تصاعد الاحتجاجات البيئية في قابس ضد المصانع الكيميائية

9
تصاعد الاحتجاجات البيئية في قابس ضد المصانع الكيميائية
تصاعد الاحتجاجات البيئية في قابس ضد المصانع الكيميائية

إيمان الحامدي

أفريقيا برس – تونس. تظاهر مئات من سكان مدينة قابس بجنوب تونس للمطالبة بتفكيك مصنع لمعالجة الفوسفات يصرّف نفاياته في البحر والهواء الطلق، وذلك عقب تزايد حالات الاختناق.

ونشرت سلطات تونس، السبت، وحدات الجيش والشرطة لمنع المتظاهرين من دخول مقار المصانع الكيميائية بمحافظة قابس بعد تصاعد الغضب في المنطقة احتجاجاً على ارتفاع مستويات التلوث الناجمة عن مخلفات المصانع وتكرر حالات الاختناق في صفوف المواطنين.

ومنذ الجمعة، يحاول نشطاء بيئيون في قابس تنفيذ اعتصام في مقار المجمع الكيميائي رافعين شعارات تطالب بتفكيك وحدات المجمع وحماية المواطنين والحياة البرية والبحرية في المنطقة من مخلفات التلوث المتواصل منذ عقود.

وتجمع الأهالي أمام الإدارة الجهوية للمجمع للاحتجاج، كما قاموا بإشعال إطارات السيارات وأغلقوا الطريق المؤدية إلى المنطقة الصناعية. وهتف المتظاهرون الذين تجمعوا تلبية لدعوة منظمة «أوقفوا التلوث» غير الحكومية «الشعب يريد تفكيك الشركة الكيميائية»، و«نريد أن نعيش»، و«قابس ضحية التلوث وظلم الحكومة».

وعرضت وسائل إعلام محلية، مقاطع فيديو تُظهر تلاميذ يواجهون صعوبات في التنفس في مدرسة في شط السلام، بالقرب من مصنع ضخم للأسمدة. وظهر في المقاطع عناصر من الحماية المدنية وأولياء أمور قلقون.

وفي التاسع من سبتمبر/أيلول المنصرم، نُقل نحو عشرين شخصاً إلى مستشفى في قابس بسبب مشاكل اختناق ناجم عن أبخرة المصنع نفسه، بحسب إذاعة «جوهرة إف إم» المحلية.

وأرجع الاتحاد الجهوي للشغل التسربات الغازية المتكررة إلى اهتراء المعدات وانتهاء عمرها الافتراضي. وقال في بيان: «قابس جهة منكوبة وعلى فوهة قنبلة موقوتة». كما هدد بإعلان الإضراب العام في الولاية.

وأوضح في البيان: «في حال تواصل اغتيال البيئة في قابس وعدم وضع حد لجريمة الدولة المتعاقبة لعدة عقود وعدم التدخل السريع لإيجاد الحلول الجذرية، فإن الاتحاد الجهوي في قابس سيقرر الإضراب الجهوي العام دفاعاً عن المنطقة».

وقال المتحدث باسم حراك “ستوب بوليوشن” (كفى تلوثاً) خير الدين دبيّة إن حشداً من المواطنين تجمع، السبت، في محيط المجمع الكيميائي للمطالبة بتطبيق قرار تفكيك الوحدات الصناعية التي تعدم الحياة في المنطقة وتسببت في مئات حالات الاختناق خلال الأسابيع الأخيرة، مؤكداً أن السلطات نشرت وحدات من الجيش والشرطة في محيط المجمع وأغلقت جميع المنافذ لمنع المحتجين من تنفيذ اعتصام مفتوح داخله، مشيراً إلى أن المجمع يصنف منطقةً عسكريةً.

وتحدث دبية عن تصاعد الغضب الشعبي في محافظة قابس في ظل صمت تام من قبل السلطات المحلية والمركزية إزاء ما يحصل، لافتاً إلى أن العمر الافتراضي لأغلب وحدات المجمع الكيميائي انتهى وفق تقارير حكومية صدرت عام 2017 ويفترض وفق التقارير نفسها أن تفكك في غضون ست سنوات على أقصى تقدير.

وتركز أول مصنع تابع للمجمع الكيميائي التونسي سنة 1972، وهو مخصص لإنتاج الحامض الفسفوري، وبين العامين 1979 و1985، أُنشئت وحدتان لإنتاج سماد الفوسفات ثنائي الأمونيوم، وسنة 1983، أنشئ مصنع لإنتاج نترات الأمونيوم.

وبعد سنوات من نزاعات ذات طابع اجتماعي عطّلت استخراج الفوسفات ونقله، قرر الرئيس قيس سعيد، إحياء هذا القطاع الذي تراجعت فيه تونس من المركز الخامس عالمياً عام 2010 إلى المركز العاشر اليوم.

وتعتزم الحكومة زيادة كميات الأسمدة المُنتجة خمس مرات بحلول عام 2030 (من نحو 3 ملايين طن سنوياً إلى 14 مليون طن) للاستفادة من ارتفاع الأسعار العالمية.

لكن خير الدين دبية يرى أن عدم تعهد الوحدات بالصيانة وتقادم معداتها أصبحا يشكلان خطراً كبيراً على أمن المنطقة نتيجة المواد الخطرة التي يصنعها المجمع، مضيفاً: “أعدم المجمع الكيميائي على مر عقود الحياة البرية والبحرية في المنطقة بسبب الغازات التي تنفث من مداخن المصانع وكميات الفوسفوجيبس التي تسكب في البحر، ما تسبب في اختلال المنظومة البيئية في المنطقة وانقراض عشرات الأصناف من الكائنات البحرية على سواحل المدينة”.

وفي مارس / آذار الماضي، أصدر مجلس وزاري مضيّق جملة من القرارات، من بينها حذف مادة الفوسفوجيبس من قائمة النفايات الخطرة، وهي مادة مصنفة خطرة منذ سنة 2000 طبقاً للأمر عدد 2339.

وكان القرار الحكومي بمثابة خطوة قبرت قراراً حكومياً صادراً منذ 2017، ناضل سكان قابس من أجل تنفيذه، حيث يقضي القرار بإيقاف سكب الفوسفوجيبس في البحر وتفكيك وحدات إنتاج المجمع الكيميائي وتعويضها بوحدات متطورة تحترم البيئة.

ومنذ عام 2017، تؤجل الحكومات المتعاقبة تطبيق قرار تفكيك وحدات المجمع، الأمر الذي دفع نشطاء البيئة في المنطقة إلى تنفيذ احتجاجات متواترة، حيث تصنف قابس سابقاً أجملَ واحة بحرية في العالم، غير أن النفايات الكيميائية غيرت شكل المنطقة التي لم تعد صالحة للحياة وفق خير الدين دبية، مشيراً إلى أن شكل الواحة البحرية تغير بشكل كامل حيث أصبح البحر عبارة عن بؤر طينية سوداء من جراء المعادن الثقيلة التي تسكب في البحر من مخلفات صناعة الفوسفات.

يعتبر خليج قابس منطقة ذات إنتاجية عالية إذ يمثل موطناً لأصناف كثيرة من الأسماك والقشريات، وترتكز أنشطة الصيد في قابس على الصيد الساحلي أساساً إضافة إلى الصيد القاعي وشباك الجر.

وقال الرئيس التونسي قيس سعيد، الأسبوع الماضي، إن قابس تعرضت منذ سنوات طويلة “لاغتيال للبيئة والقضاء عليها” بسبب اختيارات قديمة وصفها بأنها “جريمة”.

يذكر أنه تنبعث من إنتاج الأسمدة غازات شديدة السمية مثل ثاني أكسيد الكبريت والأمونيا، بينما يُلوّث الجبس الفوسفوري (أحد المنتجات الثانوية لهذا الإنتاج) التربة والمياه الجوفية بمواد مسرطنة مثل الرصاص والزرنيخ.

ويحتج سكان قابس منذ سنوات على تدهور بيئتهم، ويبدون أسفهم لتراجع صيد الأسماك في هذه الواحة الساحلية التي كانت تزخر بالثروة السمكية. وبحسب تقرير صادر عن مختبر العلوم الجيولوجية والبيئة في تولوز، نُشر في ديسمبر/كانون الأول الماضي، تُصدر محطة قابس «مستويات عالية جداً» من الملوثات التي تؤدي إلى «تداعيات وخيمة» بما في ذلك «تشوهات خلقية في القلب» وأنواع مختلفة من «السرطان».

في عام 2017، وعدت السلطات بتفكيك المجمّع واستبداله بمنشأة تتوافق مع المعايير الدولية، إلا أن هذه الخطة لم تر النور.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here