أفريقيا برس – تونس. بعد إجازة صيفية لنحو شهرين ونصف، عاد أكثر من مليونين و354 ألفا من التلاميذ في تونس إلى مقاعد الدراسة، وسط توترات بين نقابات ووزارة التربية.
وأصدرت وزارة التربية في 21 يوليو/ تموز الماضي قرارا ببدء العام الدراسي في 15 سبتمبر/ أيلول الجاري الموافق لليوم الاثنين.
ووفق إحصائيات رسمية للوزارة التونسية، يبلغ عدد المعلمين نحو 154 ألفا و779، إضافة إلى مليونين و354 ألفا و820 طالبا.
الرئيس قيس سعيد، وخلال زيارته إلى المركز الوطني البيداغوجي (حكومي مختص بالتدريس) في أغسطس/ آب الماضي، التقى عددا من الكوادر واطّلع على سير العمل والتحديات التي يواجهها القطاع التربوي.
ووفق بيان للرئاسة التونسية حينها، شدّد سعيد على ضرورة ضمان التوزيع العادل لمواد القرطاسية على كافة التلاميذ دون استثناء وتوزيع الكتب مجانا على المحتاجين.
وأكد أن “التعليم حق طبيعي لكل طفل تونسي، والكتب والكراسات حق وليست منّة، إذ أكره كلمة الإعانة، لأن ما يُقدّم للتلميذ حق مشروع”.
نقابات غاضبة
بدورها، عادت النقابات في تونس للاحتجاج على أوضاع التعليم، تزامنا مع انطلاق العام الدراسي، وسط خلافات مع وزارة التربية.
وفي 8 سبتمبر، نظمت نقابات تابعة للاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر نقابة)، احتجاجات في مدن قفصة (وسط)، وسوسة وسيدي بوزيد (شمال)، “دفاعا عن الحق النقابي”، وفق وسائل إعلام محلية.
كما نفذت وقفات احتجاجية أمام مندوبيات التربية في ولايات أخرى متفرقة، مثل بن عروس وقابس وتوزر وقابس والقصرين وقبلي.
وشملت الاحتجاجات ولايات صفاقس والقيروان وسليانة والمنستير (غرب).
وفي 4 سبتمبر، اتهمت الجامعة العامة للتعليم الثانوي (نقابة) وزارة التربية بـ”التعنت وغلق باب التفاوض الجدي، وضرب الحق النقابي”.
وأدانت “تفرد وزارة التربية بتعيين المدراء والموجهين التربويين”، معتبرة ذلك “تكريسا للمحاباة وضربا لمبدأ تكافؤ الفرص”.
استمرار الاحتجاجات
وتعقيبا على ذلك، قال سكرتير عام الجامعة محمد الصافي: “ستكون لنا وقفة احتجاجية في 17 سبتمبر من الساعة العاشرة صباحا (بالتوقيت المحلي) إلى الساعة 12”.
وأضاف الصافي للأناضول: “أسباب هذه الإجراءات هي ضرب الحق النقابي وغلق باب التفاوض من قبل وزارة التربية، ونقل الأساتذة وتعيين مدراء للمدارس بصفة أحادية، دون إشراك النقابات كما جرت العادة”.
واتهم الوزارة بأنها تريد “تنصيب من تراه ملائما، ليلبي لها كل ما تريد، وهذا يهدف إلى ضرب الاتحاد العام للشغل”.
وأوضح أن “البنية التحتية للمؤسسات التربوية لم تعد قادرة على مواجهة الزمن، في ظل وجود مؤسسات عمرها 50 سنة، ولا تخضع للصيانة”.
وأضاف الصافي أن “التلاميذ يقضون أوقات الفراغ في الشارع، وجدار معهد المزونة (في ولاية سيدي بوزيد/ وسط) الذي تسبب بمقتل 3 من أبنائنا، لم يرمم بعد”.
يذكر أن 3 تلاميذ لقوا مصرعهم في أبريل/ نيسان، عقب انهيار جزء من سور المعهد بالمزونة، إثر هبوب رياح قوية، ما تسبب حينها بموجة استياء واسعة في تونس.
عودة كلاسيكية
من جانبه، قال رضا الزهروني، رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ (غير حكومية)، للأناضول إن “العودة المدرسية هذا العام كلاسيكية لا جديد فيها”.
وأضاف الزهروني: “العودة للمدارس تأتي وسط عدم استقرار بالمنظومة التربوية، وهي مكلفة، فالكراسات المدعمة (من الدولة) رخيصة، مقارنة بالكراسات المتداولة، لكنها لا تصل إلى الجميع، وكذلك المحفظات والأزياء الرياضية مرتفعة الثمن”.
وسبق أن أعلنت وزارة التجارة التونسية انطلاق الحملة الوطنية المشتركة لمراقبة المستلزمات المدرسية، في إطار الاستعداد للعودة المدرسية هذا العام.
الزهروني قال إن “التلميذ الواحد يتكلف ما بين 200 إلى 800 دينارا (66.6 إلى 266.6 دولار) مطلع العام الدراسي، وهي كلفة باهظة من حيث المقدرة الشرائية”.
وحذر من أن “العودة المدرسية تشكل بداية للنفقات التي لا تتوقف، والتي تشمل كلفة الدروس الخصوصية والنقل”.
واستطرد في حديثه عن معاناة الأهالي مطلع العام الدراسي قائلا: “احتياجات المدرسة ليست في متناول حتى العائلات متوسطة الحال”.
والسبت، أصدرت وزارة النقل بيانا أعلنت فيه استعداداتها للعودة المدرسية، من خلال تخصيص 2170 خطا للتلاميذ على شبكة الحافلات بعموم تونس.
غياب للرؤية
ومتحدثا عن واقع البنية التحتية للمدارس، قال الزهروني: “لا نسمع بالمدارس إلا عن المصائب، فقد رأينا سقفا يسقط على التلاميذ، والماء يتسرب في أروقة بعض المؤسسات التعليمية”، وفق قوله.
وعن الموقف الرسمي، أوضح أن “الدولة ليست لديها رؤية إصلاح حقيقية، ووفق الدستور، فأنا كمواطن، شريك للدولة في التربية والتعليم، ومن حقي التدخل لأني أدفع ضرائب”.
وفيما يتعلق بالمسؤولية، لفت الزهروني إلى أن “النقابات والأطراف المساهمة في أداء المنظومة التربوية وأولياء الأمور، كلنا مشتركون في انهيار المنظومة التربوية”.
وبشأن الحلول، اقترح وجود “رؤية اجتماعية وحوار بين مختلف الأطراف للإصلاح، وأصبحنا نرى ارتفاعا في معدلات الانقطاع المبكر عن التعليم، وتدهورا في نسبة النجاح في الامتحانات الوطنية”.
ودعا إلى “حوار وطني حول المنظومة التربوية وإصلاح جاد لا تقوم به وزارة التربية لوحدها”، مؤكدا على “دور المجلس الأعلى للتربية والتعليم الذي ينتظر نصوصا تطبيقية ليتم تفعيله”.
وخلص الزهروني إلى أن “الحلول موجودة، والانطلاق في الإصلاح ضروري ويتطلب حسا وطنيا حقيقيا”.
وفي سبتمبر 2024، أقر مرسوم رئاسي تشكيل مجلس أعلى للتربية، للنظر في مسائل التعليم.
ووفق المادة 135 من دستور تونس، يتولى المجلس “إبداء الرأي في الخطط الوطنية الكبرى في مجال التربية والتعليم والبحث العلمي والتكوين المهني وآفاق التشغيل”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس