أفريقيا برس – تونس. اعتبر محمود بن مبروك، الأمين العام لحزب “مسار 25 جويلية” التونسي أن قضية “التآمر على أمن الدولة” الصادر بموجبها عدة أحكام بحق شخصيات عامة “ملفا قضائيا بامتياز”، مشيرا إلى أن هذا الملف لا يشغل الشعب التونسي الذي لم يتحرك ضده.
جاء ذلك في مقابلة أجرتها الأناضول مع ابن مبروك، أكد خلالها مساندة الشعب التونسي لرئيس البلاد قيس سعيد، لا سيما في الملفات التي يتولاها القضاء.
وذكر السياسي التونسي أن موقف الدولة كان واضحا وخاصًة رئيس الجمهورية وهو “ألا يمس أي شخص إلا بملف قضائي”.
وقال: “القضايا المطروحة (بالتآمر على أمن الدولة) ينظر فيها القضاء وهو من يباشرها”، مبينا أن الأحكام التي صدرت “لم يتحرك الشارع ولم يكن قلقا منها لأن الموضوع لم يعد يعنيه”.
وتعود القضية إلى فبراير/ شباط 2023 عندما تم إيقاف عدد من الشخصيات العامة ووجهت إليهم تهم تشمل “محاولة المساس بالنظام العام وتقويض أمن الدولة”، و”التخابر مع جهات أجنبية”، و”التحريض على الفوضى أو العصيان”.
كما تشمل التهم “إثارة الهرج والقتل والسلب على التراب التونسي”، في أعمال “مرتبطة بجرائم إرهابية والاضرار بالأمن الغذائي والبيئة”.
ومن أبرز المدانين في القضية رجل الأعمال كمال اللطيف، والأمين العام السابق لحزب “التكتل الديمقراطي” خيام التركي، والقيادي بحزب “حركة النهضة” نور الدين البحيري، ورئيس الديوان الرئاسي الأسبق رضا بلحاج.
إضافة إلى أمين عام “الحزب الجمهوري” عصام الشابي، والوزير الأسبق غازي الشوّاشي، والرئيس السابق لاتحاد المزارعين عبد المجيد الزار ورئيس “جبهة الخلاص الوطني” أحمد نجيب الشابي، ووفق جريدة الشروق التونسية.
“لن يمس شخص إلا بملف قضائي”
وفي هذا الشأن، أفاد ابن مبروك بأن السلطة السياسية في تونس “لا تتدخل” في مسار القضية، مجددا التأكيد على موقف أعلنته الدولة ورئيسها بأنه “لن يمس أي شخص إلا بملف قضائي”.
وأشار إلى مطالب أعلنها الشعب خلال “ثورة 25 يوليو/ تموز 2021 عندما طالب بتصفية جميع الطبقة السياسية التي كانت تحكم البلاد، إلا أن موقف الدولة كان واضحا وخاصة رئيس الجمهورية ألا يمس أي شخص إلا بملف قضائي”.
وعليه، لفت بن مبروك إلى أن ملف “التآمر على أمن الدولة قضائي بامتياز والقضاء يتحمل مسؤوليته”.
اتفاق المعارضة “بدعة”
وانتقد ابن مبروك اتفاق أحزاب المعارضة على رفض الأحكام القضائية الصادرة بملف القضية، واصفا اتفاق أقصى يسار المعارضة مع أقصى اليمين بأنه “بدعة والتقاء مصالح”.
وتساءل مستنكرا: “هم (المعارضة) في السابق كانوا دائما يعارضون بعضهم بعضا كيف اتفقوا اليوم ولا يجمعهم الخط السياسي نفسه!”، وأردف: “هذا يدل على أنه ليس لهم خط سياسي واضح وليس بينهم تقارب”.
كما تساءل: “ما الذي يجعل أقصى اليمين يلتقي مع أقصى اليسار؟ خاصة الأحزاب اليمينية ذات المرجعية الإخوانية والدينية، ما الذي يجعلها تلتقي مع اليساريين أو القوميين أو الدستوريين؟”.
وخلص ابن مبروك إلى أنه “ثمة تكتل بين هذه الأحزاب إما للضغط على السلطة للمشاركة في الحكم، أو لإقصاء المنظومة الحالية”، على حد قوله.
“نرحب بالمعارضة البناءة”
وعلى صعيد آخر، أعلن ابن مبروك دعم حزبه للمعارضة شرط أن تكون “بناءة”، على حد وصفه.
وأوضح: “نحن كقوة سياسية موجودة في الساحة، نرحب بالمعارضة البناءة التي تعطي حلولا، وليس تلك التي تخدم أجندة خارجية ومدعومة من قوى أجنبية ولها تمويلات أجنبية لإدخال البلاد في متاهات”.
وأبرز أن حزبه يساند الحكومة والرئيس “مساندة نقدية” من أجل تحسين المنظومة عبر النقد البناء، منعا لتكرار ما عانى منه الشعب.
وتابع: “نعرف ما حدث للشعب التونسي طيلة العشرية السوداء (2011 -2021) من اغتيالات لأمنيين وعسكريين ومواطنين وسياسيين ومن تفقير للشعب وتسفير (لبؤر التوتر) وغيرها من الجرائم، وهنا لا نتحدث عن معارضة بل نتحدث عن سطو على إرادة الشعب”.
ويطلق أنصار الرئيس اسم “العشرية السوداء” على فترة الانتقال الديمقراطي التي تلت الثورة التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي، حيث شهدت البلاد عدة عمليات إرهابية وتوترات أمنية.
ووفق ابن مبروك فإن المنظومة التونسية الحالية “قائمة بإرادة الشعب، والرئيس الحالي يطبق ما طلبه منه الشعب عندما انتفض في 25 جويلية (يوليو) 2021”.
ورأى أن الشعب التونسي سينتفض مجددا رفضا للمنظومة “إذا حاد الرئيس عن مطالبه”.
وفي 25 يوليو 2021 اتخذ الرئيس إجراءات استثنائية، شملت حل مجلسي القضاء والنواب، وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة.
ويرى موالون للرئيس سعيد أن إجراءات 25 يوليو 2021 التي أنهى بها نظام ما بعد 14 يناير/ كانون الثاني 2011 “تصحيح لمسار الثورة”.
شروط الحوار الوطني
وحول طلب المساندين للرئيس بحوار وطني يجمعهم به لبحث مشاكل البلاد، رفض بن مبروك أن يجمعه حوار مع أي تيار أو شخص يظهر حاليا مساندة للرئيس لكن “يده ملطخة بالدماء”.
وقال: “لا يمكن الحوار مع أناس لا يتقاربون في الأفكار، هل نصبح مثل المعارضة التي لا يربط بينها أي التقاء فكري والآن يلتقون لغاية في نفس يعقوب”، في انتقاد لتيارات المعارضة التي تتقارب رغم اختلافها فقط لرفض سياسات النظام.
وتابع: “نتحاور مع المساندين لمسار 25 يوليو 2021، ولا يمكن الحوار مع المنظومة الملطخة يديها بالدماء، والاغتيالات ونحن أنفسنا انتفضنا ضدها”.
واستدرك: “يمكن أن نختلف مع الرئيس قيس سعيد إذا قبل على نفسه الحوار مع هذه الأطراف التي رفضها الشعب”.
الهجرة غير النظامية
وفي سياق متصل، تحدث بن مبروك عن “الهجرة غير النظامية” باعتبارها واحدة من أبرز المشاكل التي تعاني منها تونس.
وقال: “صحيح أن موضوع هجرة الأفارقة وتواجدهم في تونس أحدث مشكلات اجتماعية، لكننا نعتقد أن المنظومة الحالية نجحت ولو بنسبة معينة في إقناع الأفارقة بأن تونس ليست البلد المناسب له”.
واعتبر أن المشكلات الناتجة عن تنامي الهجرة غير النظامية إلى تونس تعود أيضا إلى ضعف البني التحتية للبلاد.
وأشار إلى أن “تونس ليست دولة عبور ولا دولة توطين” واعتبر أن الحديث عن اتفاقيات مع أوروبا في هذا الشأن “مغالطات”.
ومنذ مطلع العام، تشهد تونس موجات عودة للمهاجرين غير النظاميين المقيمين فيها “الطوعية” إلى بلادهم.
وفي 26 مارس/ آذار دعا الرئيس سعيد المنظمات الدولية إلى دعم جهود بلاده في إعادة المهاجرين طوعا إلى بلدانهم، وتكثيف التعاون في تفكيك شبكات الاتجار بالبشر.
وفي 23 يناير أعلنت وزارة الخارجية التونسية إعادة 7 آلاف و250 مهاجرا إلى بلدانهم طوعا خلال العام 2024، بالتعاون مع المنظمات الدولية، وعلى رأسها المنظمة الدولية للهجرة.
وقدم معظم المهاجرون إلى تونس من دول إفريقية هربا من الأزمات السياسية والاقتصادية في بلادهم، بهدف العبور إلى أوروبا عبر البحر المتوسط، حيث تعتبر تونس محطة عبور نحو السواحل الإيطالية.
وبحسب ابن مبروك، كان على الدول الأوربية التي استعمرت سابقا الدول الإفريقية “فتح مشاريع وآفاق داخل تلك الدول باعتبار أن الفضاء الأوروبي رافض لقبول الأفارقة لذلك يحاول حصرهم في دول شمال إفريقيا”.
وطالب السياسي التونسي المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي بـ”تحمل مسؤوليته في إيجاد حلول عاجلة عن طريق تونس التي أقنعتهم بالرجوع الطوعي وتحفيزهم بمدهم بمبالغ مالية لإقامة مشاريع صغرى في بلدانهم عوض البقاء في تونس”.
وفي سبتمبر/ أيلول 2023 أعلنت المفوضية الأوروبية تخصيص 127 مليون يورو مساعدات لتونس، ضمن مذكرة تفاهم تتعلق بملفات بينها الحد من تدفق المهاجرين إلى أوروبا.
توقع بتحسن الوضع الاقتصادي
وعلى صعيد آخر، ألمح بن مبروك إلى توقعات بـ”تحسن الوضع الاقتصادي التونسي” في الآونة المقبلة.
ولفت إلى أنه “خلال الفترة الأخيرة سددت تونس قروضا أخذتها الحكومات السابقة”، مبينا أن هذه القروض أثقلت صندوق الدعم، كما فرضت ضغوطا على الشارع بسحب مواد أساسية الغاية منها الضغط على السلطة”.
وعلى هذا النحو، شدد على ضرورة أن تولي السلطة اهتماما لسد احتياجات المواطن، مضيفا: “طموحاتنا هي تحسين ظروف حياة المواطن باعتبار أن الشعب ضحى مع المنظومة الحالية وصبر ورفض المنظومات السابقة واعتبر أن الاستقرار الأمني أهم من الاستقرار الغذائي”.
علاقات قوية مع الجزائر
وأبرز ابن مبروك عمق العلاقات التونسية الجزائرية، من خلال الحديث عن استعانة تونس بتمويلات الصندوق الإفريقي بعدما رفضت تمويلات من صندوق النقد الدولي.
وقال: “تونس في مرحلة ما رفضت تمويلات صندوق النقد الدولي، واعتمدت على الصندوق الإفريقي الذي نسبة كبيرة من تمويلاته جزائرية”.
وذكر أن “الاستقرار السياسي الجزائري التونسي مهم لحل حتى المشكلات الاقتصادية والاجتماعية في تونس”.
ونوه أن العلاقة بين البلدين تشهد الآن “انسجاما” رغم التحديات الاقتصادية والأمنية والعسكرية، مشيرا إلى أن حزبه لديه “نظرة إيجابية للعلاقات الجزائرية التونسية”.
وأضاف: “لدينا حدود مع الجزائر ومع ليبيا وفي ظل عدم استقرار الدولة الليبية من مصلحتنا ومصلحة الجزائر أن تشهد الحدود بيننا استقرارا، وهذه مصلحة مشتركة بين البلدين”.
لكنه في المقابل، أشار إلى وجود “تحديات قائمة بفعل التحولات الجيواستراتيجية في المنطقة، منها الحرب في غزة والتطورات في سوريا”.
وبدعم أمريكي ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إبادة جماعية في غزة، خلّفت أكثر من 172 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.
المصدر: وكالة الأناضول
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس