قالت سمية الغنوشي الباحثة التونسية في شؤون الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، إنها تخشى أن تتحول الإمارات إلى إسرائيل جديدة في المنطقة، مؤكدة أن حكام أبوظبي يعتبرون تغذية الصراعات وإثارة الفتن والقلاقل نجاحاً لسياستهم الخارجية.
وكشفت في حوار مع “الشرق” القطرية أن سفير الإمارات في تونس شكل جبهة سياسية لمواجهة حركة النهضة، موضحة أن المشروع الإماراتي يستهدف التعايش المشترك بين التونسيين، وليس النهضة فقط.
واعتبرت قرار منع التونسيات من ركوب الطائرات الإماراتية جائر ويمس كرامة المرأة التونسية، مشددة على أن القرار يخالف العهود الدولية ومواثيق حقوق الإنسان.
نص الحوار..
كيف ترين قرار السلطات الإماراتية منع التونسيات الركوب على طائراتها؟
بكل تأكيد هو قرار جائر بحق المرأة التونسية ويمس كرامتها، ومخالف للعهود الدولية، ومواثيق حقوق الإنسان التي تضمن الحق في التنقل، فضلا عن كونه مخالفاً لقوانين الملاحة الدولية.
وإذا كانت هناك إجراءات أمنية كما تقول الإمارات فهذا يقتضي احتراما لأعراف التعامل بين الدول، ومن ذلك إعلام الجهات الرسمية. كما أن الإجراء الأمني لا يبرر التمييز على أساس الجنس بين النساء والرجال، فليس هناك ما يبرر السماح للأزواج بالسفر ومنع الزوجات أو الأمهات والبنات القاصرات بمزاعم أمنية.
ومن جهتنا نحن حريصون على علاقات تعاون مع جميع الأشقاء العرب، ولكن حينما يتعلق الأمر بكرامة التونسيات والتونسيين لا نملك إلا أن نرفع أصواتنا.. فقد أنجزنا ثورة اسمها ثورة الحرية والكرامة، ولا نقبل من أي كان أن يمس من حريتنا وكرامتنا تحت أي مبرر من المبررات.
هل بالفعل القرار جاء بناء على إجراءات أمنية.. أم هناك دوافع أخرى؟
هذا القرار في ظاهره أمني، ولكن في باطنه سياسي، وهو يؤكد أن حكام أبوظبي اعتبرونا خطراً على أمنهم القومي ورأوا في نجاح تجربتنا الديمقراطية فشلا لهم. فقد حاولوا سابقا استخدام كل الأساليب لتخريب التجربة الديمقراطية في تونس، مثلما عملوا على تزويد أطراف الصراع في ليبيا بالسلاح، بدلا من أن تتركز جهودهم على دعم التوافق والحوار بين أبناء الوطن الواحد .. للأسف، حكام أبوظبي يعتبرون تغذية الصراعات وإثارة الفتن والقلاقل نجاحا لسياستهم الخارجية، وهم بذلك يريدون توجيه رسالة للعالم بأن الديمقراطية لا تصلح للعرب.
ما الذي تريده الإمارات من تونس؟
باختصار تريد أن تعاقب التونسيين على التجرؤ على ثورتهم ثم تريد أن تعاقبهم أكثر على نجاحهم في الحفاظ على تجربتهم الديمقراطية رغم كل الصعوبات والهزات .. وليس سرا أن الإمارات قد ارتبطت بعلاقات وثيقة مع قوى اليمين المتطرف واللوبيات الصهيونية في الولايات المتحدة لتحريضها على ثورات الشعوب العربية، وهي تعمل بالليل والنهار لقطع الطريق أمام أي تغيير ديمقراطي في المنطقة ..
وقد أزعجها أن تونس اليوم من أكثر دول المنطقة استقرارا، وأنها بصدد بناء مؤسسات وآليات لإدارة الحكم وانتقال السلطة والتخلص من الحكم الفردي. كما أن استقرارها السياسي مبني على أسس الديمقراطية وليس استقرارا هشا مبنيا على القمع وتكميم الأفواه كما هو حاصل في دول عربية كثيرة.
كيف ترون الرد التونسي على القرار؟
الرد التونسي كان معقولا ومتوازنا، فالدولة التونسية لم ترغب في التصعيد أو توتير العلاقات، ولكن اتخاذ هذا القرار المهين لكرامة المرأة التونسية وعموم التونسيين، دفعها إلى منع الخطوط الجوية الإماراتية من التحليق من وإلى المطارات التونسية. وطالب وزير الخارجية بالاعتذار العلني عن هذا القرار المفاجئ. وهو ذات الموقف الذي عبر عنه الرأي العام وجل الأحزاب السياسية وهيئات المجتمع المدني، باستثناء بعض الأطراف المرتبطة بالأجندة الإماراتية في تونس طبعا.
هل الاستهداف لحركة النهضة أو للدولة التونسية ؟
الإمارات تستهدف التجربة التونسية لأنها لا تريد أن ترى قصة نجاح في المنطقة ورسالتها التي تجوب بها كل دول العالم هي أن الديمقراطية لا تصلح للمنطقة وانه لا بديل عن حكومات بن علي ومبارك والقذافي إلا الدمار والفوضى .. وتونس تقول لهم إن هناك بديلا ثالثا بين الدكتاتورية والفوضى وهو ديمقراطية التوافق.
هل رصدتم مؤشرات على استهداف النهضة؟
ليس سرا كون الإمارات تعمل على محاصرة النهضة، وإضعافها بكل السبل، وقد عمل السفير الإماراتي بتونس الأيام الأخيرة، على تشكيل جبهة سياسية في مواجهة النهضة، وهو ما يعد تدخلا سافرا في الشأن الداخلي.
ومازالت حكومة أبو ظبي تعمل بالليل والنهار على محاصرة النهضة وإضعافها بالتحريض الإعلامي واستخدام المال لشراء الموالين، بعد استخدام ورقة الإرهاب في وجه النهضة، وهم يراهنون على إسقاط آخر حلقات الربيع العربي، وتثبيت أقدام الثورة المضادة حتى يروجوا لنظريتهم بكارثية الربيع العربي.
لقد عملت النهضة منذ البداية على الانفتاح على كل الدول العربية وتجنب المشكلات، ولكن الإمارات قابلت هذه السياسة بعدائية شديدة ولَم ترغب في نجاح تجربة التوافق الوطني ووجود النهضة في الحكم لأنها لا ترى من مكان للإسلاميين الديمقراطيين غير المشانق أو السجون والمنافي .. وأنا شخصيا ألوم النهضة على المبالغة في المهادنة، وعدم التعبير عن المواقف بجرأة ووضوح، خصوصا فيما يتعلق بسياسة الإمارات في تونس وعموم المنطقة.
وبالمناسبة، أنا لا أحمل أي صفة رسمية في “النهضة” وأعبر عن مواقفي ككاتبة وصحافية، سواء في الصحف البريطانية أو المواقع العربية. أن أكون ابنة الشيخ راشد الغنوشي فهذا لا يعني ضرورة أنني أتوافق معه في كل شيء. وكثيراً ما لامني والدي عن بعض المواقف التي يراها محرجة له شخصياً.
ما تقييمك لدور حكام الإمارات في المنطقة بشكل عام؟
مشكلة حكام الإمارات الكبرى أنهم صاغوا عقيدتهم الأمنية على معادلة بسيطة مفادها أن أي نجاح للتوجهات الإسلامية الديمقراطية تعني تهديدا مباشرا. ولذلك ضخوا الأموال وجندوا وسائل الإعلام لتيئيس الشعوب العربية من التغيير وأصبحوا يتدخلون في كل ملفات المنطقة، من موريتانيا إلى سلطنة عمان بل حتى أبعد من ذلك. بل أنهم لم يتورعوا عن دعم الانقلاب العسكري في تركيا، ولا حتى عن استهداف منظمات إسلامية عاملة في أمريكا وأوروبا تدافع عن حقوق الأقلية المسلمة وذات توجهات معتدلة، وعملت على استهدافها والتحريض عليها، في تحالف مفضوح مع الجماعات اليمينية المتطرفة واللوبيات الصهيونية.
يفهم من كلامك أن أبوظبي تخدِّم على مصلحة الكيان الصهيوني؟
من يريد أن يكتشف حقيقة موقف حكام أبو ظبي، عليه أن يراقب موقفهم من القدس والقضية الفلسطينية، حيث باتوا في تطابق كامل مع ترامب ونتنياهو، وأخشى ما أخشاه اليوم هو أن تتحول الإمارات إلى إسرائيل جديدة في المنطقة.
ما الذي تراهن عليه الإمارات في الساحة التونسية؟
هي تراهن اليوم على القوى الاستئصالية ومثيري الفتن في إطار إستراتيجيتها القائمة على إرباك الخصوم وبث الفوضى وتوسيع الصراع. وقد تحول المشروع الإماراتي إلى استهداف الدولة وضرب أسس الاستقرار والتعايش المشترك بين التونسيين، فالإمارات لا تدخر جهدا في محاصرة تونس والتأليب عليها.
بعد قرار ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.. نود منكم معرفة خلفية حملة عربيّات ضد التطبيع التي أطلقتموها؟
نعم أطلقنا حملة واسعة في العالم العربي تحت عنوان عربيّات ضد التطبيع، وقد لقيت تفاعلا واسعا بين النساء العربيات بما في ذلك الخليج والمهجر، وتهدف هذه الحملة إلى الارتفاع بمستوى الوعي السياسي للمرأة العربية في مواجهة مشاريع التطبيع مع دولة الاحتلال وبناء جسور التواصل بين النساء العربيات، خاصة في ظل توجه بعض الدول العربية والخليجية إلى بناء علاقة تحالف مع إسرائيل بحجة مواجهة الخطر الإيراني.