق كل العالم وليس تونس فقط، ومن الصعب تشغيل كل المعطلين في وظائف حكومية، هذا لا يبدو واقعيا وغير ممكن.”
وفيما أقر بما تمثله البطالة من إشكالية حقيقية، لكن نبه في المقابل إلى “وجود ضغوطات على السلطة وسط مساع لتشويش عملها لدفع بلدنا نحو البلبلة والارتباك والاحتقان الاجتماعي.”
ورأى أنه “من الضروري التوجه نحو حوار مجتمعي، وتقديم تنازلات من جميع الأطراف لإيجاد حلول لأزمات البلاد”، مستدركا “لكن أن تبقى الحروب مفتوحة في كل الاتجاهات، هذا من شأنه أن يغرقنا في مزيد من الأزمات والتجاذبات.”
وتزيد مطالب العاطلين عن العمل الضغوط على الحكومة التونسية، فيما يتساءل متابعون ومحللون عن الآليات التي ستعالج بها هذا الملف، خاصة أن السلطات أغلقت باب التشغيل في الوظيفة العمومية والقطاع العام منذ سنة 2018.
ويقول المحلل السياسي علي مبارك في حديثه مع “أفريقيا برس” أن “تسوية ملف المدرسين مؤخرا وراء التحركات الاحتجاجية الأخيرة للشباب العاطل عن العمل الذي يطالب بحقه في التشغيل وإنصافه بعد سنوات طويلة من البطالة.”
وأضاف “لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل بوسع موازنة الدولة استيعاب مثل هذا العدد الهائل من العاطلين، خاصة في ظل عجز الحكومات السابقة على حلحلة هذا الملف لارتباطه بصندوق النقد واشتراطه منع الانتدابات في الوظيفة العمومية.”
ووصف الحلول التي قدمتها الحكومات لمعالجة هذا الملف بـ”الاعتباطية” بداية من عقود العمل الهشة، وصولا إلى الشركات الأهلية التي يراها حلولا غير واقعية كما يستبعد قدرتها على جذب الشباب ومنحهم فرص عمل.”
وأعتبر أن “الإخفاق الحكومي في ظل تردي الأوضاع الاجتماعي وتراجع المقدرة الشرائية قادت العاطلين عن العمل إلى التحرك من أجل الدفاع عن حقوقهم المشروعة.”
وخلص بالقول “الأداء الحكومي ضعيف كما هو واضح، كما لا يبدو أن للحكومة حلول حينية أو مستقبلية لأجل حل مشكلة البطالة في صفوف خريجي الجامعات، لا توجد مؤشرات على ذلك في قانون الموازنة الجديد، فهو قانون جباية بامتياز، لذلك تبدو الحكومة دون رؤية وغير قادرة على حل هذا الملف، وهو ملف وطني بامتياز، حيث على جميع الأطراف والمكونات الالتقاء لأجل إيجاد حلول مشتركة والاستجابة لمطالب الشباب العاطل عن العمل.”
وحسب المعهد الوطني للإحصاء، فقد ارتفعت نسبة البطالة بين حاملي الشهادات العليا لتصل إلى 25 بالمئة خلال الأشهر الأخيرة من سنة 2024.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس