حظي مشروع القانون المتعلق بإحداث مجلس وطني للحوار الاجتماعي وبضبط مشمولاته وكيفية تسييره، المعروض اليوم الثلاثاء، على الجلسة العامة بمجلس نواب الشعب، بموافقة 121 نائبا واحتفاظ نائب واحد، ودن تسجيل أي اعتراض.
وتركز النقاش خلال الجلسة على مسائل تعلقت أساسا بمعايير التمثيل صلب المجلس؛ حيث اعتبر عدد من النواب في مداخلاتهم أن الإشكال في هذا المستوى يكمن في طريقة تحديد المنظمة الأكثر تمثيلا باعتبار أن القانون التونسي يفتقر حاليا لنص يضبط معايير دقيقة للتمثيلية النقابية. وشدد المتدخلون، في هذا الإطار، على أن الحوار قاعدته توسيع الاستشارة لا تضييقها أو إغلاق الباب أمام بعض الأطراف الاجتماعية.
كما تناول النقاش ما اعتبره بعض النواب إشكالا دستوريا يطرحه إحداث المجلس الوطني للحوار الاجتماعي والمتمثل في وجود تداخل بين مهامه وصلاحيات هيئة التنمية المستدامة.
من جهة أخرى، دعا ماهر مذيوب نائب عن كتلة حركة النهضة، إلى ضرورة انفتاح المجلس على الجالية باختلاف مكوناتها، ومزيد الاهتمام بضمان حقوق المهاجرين من أجل توطيد صلتهم بوطنهم الأم، مقترحا، في هذا الصدد، التفكير في ممثلين عن التونسيين بالخارج صلب تركيبة المجلس.
ودعا النائب هيكل بلقاسم (الجبهة الشعبية) إلى ضرورة مراجعة مجلة الشغل في علاقة بالمهام الموكولة للمجلس الوطني للحوار الاجتماعي، مشددا على أنه من أهم التحديات المطروحة أمامه فض النزاعات الشغلية مع التأكيد على ضرورة تسليط الضوء على ما يعانيه العمال في القطاع الخاص وضمان احترام العمل النقابي داخل المؤسسات الخاصة.
أما على مستوى الشكل، فقد ركز النائب نذير بن عمو النائب عن حركة النهضة، في مداخلته، على عدم دستورية مشروع القانون المتعلق بإحداث هذا المجلس باعتبار أنه لا يندرج، وفق الفصل 65 من الدستور، في صنف القوانين العادية ولا الأساسية، عازيا ذلك إلى وجود ما وصفه بـ “خلل” على مستوى النظام الداخلي لعمل اللجان التي يتم صلبها النظر في مشاريع القوانين.
وثمن عدد من النواب، في مداخلاتهم، مبادرة تركيز المجلس الوطني للحوار الاجتماعي التي رأوا أنها توفر إطارا مهما لتنقية المناخ الاجتماعي، مؤكدين على ضرورة إنجاح هذه التجربة واستغلالها للتسويق للتجربة الديمقراطية في تونس بما يجعلها نموذجا يحتذى به في الوطن العربي.
وفي تفاعله مع تدخّلات النواب، بيّن وزير الشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي في علاقة بطرح إشكالية دستورية القانون المحدث للمجلس الوطني للحوار الاجتماعي، أن الفصل الأول من مشروع هذا القانون ينص على تمتيع المجلس بالاستقلالية المالية والإدارية وعلى إلحاق ميزانيته ترتيبيا بالميزانية العامة للدولة، وبالتالي فهو يخضع في أنشطته، وفق الفصل 22، إلى نظام الصفقات العمومية ومجلة المحاسبة العمومية، وهو ما يعني أنه سيتخذ شكل مؤسسة عمومية ذات صبغة إدارية.
وأوضح الطرابلسي، في هذا الخصوص، أن النظام القانوني للمجلس الوطني للحوار الاجتماعي يحتوي على خصوصيات غير متوفرة لدى المؤسسات العمومية المعهودة في القانون التونسي خاصة من حيث المهام الموكولة إليه ومن حيث تركيبته، وباعتباره لا يتبع أية سلطة على غرار بقية المؤسسات العمومية؛ وتبعا لهذه الخصوصيات يمثل المجلس صنفا جديدا مستقلا بذاته عن الأصناف المعهودة من المؤسسات العمومية مما يدخل إحداثه في باب ما اقتضته المطة الأولى من الفصل 65 للدستور التونسي على غرار القانون المنظم للمجلس الوطني للهجرة.
وبخصوص النقطة التي أثارها عدد من النواب والمتعلقة بالتداخل المحتمل بين مهام المجلس وهيئة التنمية المستدامة، أكد الوزير أنه لا وجود لأي تداخل لاعتبار أن مرجع نظر هذه الأخيرة واسع للغاية على عكس مشمولات المجلس. وأـوضح أن هذا الأخير ذو تركيبة ثلاثية متوازنة بين الحكومة ومنظمات أصحاب العمل والعمال، استجابة لأحكام العديد من اتفاقيات العمل والعمال فيما يهمّ المسائل الاجتماعية، وفي هذا الإطار فإن الحكومة ترأس هذا المجلس لا كسلطة بل كأحد أطراف الإنتاج.
أما فيما يخص معايير التمثيل في المجلس، أشار الوزير إلى أن التعددية النقابية وفلسفة منظمة العمل الدولية لا تعتمد التمثيلية النسبية وإنما تنزع إلى النقابة الاكثر تمثيلا، موضحا أنه سيتم الاعتماد في تحديدها على إلاحصائيات المتوفرة لدى وزارة الشؤون الاجتماعية بالإضافة إلى تصريحات المنظمات النقابية بعدد المنخرطين فيها، باعتباره مقياسا أساسيا في تحديد التمثيلية التي تقوم مؤشراتها أيضا، على مدى الانتشار الجغرافي والانتشار القطاعي واستقلالية التنظيم وتأثير المنظمة على الفئة التي تمثلها.
ولفت محمد الطرابلسي، في هذا الإطار، إلى أهمية عدم الخلط بين المنظمة النقابية والطرف الاجتماعي الذي يخضع تحديد الانتماء إليه إلى مقاييس أخرى، مذكرا بان القانون التونسي يفتقر حاليا لنص يضبط معايير دقيقة للتمثيلية النقابية التي تعكف الوزارة حاليا على ضبطها بما يتماشى ومقتضيات القانون الدولي.
وينص القانون الذي يندرج في إطار تجسيم مختلف بنود العقد الاجتماعي الذي تم إبرامه بتاريخ 14 جانفي 2013، على أن المجلس الوطني للحوار الاجتماعي ومقره العاصمة، هو مجلس استشاري يتمتع بالشخصية القانونية والاستقلالية المالية والإدارية وتلحق ميزانيته ترتيبيا بالميزانية العامة للدولة، وتكون تابعة لميزانية وزارة الشؤون الاجتماعية.
ويتولى المجلس، بمقتضى القانون، تنظيم الحوار الاجتماعي وإدارته في المسائل الاجتماعية والاقتصادية التي تحظى باهتمام الأطراف الاجتماعية الثلاثة (الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية)، في إطار يضمن استمرار الحوار وانتظامه.
ويستشار المجلس وجوبا في مشاريع القوانين ومشاريع الأوامر الحكومية ذات العلاقة بالشغل والعلاقات المهنية والتكوين المهني والحماية الاجتماعية. كما يمكن أن يستشار في مشاريع القوانين والأوامر الحكومية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية وفي مخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفي الميزانيات الاقتصادية.
وعلى مستوى هياكله، يتكون هذا المجلس من هيئة جماعية تسمى الجلسة العامة ومن مكتب الجلسة العامة وإدارته. وتتركّب الجلسة العامة من عدد متساو من ممثلين عن الحكومة وممثلين عن المنظمات النقابية لأصحاب العمل وعن منظمات العمال الأكثر تمثيلا على المستوى الوطني. ويضبط عدد أعضاء الجلسة العامة بأمر حكومي، كما يتم تعيينهم بأمر حكومي باقتراح من الأطراف الممثلة لمدة ست سنوات. ولا يمكن الجمع بين العضوية البرلمانية والعضوية بالمجلس.